أصدر القضاء اللبناني اليوم الثلاثاء، قراراً يقضي بوقف ملاحقة الرئيس السابق لتحالف رينو نيسان ميتسوبيشي، كارلوس غصن، بجرم زيارة إسرائيل والتعامل مع العدو وإقامة علاقات تجارية معه، بعد الإخبار الذي تقدّم به المحامون حسن بزي، وجاد طعمة، وعلي عباس، في مطلع شهر يناير/كانون الثاني الماضي.
ويلفت المحامي جاد طعمة، بحديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ النيابة العامة التمييزية في لبنان "قرّرت حفظ الإخبار وعدم ملاحقة غصن بالجرائم المنسوبة إليه، بسبب مرور الزمن العشري (أي عشر سنوات)، على ارتكاب الجرم المدعى به، وهذه الذريعة كانت تقال همساً في السابق، وخرجت اليوم بشكل صريح، علماً، أننا قدّمنا أيضاً مذكرة إضافية وقتها للنيابة العامة التمييزية، تشير إلى تكريم غصن عام 2018 من قبل الجامعة العبرية في القدس، في محاولةٍ للقول، إنّ أمراً ما حصل في السنة المذكورة، يستدعي التمحيص أكثر، لمخالفته قانون مقاطعة العدو، ووجوب عدم إبرام صفقات معه، وهو ما يخضع لقانون العقوبات اللبناني ولا ينطبق عليه مرور الزمن العشري، بيد أن النيابة حفظت الطلب ملحقاً بالإخبار".
مذكرة إضافية قدمت وقتها للنيابة العامة التمييزية، تشير إلى تكريم غصن عام 2018 من قبل الجامعة العبرية في القدس
ويضيف طعمة: "تقدّمنا بالإخبار في شهر يناير/كانون الثاني 2020، ووضعنا المعلومات التي نملكها بعهدة القضاء اللبناني، ليتخذ القرار المناسب، وكلنا ثقة به، في خطوة ليس الهدف منها استهداف غصن بالشخصي، بل تأتي في إطار عملنا المستمرّ على صعيد ملفات مكافحة الفساد، وهدر المال العام، والتعامل مع العدو، والقضايا الوطنية"، لافتاً إلى أنّ "مرور الزمن، وإن كان صحيحاً عملاً بأحكام القانون، فإنّ القضاء اللبناني وبما له من قدرة على مراسلة الجهات الدولية والإنتربول الدولي، بوسعه أن يتأكد خلال العشر سنوات الأخيرة، أي منذ عام 2010 وحتى سنة 2020، ويتحقّق من أن كارلوس غصن لم يدخل أراضي العدو، ولم يوقع اتفاقيات اقتصادية معه، ولم يخالف قانون مقاطعة إسرائيل".
وحول دخول غصن إسرائيل كمواطن فرنسي لا لبناني، يؤكد، طعمة، أنّ "غصن لم يتنازل عن الجنسية اللبنانية، وهناك صلاحية شخصية للقضاء اللبناني تتيح له ملاحقة اللبناني الذي خالف قانون العقوبات، ومن المعروف أنّ القضاء في لبنان تعاطى مع مسألة (النشرة الحمراء) الصادرة عن الإنتربول الدولي حول غصن، بأنه مواطن لبناني، ولم ينفذها بذريعة الصلاحية الشخصية التي تجيز له محاسبته، وبالتالي، على القضاء اللبناني أن يحسم أمره، ما إذا كان يتعاطى مع غصن كلبناني أو أجنبي".
وبرَّرَ رجل الأعمال اللبناني، في مؤتمر صحافي عقده في بيروت بتاريخ 8 يناير 2020، عقب فراره من اليابان، أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول 2019، زيارته إلى إسرائيل عام 2008، ولقاءه الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز، وغيره من المسؤولين ورجال الأعمال، بعد سنتين فقط على اندلاع حرب يوليو 2006، بين لبنان والعدو، بأنّه "ذهب بصفته فرنسياً، وكممثل لشركة رينو، التي وقعت اتفاقاً مع شركة إسرائيلية تصنع سيارات كهربائية"، زاعما أنه "تأثر كثيراً عندما علم برد فعل قسم كبير من اللبنانيين وامتعاضهم من هذه الخطوة".
وما تزال ظروف خروج غصن من اليابان، والوصول إلى بيروت، غير معروفة، لناحية طريقة الهروب. وفي ظلّ تسريب سيناريوهات كثيرة، بروايات مختلفة، فضَّل الملقّب بـ"امبراطور صناعة السيارات"، عدم الكشف عن لغز العملية، كي "لا يورّط الأشخاص الذين ساعدوه لمغادرة الأراضي اليابانية، حيث يوجّه إليه القضاء تهما عدّة، منها تضليل السلطات الضريبية في البلاد، وخيانة الثقة، التي أدت إلى اعتقاله من قبل السلطات اليابانية عام 2018، وغيرها من التهم.
إثارة قرار القضاء اللبناني أولاً في وكالات فرنسية، قبل وسائل الإعلام المحلية، تطرح الكثير من علامات الاستفهام
في السياق، توقف مصدرٌ مطلعٌ على الملف، بحديث لـ"العربي الجديد"، عند إثارة قرار القضاء اللبناني أولاً في وكالات فرنسية، قبل وسائل الإعلام المحلية، ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام عما إذا حصلت تدخلات في التوقيت الحالي، بهدف إنقاذ رجل من الجنسية الفرنسية، في إطار التسويات الحاصلة، ومبادرة فرنسا تجاه لبنان، في حين من المفيد أيضاً التركيز إعلامياً على متابعة قرار النيابة العامة في ما يتعلق بمذكرة "إنتربول"، خصوصاً أن ملف غصن أصبح قضية رأي عام، وتجب معرفة كيفية هربه وانتقاله من اليابان إلى تركيا قبل وصوله إلى بيروت، على أن يوضع كل قرار تحت الضوء لمتابعته حتى النهاية".
وتنطلق علامات الاستفهام من أمثلة وتجارب كثيرة في لبنان، وآخرها القضاء اللبناني العسكري، وتحديداً المحكمة العسكرية، التي برأت في مارس /آذار الماضي العميل عامر الفاخوري من تهمة التعامل مع إسرائيل، ومحاولة قتل أسرى داخل سجن الخيام، وخطف وتعذيب آخرين، إبان الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان قبل الانسحاب عام 2000، للسبب نفسه، وهو مرور الزمن على الجرائم المنسوبة إليه.
وفي هذا الإطار، يقول المحامي طعمة، إن "قرار المحكمة العسكرية وقتها أدى إلى إخراج فاخوري من لبنان واستقالة رئيسها القاضي حسين عبدالله، ما يعني أن أمراً خاطئا حصل في طريقة التعاطي مع الملف دفع القاضي إلى الاستقالة؛ ولكن نحن بكل الأحوال لنا الثقة بالقضاء اللبناني وبأنه لن يتخاذل، ولا يعقد صفقات على حساب تطبيق القانون، ويبقى الحكم في المقام الأول والأخير للناس في كل قضية تصبح قضية رأي عام".