القوات الروسية تنهي انسحابها من كازاخستان: طي عهد "زعيم الأمة"

19 يناير 2022
القوات الروسية تغادر مطار ألماتا في كازاخستان (فاديم سافيتسكي/Getty)
+ الخط -

أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن انتهاء مهمة حفظ السلام في كازاخستان، التابعة لقوات منظمة "معاهدة الأمن الجماعي"، وإكمال انسحاب القوات الروسية، اليوم الأربعاء.

وفيما تعود الأوضاع إلى طبيعتها في كازاخستان وترفع السلطات حالة الطوارئ في مزيد من المقاطعات، ظهر الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف للمرة الأولى، أمس الثلاثاء.

ونفى "زعيم الأمة" وجود أي صراعات داخل النخبة الحاكمة في بلاده، مشيراً في مقطع فيديو نشر على "يوتيوب"، إلى أنه "متقاعد" منذ عام 2019، وحمّل قوى لم يحددها مسؤولية محاولة تقسيم البلاد، التي قال إنها شهدت تطوراً كبيراً في أثناء حكمه.

في المقابل، تواصلت عمليات إقالة عدد من أقرباء نزارباييف من الأجهزة الأمنية، واستمرت عمليات التضييق على مصالح "العائلة" الاقتصادية وإبعاد رموزها.

الانسحاب الروسي من كازاخستان

وذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيان، أن أربع طائرات عسكرية روسية أقلعت من مطاري ألماتا ونور سلطان وعلى متنها آخر دفعة من جنود حفظ السلام متجهة إلى روسيا.

وأشار قائد وحدة حفظ السلام الجنرال أندريه سيرديوكوف إلى أن القوات المشكّلة من خمس دول تعاملت مع مهامها، ولم يُسمح بأي استفزاز ضدها.

غادرت القوات الروسية كازاخستان بالكامل اليوم الأربعاء

وأكد أن عملية حفظ السلام على أراضي كازاخستان قد اكتملت، وأن الوحدات الأخيرة وقيادة قوات حفظ السلام ستعود إلى نقاط الانتشار الدائم.

وفي وقت سابق، غادرت وحدات حفظ السلام المرسلة من أرمينيا وبيلاروسيا وطاجيكستان وقيرغيزستان كازاخستان. وذكرت وزارة الدفاع الروسية أنه تم تنفيذ أكثر من 100 رحلة جوية من ألماتا إلى ثلاث مطارات عسكرية في روسيا، وأيضاً إلى العواصم: الأرمينية يريفان والطاجيكية دوشانبي والبيلاروسية مينسك، باستخدام طائرات عسكرية روسية.

ومعلوم أن قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة "معاهدة الأمن الجماعي" بدأت انتشارها في 6 يناير/ كانون الثاني الحالي في كازاخستان، بعد تلقي طلب من الرئيس قاسم جومارت توكاييف من أجل حماية منشآت حيوية في البلاد، التي قال إنها "تعرضت لهجوم إرهابي بهدف الاستيلاء على السلطة".

وفي 11 يناير، أكد توكاييف أن الأمور تتجه نحو الاستقرار، وقال إن القوات أدت مهمتها، وإنها ستبدأ انسحابها بعد يومين، على أن ينجز الانسحاب بالكامل في غضون عشرة أيام.

ويشار إلى أن العملية العسكرية في كازاخستان هي الأولى من نوعها لقوات "معاهدة الأمن الجماعي" التي أسستها روسيا في عام 2002.

وبدا أن استجابة روسيا السريعة لإرسال القوات التي وصل عدد أفرادها إلى ثلاثة آلاف، وإكمال الانسحاب قبل الوقت المحدد، تهدف إلى التأكيد على أنها شريك موثوق للحفاظ على أمن حلفائها، فضلاً عن امتلاكها قدرات لوجستية كبيرة لتحريك ونقل قواتها مع المعدات اللازمة في وقت قياسي.

"زعيم الأمة المتقاعد"

وبعد مرور أكثر من أسبوعين على اندلاع الاحتجاجات على غلاء أسعار الوقود في كازاخستان، ورفع المتظاهرين شعارات "ارحل أيها العجوز"، ظهر الرئيس الأول نزارباييف للمرة الأولى في مقطع فيديو أكد فيه أنه موجود في العاصمة الكازاخية، من دون أن يذكر اسمها الذي تحول من أستانة إلى نور سلطان تكريماً له.

