بعد نحو شهر على إصدار القضاء الفرنسي مذكرة توقيف دولية بحق رئيس النظام السوري بشار الأسد بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية جراء هجمات كيماوية صيف عام 2013، طلب مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب من محكمة الاستئناف في العاصمة الفرنسية باريس النظر في المذكرة لأنها تشكل استثناء لمبدأ الحصانة.
ووفق موقع justice info المتخصص بتغطية محاكمات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، فإن الادعاء العام لم يشكك في وجود عناصر تثبت تورط بشار الأسد في الهجمات الكيماوية المرتكبة في أغسطس/ آب 2013، التي اتهم الأسد وشقيقه واثنين من معاونيه بالمسؤولية عنها، إلا أنه اعتبر صدور هذا التفويض يشكل "استثناء لمبدأ الحصانة الشخصية التي يتمتع بها الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الخارجية في مناصبهم في كل دولة ذات سيادة".
وقال مكتب المدعي العام، الخميس، إنه "بالإجماع، يعتبر حتى الآن أن مثل هذا الاستثناء مقصور على المحاكم الدولية فقط"، مثل المحكمة الجنائية الدولية، مؤكدًا أن "أهمية هذه المسألة القانونية وعواقبها تتطلب أن تبت فيها محكمة أعلى"، قبل إجراء محاكمة محتملة.
وكان قضاة التحقيق الجنائي في فرنسا أصدروا، منتصف الشهر الفائت، مذكرات توقيف بحق بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد واثنين من معاونيه بتهمة استخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة. وبيّن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وهو منظمة حقوقية تنشط في أوروبا، في حينه، أن المذكرة التي تشمل الأسد وشقيقه ماهر، الذي يقود "الفرقة الرابعة" في قوات النظام، وهي الأكثر وحشية في التعامل مع السوريين، واثنين من ضباط النظام هما غسان عباس وبسام الحسن، جاءت بسبب استخدام الأسلحة المحظورة ضد المدنيين في مدينة دوما ومنطقة الغوطة الشرقية في 2013.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أدت هجمات النظام السوري بالأسلحة الكيماوية عام 2013 إلى مقتل 1144 شخصاً خنقاً، بينهم 99 طفلاً و194 سيدة، بينما أصيب 5935 شخصاً بحالات اختناق. وفُتح التحقيق في هذه المجزرة من قبل القضاء الفرنسي بناءً على شكوى جنائية قدمها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير وضحايا سوريون في مارس/ آذار 2021، بالاستناد إلى شهادات من ناجين من هجمات أغسطس/ آب 2013.
وأوضح عضو "هيئة القانونيين السوريين" المحامي عبد الناصر حوشان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مذكرة التوقيف بحق بشار الأسد التي صدرت عن القضاء الفرنسي "تخالف قرار محكمة العدل الدولية لسنة 2006 حول حصانة الرؤساء ورؤساء الحكومات من الملاحقة أمام المحاكم الوطنية الأجنبية"، مضيفا: "لا تسقط هذه الحصانات إلا أمام المحكمة الجنائية الدولية". ورأى أن صدور المذكرة "ربما كان رسالة سياسية أو جرأة من القضاة"، مضيفا: "وبنفس الوقت طالب مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب بمراجعة قرار إصدار المذكرة إذ له أبعاد سياسية أيضا".
وكان القضاء الفرنسي أصدر، قبل نحو شهرين، مذكرات اعتقال بحق وزيري الدفاع السابقين في حكومة النظام علي عبد الله أيوب وفهد جاسم الفريج، بالإضافة إلى قائد القوات الجوية أحمد بلول، وقائد "اللواء 64 مروحيات" علي الصافتلي، بتهمة التواطؤ في "جرائم حرب"، وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، وقتل شخص محمي بموجب اتفاقيات منها "القانون الدولي الإنساني".
وكان أصدر أيضا مذكرات اعتقال في عام 2018 بحق ثلاثة مسؤولين رفيعين في الاستخبارات السورية، هم: علي مملوك، المدير الحالي لمكتب الأمن القومي للنظام السوري، الذي يشرف على "كل الجهاز الأمني" التابع للنظام، والرئيس السابق لجهاز المخابرات الجوية جميل حسن، وهو أحد كبار الضباط المتهمين بارتكاب مجازر وجرائم ضد الإنسانية، والشخص الثالث هو عبد السلام فجر محمود، رئيس فرع التحقيق في الاستخبارات الجوية، التي كانت وراء مقتل عدد كبير من المعتقلين تحت التعذيب في عشرات السجون التي تديرها في العاصمة والمحافظات.