بعد أيام من التحذير الذي أطلقه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الصومالي حسن شيخ محمود في 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، وعبّر فيه عن رفضه الاتفاق بين إثيوبيا صوماليلاند (إقليم جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها دولياً)، والذي حصلت أديس أبابا بموجبه على حق استخدام واجهة بحرية في صوماليلاند، واصل المسؤولون الإثيوبيون تصريحاتهم التي تؤكد عزم أديس أبابا المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق مع إقليم صوماليلاند.
وكان السيسي قد قال في المؤتمر الصحافي إن "مصر لن تسمح لأحد بتهديد الصومال أو مس أمنها... لا أحد يجرب مصر ويحاول يهدد أشقاءها خصوصاً لو أشقاؤها طلبوا منها التدخل"، موجهاً حديثه لنظيره الصومالي، قائلاً: "اطمئن وبفضل الله نحن معكم ونقول للدنيا كلها نتعاون ونتحاور بعيداً عن أي تهديد أو المساس بالأمن والاستقرار".
إصرار على إقامة الميناء الإثيوبي في صوماليلاند
وأعلنت إثيوبيا أخيراً ترحيبها برغبة "موانئ دبي العالمية" المملوكة لدولة الإمارات، بالمشاركة في تطوير ميناء بربرة في منطقة صوماليلاند. وقال السفير الإثيوبي لدى أبو ظبي، عمر حسين، قبل أيام إن "إثيوبيا ترغب في التعاون في تطوير الموانئ ليس فقط مع موانئ دبي العالمية، ولكن أيضاً مع أي شركات أو دول مهتمة، وسيكون التعاون مع موانئ دبي العالمية امتداداً لشراكة إثيوبيا" التي وصفها بالقوية مع دولة الإمارات.
وفي حين أنّ رئيس صوماليلاند موسى بيهي عبدي أعلن، أخيراً، أن أديس أبابا وعدت بموجب الاتفاق بالاعتراف بـ"جمهورية أرض الصومال"، فإن الحكومة الإثيوبية لم تعلن نيتها القيام بذلك، إلا أنها أشارت إلى أنها ستجري "تقييماً معمقاً بهدف اتخاذ موقف بشأن جهود أرض الصومال للحصول على الاعتراف الدولي".
وحول التحرك المصري المتوقع لتنفيذ التهديد الذي أطلقه السيسي، قال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمار فايد، لـ"العربي الجديد"، إن "الحروب ثقب أسود للموارد كما يقال، ومصر تفتقر الآن أكثر من أي وقت مضى، للموارد اللازمة لتمويل حروب بالوكالة في الصومال ضد إثيوبيا، والحقيقة أن كلاً من الإمارات وإثيوبيا لا تتوقعان أن تقدم مصر على فعل أي شيء لتعطيل الاتفاق بين إثيوبيا وصوماليلاند". وأضاف: "الإمارات تدرك أن مصر لا تملك القيام بأنشطة عسكرية ضد إثيوبيا، وهو ما سبق اختباره في الصراع حول سد النهضة، ولذلك لا أعتقد أن تهديدات مصر الرسمية ستنعكس في إجراءات مؤثرة".
فايد: مصر تفتقر الآن أكثر من أي وقت مضى للموارد اللازمة لتمويل حروب بالوكالة في الصومال ضد إثيوبيا
وتابع فايد: "خطط الوجود العسكري المصري في الصومال ليست وليدة الأزمة الراهنة، فمنذ خمس سنوات على الأقل، تدرس مصر مثل هذه الخطوة، لكن لديها معوقات مالية ولوجستية، وحتى لو جرى الآن التغلب عليها أو تجاوزها بأي ترتيبات، فليس من المتوقع أن ترسل مصر قوات كي تنخرط في صراع مسلح مع إثيوبيا".
وأشار فايد إلى أنه "في عام 2021، منحت الإمارات حصة 19 في المائة من ميناء بربرة فـي صوماليلاند إلى إثيوبيا، ووقّع الجانبان صفقة بقيمة مليار دولار لتطوير ممر تجاري ولوجستي يربط إثيوبيا مـع صوماليلاند، وتعتمد الإمارات حالياً على إثيوبيا كمصدر للصادرات الغذائية، حيث تستثمر في قطاع الزراعة الإثيوبي وتمتلك مزارع واسعة".
توقعات بضغط دبلوماسي مصري
من جهته، توقع الكاتب والمحلل السوداني محمد خليفة، أن تلجأ مصر إلى "الضغط الدبلوماسي باستخدام الثقل الإقليمي لها في جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي". وقال في حديث لـ"العربي الجديد" إن "توقيع مصر اتفاقية دفاع مشترك مع الصومال، خطوة متوقعة وغير مستبعدة، خصوصاً بعد زيارة الرئيس الصومالي إلى القاهرة، فإذا لم تنجح الخطوات الدبلوماسية ربما تلجأ مصر إلى ضغوط أكثر على إثيوبيا بخطوات أخرى، لأن الدبلوماسية في نشاط مصر بشأن قضية سد النهضة لم تؤد إلى نتائج إيجابية لإثناء إثيوبيا عن مواقفها المتصلبة".
بدورها، قالت الخبيرة في الشؤون الأفريقية، الدكتورة نجلاء مرعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "اتفاق صوماليلاند مع إثيوبيا، له تداعيات إقليمية عديدة لأنه يرفع منسوب التوتر في منطقة القرن الأفريقي الذي يعاني من أزمات سياسية وأمنية، وفي وقت يشهد في البحر الأحمر اضطرابات متصاعدة، نتيجة استهداف الحوثيين السفن التجارية الدولية في المنطقة، واحتشاد قوى بحرية تابعة لعدة دول منها الولايات المتحدة وبريطانيا، لحماية مصالحها في البحر الأحمر وباب المندب، إضافة إلى اشتعال الحرب الأهلية في السودان، وانسداد أفق التفاوض حول سد النهضة".
وأضافت أن "الاتفاق سيزيد من القوى العسكرية الدولية في البحر الأحمر في سياق إقليمي وعالمي معقد، ووسط تنافس للقوى الدولية والإقليمية".
مرعي: اتفاق صوماليلاند مع إثيوبيا، له تداعيات إقليمية عديدة
وأضافت: "الجانب الإثيوبي يهتم بعمل مشاريع خارجية على حساب دول الجوار، ولا يمكن فهم هذه التطورات بعيداً عن الدعم الدولي والإقليمي لهذا التحرك، لأن الدول الغربية، تراهن على زيادة النفوذ الإثيوبي في أفريقيا، لذا تحاول دعم أديس أبابا في هذا التحرك، بغض النظر عن أزمة الميناء الذي تريد إثيوبيا إقامته، أو القاعدة العسكرية".
وأشارت إلى أن "المشكلة هنا في الاعتراف بصوماليلاند، أنه تهديد للصومال، وهي دولة لها موقع جيواستراتيجي مهم، لأنها تطل على مضيق باب المندب والمحيط الهندي وخليج عدن، ولذا جاءت مصر تدعم موقف الصومال وترفض في الوقت نفسه التدخل في الشؤون الداخلية لها". وتابعت: "مصر تستند في موقفها الرافض لهذا الاتفاق، إلى أهداف القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، ومنها الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيه واستقلاله، واحترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال، وعدم تدخل أي دولة عضو في الشؤون الداخلية لدولة أخرى".