وظهر "زعيم الأمة" عشية إتمام الانسحاب الروسي من بلاده وعودة الاستقرار النسبي إلى شوارع المدن الكازاخية، وإحكام الرئيس قاسم جومارت توكاييف السيطرة على الحكومة والأجهزة الأمنية وتجاوز المرحلة الخطرة، ولعل الأهم تواصل الحملة ضد عائلة نزارباييف في المفاصل الاقتصادية والأمنية المهمة في الدولة.

نزارباييف يظهر للمرة الأولى: لا صراع بين النخبة

وشدّد نزارباييف في خطابه على أنه "لا يوجد صراع أو مواجهة بين النخبة"، مشيراً إلى أن "الشائعات حول هذا الموضوع لا أساس لها من الصحة على الإطلاق".

ومع إشارته إلى أنه "متقاعد" ويقضي "تقاعداً مستحقاً" في العاصمة، أعلن نزارباييف دعمه لتوكاييف في استكمال التغييرات الأخيرة في السلطة، لافتاً إلى أن الأخير "يملك السلطة الكاملة وهو رئيس مجلس الأمن".

وكشف أنه "قريباً سيتم انتخاب توكاييف رئيساً لحزب نور وطن" الحاكم. وعلى الرغم من رفع شعارات ضده في الاحتجاجات، خصص نزارباييف جزءاً من خطابه للإشادة بالنظام الذي بناه في العقود الثلاثة الأخيرة.

وذكر أنه نفذ إصلاحات مهمة وبنى كازاخستان المستقلة، معتبراً أنه "حققنا نتائج مذهلة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وأصبحنا قادة في كثير من النواحي ليس فقط في آسيا الوسطى، ولكن أيضاً في رابطة الدول المستقلة".

وقال إنه عمل بذاته طوال 30 عاماً "بلا كلل من أجل وطننا الأم". ولم يطرح نزارباييف تفسيراً واضحاً للأحداث الأخيرة، وبدا أنها لم تكن ضمن أولويات رسالته الأساسية من الخطاب، ورأى أن "الغرض من أعمال الشغب المنظمة والهجمات على كازاخستان كان تدمير وحدة البلاد وأسس الدولة".

ومن المرجح أن ظهور نزارباييف المتأخر جاء نتيجة قناعة بأنه فقد صفة "زعيم الأمة" منذ انطلاق التظاهرات المطالبة برحيله، وأنه لا جدوى من توجيه رسالة لن تُسمع.

الإقرار بالواقع الجديد

وربما حمل الخطاب رسالة إقرار بالواقع الجديد وانتهاء دوره السياسي وتراجع دور عائلته الأمني والاقتصادي، مع سعي لحفظ ماء الوجه وبعض مصالح العائلة عبر الإشارة إلى دوره "التاريخي".

ومعلوم أن توكاييف أعلن عن توليه رئاسة مجلس الأمن في كازاخستان في 5 يناير/ كانون الثاني الحالي، وهو المنصب الذي احتفظ به نزارباييف إثر عملية نقل السلطة في 2019.

وبدا واضحاً أن نفوذ أقارب نزارباييف تراجع كثيراً نتيجة قرارات الرئيس الأخيرة، ما فتح الباب أمام تكهنات بوجود صراع ضمن النخبة على إعادة تقسيم السلطة والمصالح الاقتصادية.

ومنذ يومين أعلن رجل الأعمال تيمور كوليباييف، زوج ابنة نزارباييف الوسطى دينارا، وأكثر رجال الأعمال تأثيراً في بلاده وصاحب المركز الخامس حسب قائمة "فوربس" مع زوجته، عن استقالته من رئاسة الغرفة الوطنية لرجال الأعمال.

كما تأكدت رسمياً إقالة ابن شقيق نزارباييف سامات أبيش من منصبه كنائب لرئيس لجنة الأمن الوطني، وهو الجهاز الأكثر نفوذاً في كازاخستان، والذي وُجّهت لرئيسه كريم ماسيموف، المقرّب من نزارباييف، تهمة "الخيانة العظمى".

