العنف القبلي في دارفور: خليط من الأزمات المتراكمة وغياب الدولة السودانية

26 ديسمبر 2022
ازدادت وتيرة الهجمات في دارفور عقب الحرب الأهلية (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

أعادت أحداث العنف القبلي في دارفور غرب السودان المنطقة إلى الواجهة مجدداً، عقب اشتباكات دموية وقعت خلال الأيام الماضية في ولاية جنوب دارفور.

وكان 11 شخصاً، بحسب ما قال مصدر طبي لوكالة "فرانس برس" أول من أمس السبت، قتلوا في اشتباكات بين قبيلتي الداجو والرزيقات بمحلية بليل بولاية جنوب دارفور، غربي البلاد. كما أصيب في الحادثة العشرات، ونزح الآلاف إلى معسكرات الإيواء بمدينة نيالا مركز ولاية جنوب دارفور، التي لا تبعد أكثر من 20 كيلومتراً عن المنطقة، التي تفجرت فيها الاشتباكات.
وتُعد الاشتباكات الأحدث في إقليم دارفور المعروف بتاريخه الطويل في وقوع مثل هذه الاشتباكات، التي ازدادت وتيرتها عقب الحرب الأهلية في الإقليم التي أُوقدت شرارتها الأولى في العام 2003. كما شهدت أقاليم أخرى في السودان نزاعات قبلية، مثل النيل الأزرق، وكردفان. 

ولم تنج بقية الأقاليم منها، ولو بنسب متفاوتة، حتى بلغت حصيلة تلك النزاعات، منذ استقلال السودان في العام 1956 حتى الآونة الأخيرة، أكثر من 250 ألف شخص، وانعكست كلياً على الاستقرار المجتمعي والسياسي وعطلت التنمية وزادت معدلات الفقر والأمية في البلاد. 


آدم رحال: ما قامت به السلطات غير كافٍ لحماية المدنيين

وكان نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) اعتكف، في يوليو/تموز الماضي، في دارفور لأكثر من 50 يوماً، بهدف إجراء مصالحات قبلية واسعة وتمتين خيوط التعايش بين القبائل والمجموعات السكانية، وفرض ترتيبات أمنية جديدة، وطمأنة النازحين، وتوفير فرص حياة أفضل للأهالي. 

كما سعى حميدتي وقتها لنزع فتيل التوترات المتلاحقة في ولاية غرب دارفور خصوصاً، ما أدى في النهاية إلى هدوء نسبي خلال الأشهر الماضية، إلى أن تفجرت، قبل أيام، الأحداث في جنوب دارفور، الولاية التي تضم أكبر كثافة سكانية بين ولايات إقليم دارفور.

إطلاق رعاة النار فجّر الاشتباكات

وقالت السلطات الأمنية بالولاية، في بيان السبت الماضي، إن الاشتباكات تفجرت لأول مرة بعد أن أطلقت مجموعة من الرعاة، الأربعاء الماضي، الرصاص، على مركبة بها عدد من أهالي قرية أموري بمحلية بليل بغرض النهب، فقُتل شخص وأصيب آخر، لترسل السلطات قوات مشتركة لموقع الحادث، حيث تم توقيف أحد المتهمين، ودونت قضية جنائية ضد المجموعة المعتدية. 

وأشارت إلى أن قبيلة الضحايا قامت بملاحقة بقية المتهمين بالهجوم، ما أدى إلى مقتل أحد الرعاة، لتتواصل الأحداث يوم الجمعة الماضي، بهجوم رعاة على متن إبل ودراجات نارية، على قرى وحرقها، ما أدى إلى مقتل 4 أشخاص جدد، وانتشار التوتر في كل ولاية جنوب دارفور. وخلال إغلاق عدد من المواطنين الطريق الرابط بين مدينتي الفاشر ونيالا، احتجاجاً على ما حصل، قتل شخص من بينهم، فيما لا يزال الطريق مغلقاً حتى أمس الأحد.

