أثارت أطراف سياسية عراقية جدلاً بشأن إمكانية تمرير قانون العفو العام، الذي نص اتفاق تشكيل حكومة محمد شياع السوداني على إقراره، إذ رجح نواب ألّا يحصل التوافق بشأنه خلال الفترة القريبة المقبلة، وسط مخاوف من إفراغ القانون من محتواه.
وكان "تحالف السيادة" قد شكك أخيراً في جدية السوداني بشأن تنفيذ الاتفاقات التي على أساسها مُنحَت الثقة لحكومته، محذراً من التسويف بالتنفيذ، وداعياً إلى التزام تنفيذ التعهدات، وخصوصاً إصدار قانون العفو العام.
ووفقاً لعضو في البرلمان العراقي، تحدث لـ"العربي الجديد" شرط عدم الكشف عن اسمه، فإن "سبب عدم طرح القانون حتى الآن داخل مبنى البرلمان، هو الخلاف السياسي بشأنه"، مبيناً أن "القوى السياسية تتباحث بالقانون في ما بينها، وهناك بوادر انقلاب بشأنه من قبل قوى في الإطار التنسيقي".
وأشار إلى أن "القوى السياسية تحاول الاتفاق على فقراته، ولا سيما أن الإطار التنسيقي يرفض تمرير الكثير من بنوده، دون أن يذكر أي سبب مقنع لرفضه"، لافتاً إلى أن "تحالف السيادة الذي يطالب بتمرير القانون، يخشى من محاولات الإطار التنسيقي إفراغ القانون من محتواه".
ورجح أن "تأخذ الحوارات السياسية بشأن القانون وقتاً طويلاً، وقد لا تنهي الجدل بشأنه خلال الفترة الحالية".
من جهته، أكد عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي النائب رائد المالكي، أن "الاتفاق السياسي نص على تشريع قانون العفو العام، لكن لا يعلم الصيغة التي سيطرح بها، لأنه إذا كان على شاكلة القانون الذي شرّع عام 2016، فستكون هناك مشكلة، لأن القانون سمح بإعادة المحاكمات، وهذا انتقاص من مهنية القضاء وطعن فيه عندما قيل إن المحاكمات السابقة لم تكن حقيقية، وكانت الاعترافات تنتزع بالإكراه"، وفقاً لقوله.
ولفت في تصريح لصحيفة "الصباح" الرسمية، الصادرة اليوم الأحد، إلى أن "تشريع القانون من أجل العفو عن أناس غير ممكن، لأنه يمكّن العفو عنهم بصورة مباشرة من دون الحاجة إلى اتهام القضاء بأنه يحكم بالإكراه".
وأكد أن "القوى السياسية يمكنها أن تقول إن تشريع القانون يكون من أجل المصلحة السياسية، وقررنا أن نعفو عن المتهمين بالإرهاب، إذا كان هذا هو المطلوب"، مشدداً على أن "العفو يجب أن تكون له مبرراته، لأنه في كل بلدان العالم هناك فئات ممن استوعبوا الدرس الذي من أجله تم الحكم عليهم بالسجن أو غيره، وبالتالي يستحسن أن يكون العفو عنهم بشروط".
وأوضح أن "الدستور العراقي يمنع العفو عن جرائم الإرهاب وجرائم الفساد المالي والإداري"، ملوحاً بـ"الطعن بالقانون في حال تشريعه لإطلاق سراح الإرهابيين والفاسدين، لأنه سيكون مخالفاً للدستور".
وفي السياق عينه، اعتبر الناشط السياسي العراقي أحمد حقي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تنصل تحالف الإطار التنسيقي من وعوده للقوى العربية السُّنية والكردية ينذر بأزمة سياسية جديدة في البلاد"، لافتاً إلى أن "الحكومة الحالية تشكلت على أساس تفاهمات ووعود، وما يجري تسريبه من أروقة الإطار التنسيقي، يشي بأنه قرر النكث بكثير من وعوده".
وحذر من أن ذلك سينهي آخر مؤشرات الثقة بين القوى السياسية، والعودة إلى أزمة وجود ضامن حقيقي لتنفيذ الاتفاقات التي يجري التوصل إليها بين القوى الرئيسة بالبلاد".
وكان البرلمان العراقي قد أقرّ قانون العفو العام نهاية أغسطس/ آب 2016، بعد خلافات سياسية طويلة، لكن كتلاً نيابية اعتبرت أنه قد أفرغ من محتواه، بعد حذف عدد من البنود والفقرات المتعلقة بمراجعة ملف المحكومين وظروف محاكمتهم.
وكان التعديل الأول للقانون قد تمّ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، بعد طلب تقدمت به قوى سياسية تنضوي حالياً ضمن تحالف "الإطار التنسيقي". وتضمنت أبرز التعديلات شمول الأشخاص المعتقلين من الذين تُجرى تسوية بينهم وبين ذوي الحق الشخصي بالعفو، بالإضافة إلى شموله مَن يتم تسديد ما بذمتهم من أموال للمصلحة العامة عن جرائم الفساد.
كذلك، عُدِّلت وقتها فقرة تمنع العفو عن جميع من أدينوا وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب المعمول به في البلاد، بعد العاشر من يونيو/ حزيران 2014، وهو تاريخ احتلال تنظيم "داعش" مدينة الموصل شمالي البلاد. كذلك عُدِّلَت الفقرة الخامسة في المادة الثالثة من القانون، والخاصة باستثناء جرائم الخطف والاغتصاب من إجراءات العفو. ومُنح من أمضى ثلث مدة محكوميته بجرائم التزوير، إمكانية العفو، مع استبدال ما بقي من فترة سجنه بواقع 50 ألف دينار (نحو 33 دولاراً) عن اليوم الواحد.