العراق: مقترح حكومي لتقليص أعداد عناصر حمايات المسؤولين يصطدم بالمتنفذين

28 يوليو 2023
عناصر من الشرطة العراقية في كركوك (علي مكرم غريب/ الأناضول)
+ الخط -

تسعى الحكومة العراقية لإنفاذ مقترح يقضي بتقليص أعداد عناصر حمايات المسؤولين والسياسيين، لما لذلك من تأثيرات في استغلال عناصر الأمن بمهام خاصة، فضلا عن الكلف المادية الكبيرة التي تتحملها موازنة الدولة، وسط توقعات بصعوبة التنفيذ، خاصة مع النفوذ الكبير الذي يتمتع به المسؤولون المستفيدون من الحمايات الخاصة.

ووفقاً للعرف السياسي في العراق، فإن المسؤولين من الخط الأول وغيرهم ممن يشغلون مناصب عليا في الدولة، والمحالين على التقاعد، وأغلبهم قادة في الأحزاب المتنفذة، يحظون بأهمية أمنية كبيرة، وتُخصص لهم سيارات حكومية مصفحة، مع تنسيب عدد من ضباط الحماية والاستطلاع لغرض تأمين جولاتهم وتحركاتهم.

نحو 15 ألف منتسب أمني يخدمون المسؤولين

وقالت مصادر في وزارة الداخلية العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن نحو 15 ألف منتسب أمني، ما بين عناصر وضباط، يخدمون القادة السياسيين وزعماء الأحزاب والبرلمانيين ورؤساء الكيانات، فضلاً عن المسؤولين المتقاعدين، مثل الوزراء ووكلائهم.

وبحسب المصادر التي فضلت عدم ذكر اسمها، فإن وزير الداخلية عبد الأمير الشمري يعمل على إنهاء فوضى تنسيب عناصر الأمن من أماكن تعيينهم الأصلية إلى مكاتب الأحزاب، لأن "في ذلك تعدياً على القانون، وإرهاقاً للميزانية المالية، واستغلالاً لموارد الدولة في صالح السياسيين والأحزاب".

وفيما أكدت المصادر أن الوزير يسعى إلى إعادة تنظيم هذه القوات، أشارت إلى أنه لا يريد مواجهة الأحزاب والقادة السياسيين بإلغاء الحماية عنهم، لكنه يسعى إلى تقليل الحمايات، لا سيما مع استقرار الوضع الأمني في معظم المحافظات العراقية.

وناقش الوزير الشمري، كما قالت المصادر، خلال جلستين سابقتين مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني المقترح، مشيرة إلى حصوله على موافقة الحكومة في المضي بهذا التوجه، والتوصل إلى أعداد مقبولة في الحمايات الخاصة بالمسؤولين، موضحة أن "معظم المسؤولين العراقيين يستغلون موارد الدولة لحماية أنفسهم".

أقرباء مسؤولين

وعلم "العربي الجديد"، من مصادر سياسية، أن "معظم عناصر الأمن القريبين من قادة الأحزاب، والمشاركين في خطط حماية المسؤولين، هم بالأصل من أقرباء هؤلاء المسؤوليسن، وقد جرت عملية تعيينهم في الدولة من أجل سحبهم فيما بعد لأداء مهام أمنية لخدمة الأحزاب".

وأضافت: "بعض عناصر الأمن والضباط المشتركين في هذه المهام هم أعضاء في الأحزاب قبل أن يتم تعيينهم في الأجهزة الأمنية، وهذا ينطبق على حمايات رؤساء الحكومات السابقة نوري المالكي، وحيدر العبادي، وعادل عبد المهدي، وغيرهم، حيث إن أغلب عناصر حماياتهم هم من أبناء عمومتهم وأقربائهم، وأفراد من عشائرهم".

توجه سابق قوبل برفض قادة الأحزاب

في السياق، قال الوزير العراقي السابق وائل عبد اللطيف، إن هذا التوجه كان مطروحاً في حكومة حيدر العبادي، لكن الرفض السياسي من قبل بعض قادة الأحزاب حال دون أن يتحول إلى قرار.

وأشار عبد اللطيف، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "موارد مالية وبشرية كبيرة يتم استغلالها من قبل السياسيين، إضافة إلى أعضاء مجلس النواب ورؤساء الكتل والمحافظين ونوابهم، فضلاً عن المستشارين، وأصدقاء السلطة الذين لا يُعرف عملهم بشكلٍ دقيق".

"غير منطقي"

من جهته، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي ياسر وتوت أن اللجنة تدعم هذا التوجه، وأن أعضاء من مجلس النواب كانوا قد فاتحوا وزارة الداخلية وأجهزة المخابرات والأمن الوطني خلال الأشهر السابقة بشأن وضع حد لاستغلال الأجهزة الأمنية من قبل السياسيين وقادة الأحزاب.

واعتبر وتوت، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "من غير المنطقي أن يكون لدى مسؤول سابق عدد من ضباط، بينهم ضابط برتبة عميد، ومهمتهم القيام بالاستطلاعات الأمنية في الأماكن التي ينوي أن يزورها هذا المسؤول المتقاعد".

وأشار وتوت إلى أن لجنة الأمن النيابية، إضافة إلى عدد من النواب المدنيين والمستقلين، سيتابعون سير هذا التوجه الأمني من قبل وزارة الداخلية، مؤكدًا "ضرورة تقديم وزارة الداخلية حملات ودورات وورش لتأهيل حمايات المسؤولين الذين سيبقون في خدمتهم، وتعليمهم طريقة التعامل مع المسؤولين والمواطنين على حد سواء، خاصة مع تسجيل تجاوزات وانتهاكات في أكثر من مناسبة كان ضحيتها بعض المواطنين والصحافيين".

تطبيق القرار على بعض المسؤولين المتقاعدين

بدوره، استبعد الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية ماهر جودة تطبيق مثل هذه القرارات، "لأن الأحزاب تمتنع عن تقليل حماياتها، بل إنها دائماً ما تزيد من أعداد عناصر الأمن لحمايتهم ومقراتهم من أي استهداف في أوقات الأزمات السياسية والأمنية"، مشيرًا إلى أن الحكومات العراقية "تتعامل بمحسوبية في هذا الشأن"، متوقعاً أن يتم تطبيق هذا القرار على بعض المسؤولين المتقاعدين فقط.

ولفت جودة، خلال حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "الأعراف السياسية هي السائدة في العراق، وليست القوانين، وهناك عرف متفق عليه منذ عام 2003 ينص على استمرار الحماية للمسؤولين الحاليين والسابقين وقادة الأحزاب من الخطين الأول والثاني، بأجهزة أمن مدربة جيداً، بالتالي فإن تطبيق مثل هذا القرارات على الرغم من أهميتها صعب جدًا".