وأكدت لجنة أمن ولاية جنوب دارفور، في البيان، أنها أرسلت 42 مركبة مسلحة لمواقع الأحداث، ومروحية استطلاع لتغطية مناطق التوتر، والجمع بين زعماء القبيلتين المتناحرتين، وإجلاء المصابين بطائرة خاصة إلى مستشفى نيالا. وأشارت إلى أنها شكلت لجنة لحصر الخسائر والأضرار، والوقوف ميدانياً على الوضع الإنساني، متوعدة بملاحقة كل من يثبت تورطه في الحادث.

اتهام "الجنجويد" بقتل المواطنين 

واتهمت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين، وهي هيكل طوعي يمثل النازحين، مليشيا "الجنجويد" بالتورط في قتل المواطنين ونهب الممتلكات والمواشي وحرق 9 قرى، وتشريد أهلها. 

وأشارت، في بيان السبت الماضي، إلى أن "الجناة نفذوا جريمتهم بالزي الرسمي لقوات الدعم السريع". وعبّرت المفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان، في بيان، عن قلقها حيال الأحداث، داعية إلى تحقيق مستقل وشفاف ومحاكمة المتورطين وجبر ضرر الأهالي، فيما حمل حزب "المؤتمر"، في بيان، المسؤولية للحكومة لتأخرها في احتواء الأحداث.

ومع ارتفاع مستوى التوتر، أعلن والي ولاية جنوب دارفور حامد هنون، أول من أمس، فرض حالة الطوارئ في الولاية لضمان عدم تجدد الاشتباكات، فيما حظر التجول بمنطقة بليل، بؤرة الصراع، من السادسة مساء إلى السادسة صباحاً لحين انجلاء الموقف. 

ونقلت وكالة "سونا" عن الوالي قوله إن "القرارات أتت لحسم التفلتات الأمنية، وتفويض القوات النظامية اتخاذ كافة التدابير والإجراءات الضرورية وفقاً للقانون وقانون الطوارئ، على أن يعاقب كل من يخالف أوامرها بموجب القانون". واستثنى قرار حظر التجول العاملين بالقطاع الصحي، وخدمات المياه والكهرباء والمخابز والآبار، وصهاريج نقل مياه الشرب، وسيارات الإسعاف والحالات الصحية الطارئة.

وقال المتحدث باسم المنسقية العامة لمعسكرات النازحين، آدم رحال، لـ"العربي الجديد"، إنّ ما قامت به السلطات المحلية والمركزية غير كافٍ لحماية المدنيين من هجوم الجماعات المسلحة والمليشيات، ويؤكد غياب الدولة وفشل السلطة الانقلابية الحالية في إدارة الملفات الأمنية. 

وحذر رحال "من مآلات الوضع الإنساني ونقص الغذاء في المعسكرات، مع ازدياد عدد النازحين، وخفض المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني لحصصها الغذائية". 

واعتبر أن "الأوضاع سوف تتعقد أكثر بدخول فصل الشتاء، حيث تتصاعد معاناة النساء والأطفال"، مؤكداً أنه "لا أمل هنا إلا بإسقاط الانقلاب العسكري وتشكيل حكومة مدنية، تتمكن من إيجاد حلول شاملة بدستور جديد وحوار سوداني سوداني، وتعيد النازحين إلى قراهم الأصلية المسيطر عليها من قبل المليشيات المسلحة".

أما العمدة جعفر محمد أحمد فأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن الأوضاع الأمنية شهدت منذ أمس الأحد هدوءاً تاماً، "لأن المهاجمين نفذوا كل ما يريدون، عبر القتل ونهب ممتلكات الأهالي من مواش ومحاصيل زراعية وغيرها"، نافياً "وجود أي قوات تحمي المدنيين الآن"، مشيراً إلى أن القوة العسكرية التي حضرت إلى المنطقة عادت وانسحبت بعد سقوط قتيل منها. 

وأشار أحمد إلى أن الأهالي يعيشون أوضاعاً سيئة بعد حرق قراهم، حيث يعيش بعضهم في العراء، بينما لم يجد من وصلوا إلى معسكر "دريج" في نيالا أي مكان لإيوائهم، ما أجبرهم على العيش في العراء، موضحاً أنهم يحتاجون إلى دعم إنساني.

أما الصحافي المقيم بولاية جنوب دارفور، خالد جبريل فقال إن الحادثة الأخيرة ألقت بظلالها السلبية على كل الولاية، وأثارت الهلع حتى في مدينة نيالا مركز الولاية، حيث أغلقت بعض المحلات التجارية أبوابها خشية وقوع أعمال عنف وانتقام، مبدياً خشيته من تمدد الأزمة إلى مناطق أخرى. 

