رفعت أحزاب معارضة واتحادات عمّالية في المغرب، في الآونة الأخيرة، من درجة التنسيق بينها، بإنشاء لجان للعمل المشترك، وذلك في خطوة تثير أكثر من علامة استفهام حول قدرتها على استثمار الأوضاع العامة في البلاد، من أجل تحقيق أملها بتوحيد صفوفها في مواجهة حكومة عزيز أخنوش.
وعلى الرغم من الاختلاف حول عدد من العناوين والأولويات والمرجعيات، فإن المعطيات المتوافرة حتى الآن، تفيد بأن تلك الأحزاب والنقابات تسير بخطى ثابتة في اتجاه خلق إطار تنسيقي بين أكبر عدد من مكوناتها، بعدما أفضت المساعي التي يبذلها حزب "التقدم والاشتراكية"، خلال الأيام الماضية، إلى إنشاء لجنة للعمل المشترك مع كل من "الاتحاد المغربي للشغل" و"الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل" وحزب "الحركة والشعبية"، في انتظار التحاق باقي مكونات المعارضة.
تنسيق حزبي لمراقبة عمل الحكومة المغربية
وتضع خطوات التنسيق على رأس أهدافها في المرحلة المقبلة، إحداث ردود فعل قوية منسقة لمراقبة ما تقوم به حكومة أخنوش، وذلك من خلال التركيز بدرجة أولى على الأوضاع الوطنية العامة، أساساً في ارتباط مع المسألة الاجتماعية والاقتصادية وتدهور القدرة الشرائية للمغاربة وغلاء المعيشة.
تركز خطوات التنسيق بالدرجة الأولى على الأوضاع الاقتصادية
وأعلن كل من حزب "التقدم والاشتراكية" و"الحركة الشعبية"، يوم الثلاثاء الماضي، عقب اجتماع لقيادتيهما، عن تشكيل لجنة للتنسيق لدعم الجهود المشتركة القائمة، وبلورة مبادرات أخرى مشتركة خلال المرحلة المقبلة.
وبدا لافتاً، تعبير الحزبين عن عزمهما "تقوية أشكال التنسيق والتعاون بينهما على مختلف الواجهات السياسية والمؤسساتية، من أجل بلورة مزيدٍ من المبادرات المشتركة في كافة القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، وذلك من منطلق الدفاع عن المصالح الوطنية العليا لبلادنا وعن القضايا الأساسية لكافة المواطنات والمواطنين".
وكانت النتائج التي أسفرت عنها انتخابات الثامن من سبتمبر/أيلول 2021، قد أفرزت خريطة سياسية في المغرب تكرس واقعاً سياسياً بثلاثة فاعلين حزبيين: التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، والاستقلال. كما كرّست عوائد سياسية أكبر، في مقدمتها اشتغال الحكومة بأريحية أكبر، بفضل ما توفره لها تلك الأغلبية العددية في مجلسي البرلمان (مجلس النواب ومجلس المستشارين) من دعم مريح لم تتمتع به الحكومات المغربية المتعاقبة منذ دستور الربيع العربي في عام 2011.
وبينما أعانت الخريطة السياسية الحالية حكومة أخنوش في تمرير قراراتها وإقرار مشاريع القوانين والإصلاحات، وجدت المعارضة البرلمانية نفسها في وضع لا تحسد عليه، بعدما لم تفلح في التنسيق بينها ونسج تحالف برلماني واضح.
وعلى الرغم من تمكنها في بداية الولاية التشريعية الحالية من تدشين عملها بتنسيق برلماني، إلا أن انسحاب حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، أربك خطوات المعارضة، وجعل التنسيق قائماً فقط بين أحزاب "التقدم والاشتراكية" و"الحركة الشعبية" و"العدالة والتنمية"، في حين اختار كل من الحزب "الاشتراكي الموحد" وحزب "فيديرالية اليسار"، العمل بشكل منفرد من موقع المعارضة.
وبحسب الأمين العام لـ"التقدم والاشتراكية"، محمد نبيل بنعبد الله، فإن حزبه يسعى منذ مدة إلى بلورة حركة وطنة اجتماعية واسعة تساهم في إعطاء نفس جديد وديمقراطي للحياة السياسية في المغرب لاسيما في ظلّ تعثرات الحكومة الحالية.
ولفت بنعبد الله، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه في هذا الإطار، وجّه حزبه، بعد الرسالة المفتوحة التي كان قد بعثها إلى رئيس الحكومة بخصوص غلاء المعيشة والمساس بالقدرة الشرائية لفئات واسعة من المجتمع، رسائل إلى الفعاليات السياسية والنقابية الأساسية في البلاد من أجل عقد لقاءات لتدارس الأوضاع.
تسعى المحاولة إلى مواجهة الأغلبية العددية الداعمة للحكومة في مجلسي البرلمان
وأضاف بنعبد الله أنه "في هذا السياق، كان لقاؤنا مع الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل ومع الحركة الشعبية، وننتظر عقد لقاءات مماثلة مع أحزاب ونقابات أخرى منها فيدرالية اليسار في غضون الأيام المقبلة".
