بعد سنة من المفاوضات والمساومات بين أجنحة الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ الأميركي، أقرّ هذا الأخير، أمس الأحد، وبأغلبية صوت واحد، مشروع قانون "خفض التضخم"، فيما من المتوقع أن يقره مجلس النواب يوم الجمعة المقبل، قبل انصراف الكونغرس في إجازته الصيفية التي تمتد إلى غاية الأسبوع الأول من سبتمبر/ أيلول المقبل.
التصويت كان مناصفة 50 – 50 وفق الانقسام الحزبي في المجلس، بالإضافة إلى صوت نائبة الرئيس كمالا هاريس باعتبارها أيضا رئيسة المجلس، الذي رجح كفة الديمقراطيين.
واستغرقت العملية سنة من المفاوضات والمساومات بين الديمقراطيين أنفسهم لتأمين الإجماع بينهم الذي تحقق بالنهاية وبشق الأنفاس، بعد تقليص مشروع بايدن الأساسي من 3 تريليونات دولار ليصبح بحدود إنفاق 433 مليار دولار على مدى عشر سنوات، وهذا ما يعني أن ما تحقق أقل من المطلوب بكثير بالقياس مع طموح الرئيس وجناح يسار الوسط في مجلسي الكونغرس.
إلا أن أهميته تأتي بسبب إقرار مخصصات غير مسبوقة لمعالجة سخونة المناخ وخفض أسعار الأدوية مع تعزيز قانون الرعاية الصحية، إضافة إلى توفير 300 مليار دولار من المداخيل والضرائب التي أقرها القانون لصالح خفض العجز في الموازنة.
أما الأهم من ذلك بالنسبة إلى البيت الأبيض وحزبه الديمقراطي، فهو أن هذا الإنجاز، على تواضعه، جاء عشية الانتخابات النصفية ليكمل سلسلة من القوانين التي صدرت، ومنها بالتعاون مع الجمهوريين، والتي تهم الناخب مباشرة، مثل تجديد البنى التحتية في أميركا وتصنيع الرقائق الإلكترونية و"شد برغي الانفلات" ولو بدرجة بسيطة في بيع واقتناء الأسلحة الفردية، ثم جاء قرار المحكمة العليا في أواخر يونيو/ حزيران الماضي بإسقاط حق الإجهاض من حماية القانون الفيدرالي، ليعزز النقمة على الأكثرية المحافظة في المحكمة واستطرادا على الجمهوريين الذين أوصلوها إلى موقعها.
كلها مع بعضها معطوفة على هبوط معدّل البطالة في يوليو/ تموز الماضي إلى 3,5 % لأول مرة منذ خمسين عامًا، أعطت الرئيس بايدن دفعة زخم حملت رصيده المتدني إلى فوق الـ40%، أما مشكلته الكبيرة فتبقى في استعصاء التضخم ووصوله إلى 9%، على الرغم من أن أسعار الطاقة بدأت تنخفض بصورة تدريجية من غير ضمان استمرار هبوطها مع دخول فصل الخريف القادم.
حتى الآن، كانت حصيلة الصيف جيدة وغير متوقعة للرئيس بايدن الذي غادر واشنطن هو الآخر لقضاء إجازته الصيفية في ولايته ديلاور، وثمة إشارات أولية تفيد بأن النقلة التي تحققت في الصيف قد تترجم نفسها في الانتخابات النصفية، إذ إن الاستطلاعات في عدد من الولايات المهمة، مثل بنسلفانيا وجورجيا، تؤشر إلى تقدم مرشحي الديمقراطي وبفارق شبه ثابت في مواجهة مرشحي الجمهوري الذين تبنى الرئيس ترامب ترشيحهم.
التقدير حول تراجع التضخم وإن بدرجة رمزية قد يعزز أوضاع الديمقراطيين، وإلا فإن حظوظ فوزهم، وبالتالي سيطرتهم على مجلس الشيوخ الأهم، تبقى مرهونة بمدى ابتعاد المستقلين عن تأييد مرشحي ترامب، وهو احتمال يعول عليه حزب الرئيس المتوقع أن يخسر الانتخابات في ظل التضخم.
ومن المتوقع أن يدخل الرئيس بايدن على خط الحملة الانتخابية بعد الإجازة وربما خلالها، متسلحاً بما أنجز من قضايا معظمها تمس الحياة اليومية للناخب. هذه الدفعة التي حققها وضعه أنعشت الحديث في أوساط الرئيس والمقربين منه عن ضرورة إعلان رغبته في خوض معركة 2024 لتجديد ولايته.
ومع بروز هذا الحديث، ظهر على الفور تباين كبير ومهم في صفوف حزبه ومؤيديه، إذ سارع فريق كبير منهم إلى التحذير، بل إلى الرفض العلني لترشيحه، على أساس تقدمه بالسن (يكون بلغ 82 عاماً)، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الرئاسة، وسيكون ورقة رابحة بيد الجمهوريين، خاصة إذا لم يترشح ترامب.
وبذلك، يبدو وكأن معركة الرئاسة انفتحت لأول مرة بالتزامن مع معركة الانتخابات النصفية، فيما يتخوف الكثير من الديمقراطيين من أن ينظر بايدن جديا في الأمر. وعادة عندما يقرر الرئيس خوض معركة التجديد، لا ينافسه أحد من حزبه إلا في ما ندر، وفي ذلك خيار يرى فيه الكثير من الديمقراطيين أنه وصفة شبه مضمونة لخسارة الرئاسة.
وهكذا، ما إن نهض بايدن قليلا من كبوته حتى خلق إشكالية جديدة لحزبه، وإن كانت التوقعات تميل إلى الاعتقاد بأنه سيكتفي بدورة واحدة حتى لو تراكمت إنجازاته، وذلك بحكم موانع العمر وثقل مهام المنصب.