صراع أزلي بين المزارع والراعي

وأرجع جبريل، في حديث لـ"العربي الجديد"، اندلاع الاشتباكات إلى "الصراع الأزلي في دارفور بين المزارع والراعي وانتشار الكراهية وغياب الوازع الديني، وضعف التنمية والخدمات، وانتشار البطالة وسط الشباب، لأن الشاب الذي لا يجد عملاً كثيراً ما يتحول إلى ممارسة النهب". 


خالد جبريل: اتفاق السلام لم يترك أثراً إيجابياً في دارفور

وانتقد تباطؤ الحكومة المحلية في اتخاذ الإجراءات الأمنية للحيلولة دون اتساع رقعة الاشتباكات بعد حادثة النهب يوم الأربعاء الماضي، مشيراً إلى أنها لم تُرسل قوات كافية لمنع الهجوم على القرى وحرقها، كما أن هناك أحاديث عن انسحاب القوات المتمركزة في منطقة بليل.

وحول مدى تأثير اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والحركات المتمردة في دارفور في 2020 على مجمل الأوضاع في الإقليم، قال جبريل إن "الاتفاق لم يترك، حتى اللحظة، أي أثر إيجابي لا على حياة المواطنين ولا على النازحين الفارين من جحيم الحرب، والأثر الوحيد الايجابي ظهر لدى قادة الحركات المسلحة بتمتعهم بالوظائف". 

وانتقد بشدة حكومة الإقليم، التي يرأسها رئيس "حركة تحرير السودان" ميني أركو ميناوي، معتبراً أنه لا تواجد لها على الأرض، "بينما لم يكن الحاكم شفافاً بما يكفي أمام الرأي العام فيما يتعلق بموارد حكومته". 

وفي حين عبر محمد زكريا، المتحدث باسم "حركة العدل والمساواة" الموقعة على اتفاق السلام، عن أسفه لوقوع الضحايا، فقد أشار إلى أن "ما جرى نتاج طبيعي لسياسات الاضطهاد والقبلية والجهود التي أسس لها النظام البائد الشمولي، وأن محاولة معالجة تلك المشكلات تمت عبر التوقيع على اتفاق السلام الذي واجهت عمليات تنفيذه تعقيدات، لا سيما في مجال الترتيبات الأمنية". 

وقال زكريا، لـ"العربي الجديد"، إن "عدم الاستقرار السياسي خلال الفترة الانتقالية، وموقف قوى سياسية من الاتفاق، وانقطاع المسار الدستوري أثر سلباً على عمليات التنفيذ، يضاف إلى ذلك عدم توفير المجتمع الدولي الأموال اللازمة لتنفيذ الترتيبات الأمنية، خصوصاً دمج الجيوش". وأكد "حدوث تحسن نسبي بالوضع في دارفور لكنه ليس الوضع المثالي"، مشيراً إلى "وجود إرادة سياسية حقيقية لمعالجة كل التحديات". 

وقال محيي الدين إبراهيم، المتحدث باسم "تحالف الحرية والتغيير ــ الكتلة الديمقراطية"، إن اتفاق السلام لم ينفذ حتى الآن، خصوصاً ما يلي بنود الترتيبات الأمنية وتشكيل قوات مشتركة لحماية المدنيين". وحمل "مسؤولية أحداث منطقة بليل الأخيرة إلى اللجنة الأمنية بالولاية التي لم تتحرك بصورة سريعة، خصوصاً أنه كان هناك بوادر لتفجر أحداث قبل أيام من وقوعها". 

وشدد إبراهيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، على "وجوب تسليم المتورطين في الأحداث للعدالة لمحاكمتهم وفرض هيبة الدولة وسيادة حكم القانون وحماية المدنيين". وحث المجتمع المدني على تقديم مساعدات للمتضررين، مبيناً أن الوضع في دارفور لا يزال هشاً ولا بد من نشر قوات لحماية المدنيين وجمع السلاح وحل الإشكالات العميقة، بينها العلاقة بين المزارعين والرعاة.

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون