العلاقات الأميركية الإسرائيلية: هل يحوّل نتنياهو الأزمة إلى فرصة؟

21 يوليو 2023
حظي هرتسوغ بترحيب كبير في الكونغرس (سول لوب/فرانس برس)
+ الخط -

العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وإن بدا أنها مشحونة منذ ولادة حكومة بنيامين نتنياهو، إلا أنها قد تتحلحل تدريجياً أو قد تنتهي "بصفقة" ترضي الطرفين، خصوصاً أن التعاون في القضايا الحساسة مستمر على أعلى المستويات.

وقد حظي خطاب الرئيس الإسرائيلي يتسحاك هرتسوغ في الكونغرس الأميركي، أمس الأول الأربعاء، بوقوف أعضاء الكونغرس وتصفيقهم أكثر من 30 مرة، وبلغ ذروته حين قال: "واضح لنا أنه لا بديل لإسرائيل عن الولايات المتحدة ولا بديل للولايات المتحدة عن إسرائيل. عندما تكون الولايات المتحدة قوية، تكون إسرائيل أكثر قوة، وعندما تكون إسرائيل قوية، تكون الولايات المتحدة أكثر أمناً". كلمات تلخّص الكثير بشأن علاقة البلدين.

وتطرق هرتسوغ أيضاً إلى "القيم المشتركة" والديمقراطية والحرية وغيرها، وقوة المحكمة العليا الإسرائيلية، فيما أكد تفاعل أعضاء الكونغرس مجدداً أن العلاقات بين البلدين ومهما بدت متوتّرة، فإنها راسخة على عدة مستويات، خصوصاً ما يتعلق بالأمن، وأنها عابرة للأحزاب، وأن الولايات المتحدة لا تفرّط بحليفتها الأهم والأبرز.

لكن كل هذا كان متوقعاً حتى في ظل الانتقادات العلنية من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن للحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو وحلفائه ووصفهم بالمتطرفين، وعلى الرغم من كل التحذيرات التي أطلقها في الآونة الأخيرة العديد من المسؤولين الإسرائيليين الذين حذروا نتنياهو من تأثير توجهات حكومته على العلاقة مع واشنطن.

نتنياهو ماضٍ بخططه

وبرزت الخلافات في عدة قضايا، من ضمنها خطة إضعاف القضاء التي تقودها حكومة نتنياهو، وسياسة الاستيطان، وغيرهما. وعلى الرغم من الدعوة التي وجهها بايدن لنتنياهو لوقف التعديلات القضائية فوراً، إلا أن الأخير ماضٍ بها، معللاً ذلك بالتزاماته تجاه حلفائه في الائتلاف.


على الرغم من الدعوة التي وجهها بايدن لنتنياهو لوقف التعديلات القضائية فوراً، إلا أن الأخير ماضٍ بها

وفيما يفترض أن يشمل "الوقف الفوري" وقف تشريع إلغاء "حجة المعقولية" التي تسلب صلاحيات مهمة من المحاكم حيال قرارات الحكومة ومنتخبي الجمهور، إلا أن نتنياهو أبلغ بايدن بشكل واضح بأن القانون سيمر، وأنه سيسعى إلى توافق واسع خلال عطلة الكنيست الإسرائيلي الصيفية.

عند سنّ هذا القانون سيتمتع نتنياهو وحلفاؤه بصلاحيات بلا رادع، أي أن قراراتهم لا يمكن لأحد أن يلغيها، حتى المحكمة العليا التي حافظت لسنوات على دور الرقيب في ما يتعلق بقرارات الحكومة غير المعقولة وغير المنطقية. وبالتالي يكون نتنياهو قد قطع الشوط الأكبر، على الرغم من المعارضة الأميركية والاحتجاجات الداخلية من قبل معارضي تقويض القضاء.

وفي نظرة إلى الواقع، يرى نتنياهو أن الرئيس الأميركي يتحدث ولكنه لا يفعل شيئاً لردعه، كما يدرك أن الدعم الأميركي لإسرائيل متواصل - على الأقل حالياً - وأن التعاون العسكري لم يتضرر والعلاقات لم تتراجع فعلياً في مختلف النواحي.