وأشار إلى أنه "عملياً، نسعى إلى المساهمة في تقوية حركة اجتماعية مواطنة قادرة على مواجهة التوجه الحكومي الحالي وعلى تنبيه الأغلبية الحالية إلى ضرورة تغيير سياساتها والاستماع إلى نبض الشارع وإلى ضرورة مراعاة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والقيام بالإصلاحات المنتظرة في مختلف الجهات".
وشدّد الأمين العام لـ"التقدم والاشتراكية"، على "السعي إلى مواجهة تلك الأغلبية العددية التي تمرر كل ما تريد"، متمنياً أن يساهم ذلك "في أن يكون لنا في قوى المعارضة حضور أقوى داخل المؤسسة التشريعية، لذلك قررنا أن نتخذ مبادرات مختلفة مع الحركة الشعبية في واجهات متعددة، ونأمل أن تلتحق بهذا التنسيق بشكل قوي مكونات أخرى من المعارضة".
رغبة في التميّز
وتعليقاً على هذا الحراك، رأى أستاذ القانون الدستوري في جامعة الحسن الأول بسطات (جنوبي الدار البيضاء)، عبد الحفيظ اليونسي، أن الأمر يتعلق بتنسيق سياسي على مستوى حزبين في المعارضة، كما أنه استمرار للتنسيق على مستوى المعارضة في مجلس النواب.
وأوضح اليونسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما حصل هو تنسيق للعمل وليس تحالفاً سياسياً يفرضه موقع كلا الحزبين في المعارضة، لافتاً إلى أن التنسيق في الممارسة السياسية بالمغرب لا يعدو أن يكون ظرفياً ومركزياً، ولا يمكن تصوره على امتداد العمل السياسي في بقية الجهات والأقاليم.
عبد الحفيظ اليونسي: التنسيق في الممارسة السياسية بالمغرب لا يعدو أن يكون ظرفياً ومركزياً
وقال أستاذ القانون الدستوري في هذا الصدد: "أخال أن التنسيق هو خطوة سياسية ظرفية، لكن ثمة ملاحظة مؤداها أن التنسيق بين الحزبين وعدم حضور حزب العدالة والتنمية، الذي يتم التنسيق معه في مجلس النواب، يؤشر ربما إلى رغبة الحزبين بالتمييز بين العمل النيابي والعمل السياسي خارج البرلمان".
وسبب ذلك، برأيه، "ربما طبيعة القضايا التي ستثار في الساحة السياسية ولها طبيعة قيمية وأيديولوجية والتي تستلزم ربما أخذ مسافة من حزب العدالة والتنمية المعروفة مواقفه من قضايا من قبيل الأسرة والحريات الفردية وغيرها".
وفي المحصلة، اعتبر اليونسي أنه "في موازين القوى في المغرب لا تشكل هذه الخطوة حدثاً سياسياً سيكون له تأثير يذكر في الساحة السياسية"، مشيراً إلى أن ما یحسب للخطوة هو أنها وأدت فكرة الأحزاب الإدارية والأحزاب التقدمية.
وفي وقت يبدو فيه واضحاً أن الأوضاع العامة في البلاد، خصوصاً الاقتصادية والاجتماعية، تدفع في اتجاه تقارب أحزاب المعارضة والنقابات والتنسيق بينها، اعتبر الباحث في العلوم السياسية، حفيظ الزهري، أن محاولات التنسيق هي بمثابة رد فعل سياسي على القوة العددية التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة المكونة للتحالف الحكومي داخل البرلمان بغرفتيه، وذلك بهدف مواجهتها سياسياً على الأقل بتنسيق مواقفها السياسية من بعض القضايا التي تشغل الرأي العام كارتفاع الأسعار.
واعتبر الزهري في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "على الرغم من هذه المحاولات لتجميع قوى المعارضة، إلا أنه يتضح أن أحزابها ليست على قلب واحد، فبالإضافة إلى اختلافها الأيديولوجي، أحزاب يمينية واشتراكية وإسلاموية، تجد المعارضة نفسها أمام صعوبة التوافق بين قياداتها كما هو الشأن بين قيادة "الاتحاد الاشتراكي" وقيادة "العدالة والتنمية".
على الرغم من ذلك، أكد الباحث أن مبادرة التنسيق بين "الحركة الشعبية" و"التقدم والاشتراكية"، يمكن اعتبارها نقطة ضوء قد تعطي دفعة سياسية للمعارضة داخل المؤسسة التشريعية والشارع السياسي، وقد تحرج الحكومة سياسياً، وتخلق نوعاً من الدينامية والحركة السياسية في المشهد السياسي المغربي". لكنه أردف أن مثل هذه التحالفات، تبقى مرحلية أي مرتبطة بوضعية سياسية لن تستطيع الصمود أمام اختلاف الطموحات السياسية للأحزاب المكونة للمعارضة.