استمع إلى الملخص
- مجموعة الحلبي تحول نشاطها إلى الجريمة المنظمة، مرتكبة جرائم الخطف والقتل وتهريب المخدرات والأسلحة، مستغلة الدعم الإيراني والبعد الطائفي لتعزيز نفوذها.
- مجموعات مسلحة أخرى مثل شجاع العلي تنشط في حمص والمناطق الحدودية، تعتمد على الخطف وتهريب المخدرات كمصادر دخل، في ظل عجز النظام السوري عن ضبطها.
تجاوزت سطوة المجموعات المسلحة في محافظة حمص وسط سورية سطوة الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، وفاقت في ممارساتها قدرات هذه الأجهزة رغم ضلوعها في عمليات القمع والإخفاء القسري، إذ تحظى هذه المجموعات بنفوذ ودعم يمكنها من تثبيت نفسها في مناطق سيطرتها ضمن المحافظة.
وغالباً ما تعتمد هذه المجموعات المسلحة على البعد الطائفي في جذب العناصر لها، وسط قدرتها على استخدام عمليات القتل والتصفية ضد أي جهة قد تكون مصدر إزعاج لها. كما حصل في حي العباسية، في 24 من الشهر الجاري، في حادثة قتل شرطي على باب منزله في الحي من اثنين من المسلحين ينتميان إلى مجموعة مسلحة مدعومة من الحرس الثوري الإيراني، يتزعمها أحد المقربين من قيادة فيلق القدس، ويدعى علي الحلبي.
حي العباسية
وتسيطر مجموعة الحلبي على حي العباسية في مدينة حمص، وأحد أفرادها المدعو حسين الحلبي، إضافة إلى شخص آخر كان برفقته، أقدما على قتل الشرطي إبراهيم دومان على باب منزله في الحي في 24 يونيو/حزيران، وفق ما أعلنت وزارة داخلية النظام. وأوضح المحامي عمار عز الدين لـ"العربي الجديد"، أن متزعم المجموعة كان يعمل مباشرة تحت إشراف قائد فيلق القدس. وقال إن "هذه المجموعة تحولت إلى الجريمة المنظمة بعد تراجع دورها العسكري، وأصبحت تهتم بالخطف والقتل وتهريب المخدرات والأسلحة". ويعتبر حي العباسية في مدينة حمص مركزاً رئيسياً لهذه المجموعة، حيث تعتمد المجموعة على البعد الطائفي في الحي لتثبيت نفوذها في حمص، ويقع تحت سيطرة رجال دين مدعومين من إيران وحزب الله.
وعن سبب قتل المجموعة للشرطي، كشف عز الدين أن الهدف كان الضغط على زوجته التي تعمل قاضية. وأضاف: "كانت قد أصدرت قراراً بتوقيف مجموعة إجرامية تابعة لعلي الحلبي، بعد أن ألقت الشرطة القبض عليهم". وتابع: "حاول علي الحلبي الضغط على الشرطي لإطلاق سراح المعتقلين، بعدة وسائل منها التهديد بالأفرع الأمنية التي يعمل معها علي الحلبي. بحسب المعلومات، تم استدعاء الشرطي إلى فرع الأمن السياسي للتحقيق بناء على تقرير ورد إلى الفرع المذكور، ومرة أخرى مهدداً إياه بالقتل". ولفت عز الدين إلى أن الخلاف تطور قبل أسبوعين إلى شجار بالأيدي في حي العباسية الذي يعيش فوضى أمنية كبيرة.
ويوجد في الحي، وفق عز الدين، العديد من المليشيات الإيرانية والعراقية بالإضافة إلى المجموعات المشكلة فيه من شبابه. يشرف على عملياتها العسكرية والقتالية الشيخ علي دوم، المعروف بارتباطه المباشر مع إيران والحرس الثوري الإيراني، وربطه مجموعات الحي مع قرى أخرى كالحازمية والمختارية والكاظمية والمشرفة والمخرم الفوقاني. وأضاف عز الدين أن "مجموعات هذا الحي ارتكبت العديد من المجازر، والتي كان أبرزها مجزرة حي دير بعلبة أواخر عام 2012، التي راح ضحيتها أكثر من 220 من الأطفال والنساء، حيث قام عناصر هذه المجموعات بالهجوم على الحي وقتل الأطفال والنساء، بالإضافة إلى عمليات التخريب والنهب وحرق المنازل والمحال التجارية والمدارس والمساجد".