ومن الواضح أن نزارباييف حاول أن يسدل الستار على فترة حكمه بأقل الخسائر الممكنة. وفي المقابل، تظهر مؤشرات عدة إلى استمرار البحث عن تسويات بين النخب القديمة والجديدة لضمان عدم تعطيل الانتقال الكامل للسلطة إلى توكاييف، وطيّ صفحة حكم نزارباييف بالكامل.

نفوذ أقارب نزارباييف تراجع كثيراً نتيجة قرارات الرئيس الأخيرة

 

وغداة خطاب نزارباييف، ظهرت عريضة على موقع "إيغو.برس" لم يكشف عن المبادرين لإطلاقها، ووقع عليها قرابة 5 آلاف شخص. وتطالب العريضة بإلغاء القانون المتعلق بحصانة الرئيس الأول للبلاد وعائلته، المقرّ في عام 2000.

وتضمن القانون حينها خمسة بنود، هي: ضمان الحصانة الكاملة للرئيس الأول وعائلته، وعدم جواز توقيف الرئيس الأول أو احتجازه أو تفتيشه أو استدعائه للاستجواب أو اعتقاله، وجعل جميع ممتلكات نزارباييف وأفراد أسرته الذين يعيشون معه تتمتع بالحصانة، وضمان حصانة حساباته المصرفية، وتقاضي الرئيس الأول راتباً تقاعدياً قدره 80 في المائة من الراتب الشهري لرئيس الجمهورية، فضلاً عن تخصيص بدل مالي شهري لكل فرد من عائلة نزارباييف ممن يعيشون معه. 

سحب الامتيازات من نزارباييف

وفي خطوة إضافية لسحب الامتيازات السابقة من نزارباييف أقرّ البرلمان الكازاخي، اليوم الأربعاء، قانوناً يلغي احتفاظ أول رئيس للبلاد (نزارباييف) برئاسة "مجلس شعب كازاخستان" ومجلس الأمن.
و"مجلس شعب كازاخستان" هو هيئة استشارية تعمل تحت إشراف رئيس الجمهورية، ومهمتها تعزيز وتطوير وتنفيذ السياسة الوطنية للدولة، وتأسس بمبادرة من نزارباييف في 1 مارس/ آذار 1995، ومنذ عام 2016، يتم الاحتفال بهذا اليوم باعتباره عطلة "عيد الشكر". ووفقاً للقوانين السابقة يحق للرئيس الأول لجمهورية كازاخستان "زعيم الأمة" أن يرأس "مجلس شعب كازاخستان" مدى الحياة.
وذكر النائب في البرلمان كانات نوروف في صفحته على "فيسبوك" أنه "كان من الضروري في البداية إلغاء حق نزارباييف في رئاسة المجلس مدى الحياة، بعدما صرح بذلك بنفسه (أعلن أنه متقاعد)". وأوضح نوروف أن القانون الجديد يمنح الرئيس الحالي بصفته القانونية أو رئيساً مستقبليا ترؤس "مجلس شعب كازاخستان". وذكر أنه شارك في طرح هذا "القرار التاريخي" وإقراره. من جهتها، أوضحت الخدمة الصحافية في البرلمان أن هذه التعديلات تندرج ضمن مشروع قانون "التعديلات على قانون الأحزاب السياسية" الذي أقره المجلس اليوم الأربعاء.

واستبعد وزير خارجية كازاخستان مختار تلوبيردي تورط نزارباييف وأفراد عائلته في الاضطرابات الأخيرة، إلا أنه شدّد على أن "التحقيق سيظهر الحقيقة في نهاية المطاف".

وعلى الرغم من الحملة على عائلة نزارباييف، وانتقاد توكاييف للنظام الذي أسسه "زعيم الأمة" والذي تسبب في بروز "حيتان مال"، وبروز تفاوت اجتماعي كبير أدى إلى حصول الاحتجاجات، لم يتم توجيه أي اتهام مباشر لنزارباييف من قبل الحكومة والأجهزة الأمنية.

وربما تندرج العريضة والتصريحات الأخيرة لوزير الخارجية، إضافة إلى الإجراءات بحق أقارب نزارباييف، في إطار الضغوط من أجل تسليم الرئيس السابق وعائلته بالأمر الواقع الجديد بالكامل.

المساهمون