رسم المغرب وإسرائيل، من خلال "الإعلان المشترك" الذي تمّ التوقيع عليه أول من أمس الثلاثاء، في الرباط، مسار التطبيع المعلن بينهما في العاشر من شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي، من خلال الاتفاق على "مواصلة التعاون في مجالات عدة"، و"إعادة فتح مكتبي الاتصال في الرباط وتل أبيب"، و"الاستئناف الفوري للاتصالات الرسمية الكاملة"، و"إقامة علاقات أخوية ودبلوماسية كاملة". وإذا كان الاعتراف الأميركي بالسيادة الكاملة للمملكة على الصحراء أحد تجليات "الإعلان المشترك" الموقّع بين الرباط وواشنطن وإسرائيل خلال زيارة الوفد الأميركي الإسرائيلي الثلاثاء، على متن أول رحلة طيران تجارية مباشرة من تل أبيب إلى الرباط، على الرغم من تمسك الموقف الرسمي المغربي بعدم حصول مقايضة، إلا أن تدابير تفعيل استئناف العلاقات تطرح أكثر من علامة استفهام حول المدى الذي يمكن أن تذهب إليه النسخة المغربية من التطبيع مع إسرائيل، في السياق الداخلي والخارجي الحالي.
غابت في الإعلان أي إشارة إلى "اتفاقيات أبراهام"
وبحسب مضامين بيان الديوان الملكي، الصادر بعد استقبال الوفد الأميركي - الإسرائيلي الذي قاده مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، تشمل تدابير استئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب "الترخيص لشركات الطيران الإسرائيلية بنقل أفراد الجالية اليهودية المغربية والسياح الإسرائيليين إلى المغرب، والاستئناف الكامل للاتصالات والعلاقات الدبلوماسية والرسمية مع إسرائيل على المستوى المناسب، وتشجيع تعاون اقتصادي ثنائي دينامي وخلاق، والعمل من أجل إعادة فتح مكتبي الاتصال في الرباط وتل أبيب".
غير أنه بالتزامن مع تحديد المغرب لتدابير تفعيل الاتفاق المغربي - الأميركي القاضي باستئناف العلاقات بين تل أبيب والرباط، كان لافتاً تجديد العاهل المغربي الملك محمد السادس موقف بلاده الثابت بشأن القضية الفلسطينية، والقائم على حلّ الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمان، وعلى المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي كسبيل وحيد للتوصل إلى تسوية شاملة ونهائية، وكذلك التزام الملك، رئيس لجنة القدس، بالحفاظ على الطابع الإسلامي للمدينة.
وفيما أعطت الرباط وتل أبيب إشارة بداية تفعيل اتفاق استئناف العلاقات، بتوقيع 4 اتفاقيات حول الإعفاء من إجراءات التأشيرة بالنسبة لحاملي الجوازات الدبلوماسية وجوازات الخدمة، ومجال الطيران المدني، والابتكار وتطوير الموارد المائية، ومجال المالية والاستثمار، يبدو الاتفاق الذي رعته واشنطن، بنظر عدد من المراقبين المغاربة، "استثناء" عن النسخ الإماراتية والبحرينية والسودانية من التطبيع مع إسرائيل. ويأتي ذلك لجهة تأكيد الديوان الملكي "الاستئناف الكامل للاتصالات والعلاقات الدبلوماسية والرسمية مع إسرائيل على المستوى المناسب"، ما يعني أن الاتفاق لن يكون" شيكاً على بياض"، وأن تطور العلاقات متروك لمدى احترام الالتزامات.
ورأى الباحث السياسي عزيز آدمين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الإعلان المشترك لا يرقى إلى مستوى اتفاقية دولية، بقدر ما هو إعلان نوايا ووثيقة ذات طبيعة إلزامية من الناحية المعنوية فقط، فلكل طرف أن يلتزم وفق ما هو مستطاع منه، ولا يمكن المحاججة به أمام المحاكم الدولية والوطنية. واعتبر آدمين أن الاتفاق "لا يخلق أي أثر قانوني دولي أو إقليمي أو وطني"، مشيراً إلى أنه مجرد إعلان عن إعادة العلاقات المغربية الإسرائيلية التي كانت غير معلنة منذ إغلاق مكتبي الاتصال إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000)، لتأخذ طابعاً علنياً أمام الرأي العام الداخلي والدولي.
النسخة المغربية من التطبيع ستكون رهناً بالتطورات
واعتبر الباحث المغربي أن طبيعة الاتفاق وعدم ارتقائه إلى مستوى الاتفاقية، يؤكد أن المغرب ليس جزءاً من "اتفاقيات أبراهام" (مجموعة من اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية) كما تسوّق إسرائيل، وإنما "نحن بصدد علاقة اقتصادية وتجارية على مستوى مكاتب الاتصال بين البلدين، واستئناف كامل العلاقات الرسمية والدبلوماسية في هذا الإطار". كذلك اعتبر أن استقبال العاهل المغربي للوفد الأميركي الإسرائيلي ورعايته للاتفاق، مع تأكيده حق الفلسطينيين في دولتهم عبر المفاوضات بينهم وبين الإسرائيليين، والطابع الإسلامي للقدس، يجعل مسار استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية مستقلاً، إذ لم يكن داعماً لمسار القضية العادلة للشعب الفلسطيني.
وفيما يبدو لافتاً في الإعلان المؤطر لمسار تفعيل اتفاق تفعيل العلاقات بين الرباط وإسرائيل برعاية وضمانة أميركية، غياب أي إشارة إلى "اتفاقيات أبراهام"، إلا أن تفعيل تدابير وشروط عودة العلاقات مع إسرائيل التي تحدث عنها بيان الديوان الملكي، بشكل يترك التفاصيل للتطورات المستقبلية، تُبقي الباب مشرعاً أمام كل الاحتمالات، في ظلّ تأكيد الإعلان المشترك الموقع بين الرباط وتل أبيب وواشنطن "إقامة علاقات أخوية ودبلوماسية كاملة".
في غضون ذلك، يواصل مناهضو التطبيع مساعيهم وتحركاتهم من أجل التعبئة الشعبية وتحقيق مطلبهم بإسقاط اتفاق استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، على الرغم مما يواجهونه من منع لأشكالهم الاحتجاجية في الشارع. وبحسب رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع مع إسرائيل، أحمد ويحمان، فإن الفعاليات ستواصل رفضها أي شكل من أشكال التطبيع ترجمة لنبض الشعب المغربي الذي عبّر عنه في كل المناسبات. وأضاف ويحمان لـ"العربي الجديد": "نؤكد أننا نرفض التطبيع جملة وتفصيلاً وسنواجهه، لعلنا نصل إلى مرحلة نحاصر فيها الوباء الذي تسلل إلينا، ونخفف من الصدمة التي حلت بالبلاد على حين غرة، مع استحضار الألغام التي ألقيت في الساحة المغربية بهذا التطبيع، وهو الوضع الذي يفرض العمل على تلافي أي اصطدام مع الدولة والوقوع في الفخ الذي نصب لنا جميعاً، دولة وشعباً، من خلال التطبيع". وفيما اعتذر أكثر من وزير مغربي عن التعليق على اتفاق استئناف العلاقات مع تل أبيب، قال ويحمان: "نحن نعي حجم الضغوط التي تمارس منذ مدة طويلة على المغرب، وكان أملنا أن يستمر الصمود، وألا يسقط الجانب الرسمي هذه السقطة، لكن بعد ما وقع، سنواصل التعبير عن رفضنا للتطبيع وتلافي الاصطدام مع الدولة. سقفنا هو إسقاط التطبيع".