الحدود اللبنانية السورية
في المقابل، يتزعم شجاع العلي مجموعة مسلحة مكونة من 400 شخص، تنشط في المناطق الحدودية بين سورية ولبنان في حمص. وأكد المحامي أن "المجموعة تقوم بخطف المدنيين المتوجهين إلى لبنان أو المتوجهين إلى سورية، وتقوم بمفاوضة أهاليهم على مبالغ طائلة. تقوم هذه العصابة بتصوير الضحايا أثناء تعذيبهم لترسلها إلى الأهالي وتفاوضهم على مبالغ طائلة. ويملك العلي أكثر من 7 محطات وقود وأكثر من 5 مطاعم". وأضاف: "يساند قائد المليشيا المنحدر من قرية بلقسة في ريف حمص كل من فؤاد أحمد السعيد ويوسف مفيد السعيد وعلي مفيد السعيد ومهند فؤاد السعيد، وهم ينحدرون من قرية مرسايا في ريف حمص الغربي".
وفي الأحياء الموالية للنظام بمدينة حمص، أُسست عدة مجموعات عسكرية اعتمدت على البعد الطائفي في ذلك. وفي هذا السياق، أوضح عز الدين أن النظام السوري في حي الزهراء في المدينة اعتمد على مجموعات من أبناء الحي الواقع على أطراف المدينة القديمة في حمص خلال العمليات العسكرية منذ عام 2011، ليصبح الحي على مدار السنوات أكبر معقل للشبيحة، حيث شكلت فيه العديد من مجموعات اللجان الشعبية، وبرزت عدة أسماء تتزعم هذه المجموعات، وهي مجموعات "أحمد كاسر، أبو علي خضور، فراس الهدبة". لهذه المجموعات دور بارز في عمليات القتل والخطف. وفي حي النزهة، اشتهرت مجموعة يتزعمها صقر رستم، وفق ما أكد عز الدين، وهي من كبرى مجموعات اللجان الشعبية التي اشتهرت في حمص. وهي ضالعة في عمليات الخطف والقتل.
ريف حمص الشمالي
وتنشط في ريف حمص الشمالي مجموعة مسلحة يتزعمها سليم النجار، وغالبية عناصر المجموعة من عناصر "جيش التوحيد"، وهو أحد فصائل المعارضة سابقاً، حيث بقي معظم عناصره في المدينة بعد عملية التهجير في ريف حمص الشمالي عام 2018. وأوضح الناشط أسعد الحمصي لـ"العربي الجديد" أن نشاط المجموعة يطاول بلدات الدار الكبيرة والغنطو ومدينة تلبيسة وكل المناطق المحيطة بها، وعناصرها مدعومون من رجال المصالحات في المنطقة. وأكد أن المجموعة مسؤولة عن عمليات سرقة السيارات والممتلكات وحتى الخطف مقابل الفدية.
وأوضح الباحث السياسي محمد المصطفى لـ"العربي الجديد" أن النظام بالدرجة الأولى غير قادر على تمويل هذه المجموعات رسمياً كما أجهزة الأمن. وأضاف: "من ثم، توجب على النظام ترك هامش لهذه المجموعات لتحقيق اكتفاء ذاتي مع توقف العمليات العسكرية الكبرى وانتهاء أعمال التعفيش التي كانت مصدرَ دخل أساسياً لها. وفي الوضع الراهن، أجهزة أمن النظام المتهالكة لن تكون قادرة على ضبط هذه المجموعات".
وأضاف أنه "يمكن لحزب الله وإيران استثمار هذه المجموعات ودعمها في سبيل تحقيق أهداف عدة، منها بسط النفوذ ونقل السلاح والضغط حتى على جيش النظام". مردفاً أنه "إضافة إلى امتهان هذه المجموعات الخطف بدافع الفدية وحتى القتل، تعتمد بالدرجة الأولى على عمليات تهريب المخدرات وترويجها باعتبارها مصدرَ دخل لها".
ويشار إلى أن مدينة حمص شهدت أولى عمليات التهجير القسري، وذلك بعد قرابة 700 يوم من حصار الأحياء القديمة، والقصف المستمر، ما دفع المعارضة السورية إلى القبول باتفاق تهجير نصّ على خروج الراغبين في عدم التسوية إلى ريف حمص الشمالي، إذ تمكّنت قوات النظام، إثر العملية، من السيطرة على كامل أحياء حمص القديمة، ليبقى حي الوعر هو الحي الوحيد الخاضع لسيطرة المعارضة في المدينة، قبل أن يتهجر عدد كبير من سكانه.