استمع إلى الملخص
- انتقادات حول الشفافية والتمثيل: لم تتلقَ العديد من القوى السياسية دعوات للمؤتمر، وأعربت عن قلقها من عدم التشاور معها، بينما أبدت شخصيات بارزة تحفظها على المشاركة بسبب نقص التحضيرات.
- انفتاح عربي ودولي: التقى قائد الإدارة السورية الجديدة بوفود عربية، وناقشوا العلاقات الدبلوماسية، مع تأكيد تركيا دعمها للاستقرار في سوريا، مما يعكس اهتماماً إقليمياً ودولياً بالتعاون مع القيادة الجديدة.
مع بدء الحراك لعقد المؤتمر الوطني السوري الذي وعدت السلطة الجديدة في دمشق بعقده للقوى السياسية في البلاد بمختلف تياراتها، من أجل وضع رؤية وطنية متكاملة وجامعة حول آليات إدارة سورية خلال المرحلة الانتقالية، وفي ظل تباينات حول أولوية عقده بشكل عاجل أو تأجيله حتى ترتيب الأوضاع الداخلية الأمنية والإدارية في الدولة بعد الفراغ الذي نتج عن السقوط المفاجئ لنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، فإن المخاوف بدأت تظهر سريعاً من تغييب قوى وشخصيات وازنة عن هذا المؤتمر والاكتفاء بحضور أفراد لا قوة ضغط لها، بما يسمح للإدارة الجديدة، وتحديداً هيئة تحرير الشام، بالتفرّد في توجيه المؤتمر نحو الاتجاه الذي تريد. فحالة الضبابية التي تحيط بكيفية توجيه الدعوات لحضور المؤتمر تزيد القلق القائم، خصوصاً في ظل تسريبات عن أن الإدارة لن توجّه دعوات لكيانات وتشكيلات سياسية، بل لأشخاص داخلها، وهو ما يؤجج مخاوف هيئات موجودة في المشهد السوري من تجاهلها.
وأكد أغلب القوى السياسية في البلاد التي تواصلت معها "العربي الجديد" أنها لم تتلق حتى اللحظة أي دعوات لحضور المؤتمر الذي كانت السلطة الجديدة قد أعلنت قبل أيام نيّتها عقده من أجل توحيد الرؤى حول مستقبل البلاد السياسي. كما أكدت أن الإدارة الجديدة وحكومة تسيير الأعمال لم تتواصلا مع القوى السياسية من أجل التشاور معها حول شكل ومضامين المؤتمر الذي تتحضّر القوى السياسية، سواء التقليدية منها أو التي ظهرت أثناء سنوات الثورة، للمشاركة فيه.
ملامح غير مبشرة لعقد المؤتمر الوطني السوري
وبدت أولى ملامح الاتجاه لعقد المؤتمر الوطني السوري غير مشجعة، إذ شهدت العاصمة السورية دمشق أمس السبت "تجمعاً" لعدد من الفاعليات الأهلية والمجتمعية من تنظيم الإدارة الجديدة في إطار التمهيد لعقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، لم تدع إليه أي شخصية أساسية في المشهد السوري. وضم الحضور الذي ناهز المائة شخص، بينهم ثلاث نساء فقط، وعقد في فندق قيصر بلاس بدمشق، شخصيات من مكونات طائفية وعشائرية سورية مختلفة، بدون وجود ممثلين للأحزاب والقوى السياسية. وكان بين الحضور بعض الممثلين من الطائفة الدرزية ومن القومية الشركسية، ومن التركمان، ومن القومية الكردية، لكن غلب عليه التمثيل العشائري. ومن خلال سؤال المشاركين والمنظمين على السواء، لم تتبين لـ"العربي الجديد" آلية تنظيم المؤتمر، ومعايير اختيار ممثليه وأهدافه. أما منظمو المؤتمر فأكدوا أنه يضم السوريين من كل المكونات الثورية، من مختلف الطوائف، وأن اختيارهم جرى بناء على ترشيحات المنظمين أنفسهم. ولم يتضمن البيان الختامي للمؤتمر أي مقررات أو مواقف محددة، بل مجرد كلام عمومي يؤكد وحدة الأراضي السورية، وضرورة تكاتف الجهود من أجل بناء سورية المستقبل.