بل أكثر من هذا، يحقق نتنياهو "إنجازات" أمام الولايات المتحدة على الرغم من خلافات البيت الأبيض مع حكومة نتنياهو. وهي ليست المرة الأولى التي تدب فيها خلافات بين الطرفين على قضايا عينية، لكنها لطالما وجدت المخرج، من دون المس بالتعاون الأمني والاستخباراتي والتكنولوجي والعسكري، وإجراء تدريبات مشتركة، فكل هذا هو في أوجه في هذه الفترة.

إضافة إلى هذا قد يحصل الإسرائيليون قريباً على إعفاء من تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة، وعززت زيارة هرتسوغ هذه الإمكانية. ومن بين 435 عضواً في مجلس النواب الأميركي، صوّت 412، ليلة الاثنين -الثلاثاء، مرة أخرى، الى جانب الالتزام الأميركي حيال إسرائيل، ولهذا الأمر دلالته أيضاً.

تعويل على تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية

وعلى الرغم من اختلاف الروايات بشأن بعض تفاصيل ما دار في المحادثة الهاتفية بين بايدن ونتنياهو، ليل الاثنين الماضي، إلا أن نتنياهو عمل على تسويق المحادثة على أنها دعوة من بايدن لزيارة واشنطن، وكرر المقربون منه ذلك، كما سوّق روايته بأنه شرح لبايدن التزامه لحلفائه في الائتلاف.

وربما يرى هو والمقربون منه بالمحادثة نسفاً لما رُوّج بأن الولايات المتحدة تعيد تقييم علاقتها بإسرائيل، محاولاً إسكات معارضيه. كما ألقى نتنياهو باللوم على المعارضة قائلاً إنه لا شريك فيها للحوار بشأن التعديلات القضائية.


لم يتضح ما إذا كان نتنياهو قد تعهد فعلاً للرئيس الأميركي بوقف الاستيطان في الضفة الغربية

وبتلاعب بالكلمات أو بدونه، لم يتضح ما إذا كان نتنياهو قد تعهد فعلاً للرئيس الأميركي بوقف الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة حتى نهاية العام، فمكتب نتنياهو نفسه، الذي ذكر التوجّه لتجميد الخطط الاستيطانية، ونُشر ذلك في مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية، مساء الاثنين الماضي، عاد وأصدر بياناً لوسائل الإعلام اليمينية نفى فيه ذلك.

فعلياً لا يشعر نتنياهو بأنه يخسر شيئاً، وربما يعوّل على تاريخ العلاقات بين البلدين واستفادة حكومات إسرائيلية سابقة من بعض الأزمات، وتحويل الأزمة إلى فرصة بالنسبة له على غرار ما حدث عام 2010 مثلاً عندما طلب الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما تجميداً فورياً للبناء الاستيطاني في الضفة، ووافقت حكومة الاحتلال على ذلك شريطة ألا تطالبها الإدارة الأميركية بتمديد الفترة بعد مرور عشرة أشهر.

وعندما طلبت التمديد، دخل الطرفان في مفاوضات أفضت إلى "تجميد الاستيطان" لفترة، مقابل حصول إسرائيل على طائرات "أف 35" بسعر مخفّض. وفي عام 2020 أراد الاحتلال ضم المنطقة "ج" في الضفة الغربية، وتراجع مقابل التطبيع مع دول عربية.

وربما تكون في نفس نتنياهو غاية، يسعى إلى التشدد مقابل تلبيتها وإحراز صفقة ترضي حلفاءه، أو ربما يكون تطرف ائتلافه أكبر من أي صفقة محتملة. لكن كما يبدو، في الحالتين لن يوقف شيء تمرير قانون إلغاء "حجة المعقولية" يوم الاثنين المقبل، إلا إذا وقع حدث كبير واستثنائي في الاحتجاجات الداخلية، ويبدو أن ذلك أيضاً لن يحدث.

المساهمون