وقال الشيخ أحمد التمر الشبلي من محافظة حلب، أحد المشاركين في المؤتمر، لـ"العربي الجديد"، إن هذا المؤتمر عبارة عن "تجمع للعشائر والنسيج العربي السوري والأحرار للتعارف". وأشار إلى أنه مؤتمر تمهيدي لمؤتمر الحوار الوطني، وسيعقبه مؤتمر آخر في السياق نفسه. ولفت إلى أن "القائد أحمد الشرع طلب أن تجتمع العشائر السورية والطوائف بهدف اختيار ممثلين عن العشائر والعوائل للمؤتمر العام المقبل".
دعوات شخصية لحضور المؤتمر
في غضون ذلك، كشف عضو في الائتلاف الوطني السوري، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن الإدارة الجديدة بدأت بالفعل توجيه دعوات "شخصية" لحضور المؤتمر الوطني السوري الذي من المفترض عقده قبل منتصف الشهر المقبل. وأكد أن الإدارة "لن توجّه دعوات لكيانات وتشكيلات سياسية، بل لأشخاص داخلها". وكشف أن الدعوة وُجّهت لشخصيات في الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض بصفة شخصية، وهو ما واجه رفضاً، مؤكداً أن شخصيات بارزة في المشهد السياسي السوري، مثل معاذ الخطيب ورياض حجاب (رئيس الحكومة السابق)، وُجّهت إليها الدعوات لحضور المؤتمر "إلا أنها غالباً لن تشارك في أي مؤتمر لم يُعَد له بشكل كاف". وكشف أن الإدارة الجديدة بصدد توجيه الدعوة لـ1500 شخص لحضور المؤتمر "عدد كبير منهم مرتبطون بشكل أو بآخر بهيئة تحرير الشام"، مضيفاً: "ستُوجه الدعوات لشخصيات من الأقليات الدينية والمذهبية والقومية".
عضو في الائتلاف الوطني السوري: الإدارة الجديدة بدأت بالفعل توجيه دعوات "شخصية" لحضور المؤتمر الوطني
وفي السياق، أشار عضو آخر في الائتلاف خارج سورية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى وجود ضبابية حيال التحضير للمؤتمر بدل أن تكون العملية شفافة ومطمئنة، "فالحديث عنه يتم بشكل سري وبمواربة"، وفق قوله. وأسف لأن هناك "عملية استحواذ كامل على كل قطاعات الدولة وليس فقط الأمنية"، من قبل الإدارة التي استلمت الأوضاع، مضيفاً أن "النقمة كبيرة حتى الآن لأنه لم يتم إشراك أطراف أخرى، فهيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ تستحوذان على كل شيء". وأشار إلى وجود "فراغ إداري هائل، ونحن أمام متطلبات إدارية وسياسية كبيرة جداً".
من جهته، بيّن مهند دليقان، وهو الأمين العام لحزب الإرادة الشعبية المنضوي في "جبهة التغيير والتحرير" التي كانت تُعرف بـ"منصة موسكو"، في حديث مع "العربي الجديد"، أن حزبه لم يتلق أي دعوة لحضور مؤتمر وطني في دمشق. وأشار إلى أن الحزب لا يخشى تجاهل الإدارة الجديدة للقوى السياسية، مضيفاً: "الخشية لدينا هي على مستقبل البلاد ووحدتها، فالمهام الموضوعة أمام الشعب السوري على المستويات الوطنية والسياسية وحتى الأمنية لا يمكن حلها بدون اشتراك أوسع طيف من القوى السياسية الوطنية". ودعا إلى "تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر تشمل طيفاً واسعاً من ممثلي القوى السياسية والمدنية، تقوم هذه اللجنة بالإعداد للمؤتمر بشكل جيد بحيث يشمل الجميع"، مضيفاً: "ينبغي أن يشمل الحضور شخصيات اعتبارية تمثل كامل الطيف الاجتماعي السوري بكل تنويعاته". وأشار دليقان إلى أن "المضمون الأساسي للمؤتمر هو التجهيز للمرحلة الانتقالية التي تتضمن الدستور الجديد وبعده الانتخابات"، معتبراً عقده في الوقت الراهن "مسألة ملحّة".
مهند دليقان: لتشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر تشمل طيفاً واسعاً من ممثلي القوى السياسية والمدنية
من جهته، أكد أحمد العسراوي وهو قيادي في "هيئة التنسيق الوطنية" التي تضم أحزاباً عدة وكان يُنظر إليها على أنها تمثل معارضة الداخل قبل سقوط الأسد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الإدارة الجديدة لم تتواصل مع الهيئة بخصوص المؤتمر الوطني المزمع عقده. وأبدى العسراوي خشية القوى السياسية في البلاد من تجاهل الإدارة الجديدة لها، مضيفاً: "في حال حدوث ذلك ستكون رؤية غير موفقة". ولكن العسراوي رأى أن عقد المؤتمر "ليس مسألة ملحّة"، مضيفاً: "المؤتمر يستوجب التحضير الجيد وهذا يحتاج لوقت".
وفي السياق، أكد فيصل يوسف، وهو المتحدث باسم المجلس الوطني الكردي في سورية والمنضوي في الائتلاف الوطني السوري، لـ"العربي الجديد"، أنه لم تُوجّه لهم أي دعوة لحضور مؤتمر وطني. وكان كبار المسؤولين في الإدارة الجديدة ومن بينهم رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد البشير أكدوا أنه يجرى التحضير لمؤتمر وطني جامع للقوى السياسية في البلاد، يُعقد في العاصمة دمشق، مهمته الأساسية بلورة رؤية مشتركة لكيفية إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد. ولم تفصح الإدارة الجديدة بعد عن الآليات التي ستتبعها من أجل الدعوة إلى المؤتمر الذي يأمل السوريون أن ينتشل البلاد من الظروف السيئة التي تمر بها بلادهم من النواحي كافة بعد 54 عاماً من حكم الفرد والحزب الواحد.
وفي هذا الصدد، أعرب محمد صبرا الذي كان كبير المفاوضين في وفد المعارضة إلى مفاوضات جنيف قبل سقوط النظام، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده أنه "من المبكر الحديث عن المؤتمر الوطني"، مضيفاً: "نحن الآن في مرحلة تثبيت الأمن ومن ثم سحب السلاح من الشارع، ولا أرى أن الظرف مناسباً لعقد أي مؤتمر وطني".
يحيى العريضي: عقد المؤتمر مسألة ملحّة ولكن بعد درس صادق يستند إلى حقائق الواقع ومعرفة ما بين أيدي المؤتمرين ومدى انسجام ذلك مع ما تحتاجه سورية
من جهته، رأى الأكاديمي يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عقد المؤتمر "مسألة ملحّة ولكن بعد درس صادق يستند إلى حقائق الواقع ومعرفة ما بين أيدي المؤتمرين ومدى انسجام ذلك مع ما تحتاجه سورية". واعتبر أنه "بقدر ما تتجاهل الإدارة السياسية الجديدة القوى السياسية في البلاد بقدر ما يكون الفشل، ولكن لا مشكلة في تجاهل قوى أثبتت فشلها وكان فعلها قبيل سقوط نظام الأسد بلا قيمة".
الانفتاح العربي على الشرع
في غضون ذلك، وفي سياق الانفتاح العربي على القيادة الجديدة في سورية، التقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع أمس السبت وفداً ممثلاً للحكومة الليبية المعترف بها دولياً، وناقش الطرفان العلاقات الدبلوماسية ومسائل الطاقة والهجرة. وخلال مؤتمر صحافي في قصر الشعب بدمشق، قال وزير الدولة الليبي للاتصال والشؤون السياسية وليد اللافي بعد لقائه الشرع "عبّرنا عن دعمنا الكامل للسلطات السورية في نجاح المرحلة الانتقالية المهمة، في ظل رؤية مبشرة للعملية السياسية". وأكد الطرفان "أهمية التنسيق والتعاون المشترك... خاصة في الملفات ذات الطابع الأمني والعسكري"، وفق اللافي، بالإضافة إلى "مناقشة أوجه التعاون في مجالات مختلفة متعلقة بملف الطاقة والتبادل التجاري بين البلدين" و"ملف الهجرة غير الشرعية". وأعلن اللافي أنه سيتم "رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين" بحيث ستعين طرابلس "قريباً سفيراً دائماً ومقيماً هنا في دمشق".
كما التقى الشرع أمس السبت وفداً بحرينياً برئاسة رئيس جهاز الأمن الاستراتيجي البحريني الشيخ أحمد بن عبد العزيز آل خليفة، بدون ورود تفاصيل حول المحادثات التي عقدت بينهما. في موازاة ذلك، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، أمس، بحسب بيان للخارجية التركية، أهمية العمل والتعاون مع الإدارة الجديدة في سورية لضمان الاستقرار في البلاد وإكمال الفترة الانتقالية بشكل منظم. وشدد على أن تركيا تدعم جهود الإدارة الجديدة في سورية لضمان سلامة أراضي البلاد وأمنها.