أثارت زيارة الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" إيلون ماسك إلى الصين، الكثير من علامات الاستفهام بشأن أهداف الزيارة، في ظل العلاقات المشحونة بين الولايات المتحدة والصين. ووصل ماسك على متن طائرة خاصة إلى العاصمة بكين يوم الثلاثاء، وأجرى محادثات معمقة مع وزير الخارجية الصيني تشين غانغ.
وفي اليوم التالي، التقى بوزير التجارة الصيني وانغ وينتاو، ووزير الصناعة وتكنولوجيا المعلومات جين تشوانغ لونغ، وتبادل معهما وجهات النظر حول التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، وكذلك تطوير مركبات ذكية تعمل بالطاقة. وبحسب مصادر محلية، من المتوقع أن يلتقي ماسك اليوم الخميس، بسكرتير الحزب الشيوعي في مدينة شنغهاي تشين جينغ، وسط تكهنات متزايدة حول توسع مرافق الإنتاج الخاصة بصناعة السيارات الكهربائية في المدينة التي تُعتبر العاصمة التجارية للبر الرئيسي الصيني.
وبحسب وزارة الخارجية الصينية، فقد أخبر تشين غانغ، رجل الأعمال الأميركي بأن الصين ستخلق إمكانات نمو غير مسبوقة، وسترفع معدلات الطلب في الأسواق، وسيكون ذلك مدعوماً بحملة التحديث الحكومية، وهدف تحقيق الرخاء المشترك في الدولة الاشتراكية. بينما أعرب ماسك عن رغبة مجموعته في مواصلة تطوير أنشطتها في الصين، مؤكداً أنه يعارض أي فصل اقتصادي بين بكين وواشنطن، وفق الخارجية الصينية.
وقد كان لافتاً في زيارة ماسك التي من المتوقع أن تستمرّ حتى يوم غد الجمعة، الاهتمام الإعلامي الكبير الذي حظيت به في وسائل الإعلام الرسمية الصينية، فقد احتلّ اسم مالك شركة "تسلا" عناوين الصحف ونشرات الأخبار. وتحت عنوان "الوزراء الصينيون يجتمعون مع إيلون ماسك"، تحدثت صحيفة "غلوبال تايمز" الناطقة باسم "الحزب الشيوعي"، عن تأثير الزيارة، وقالت إنها لا تشير فقط إلى التعاون التجاري والاقتصادي القوي بين الصين والولايات المتحدة، ولكنها تظهر أيضاً ثقة الشركات الأجنبية في بيئة الأعمال الصينية، على الرغم من محاولات واشنطن عزل بكين في مجال التعاون التكنولوجي.
طابع سياسي
في تعليقه على الزيارة، يقول أستاذ الدراسات السياسية في جامعة تايبيه الوطنية، جين توي، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا شك بأن هناك اهتماما مبالغا فيه من قبل بكين بزيارة ماسك، فهو مجرد رجل أعمال أميركي وليس مسؤولاً سياسياً رفيع المستوى، كان يمكن ألا يشعر أحد بالزيارة لو كانت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة أفضل حالاً، ولكن يبدو أن هناك رغبة في تسليط الضوء على لقائه بالوزراء الصينيين، وإعطاء الزيارة طابعاً سياسياً، وهي ليست كذلك"، حسب قوله.
وعن سبب ذلك، يوضح الأكاديمي الذي يقيم في تايوان، أن الصين تريد كسر الجليد في العلاقات بين البلدين، من خلال استخدام شخصيات نافذة ومؤثرة مثل إيلون ماسك، باعتباره ثاني أغنى رجل في العالم، وتريد أيضاً أن تعطي انطباعاً جيداً للشركات الأجنبية، من أجل استئناف الاستثمار بعد نحو ثلاث سنوات من الإغلاق بسبب جائحة كورونا.
ويتابع: "أن يُستقبل ماسك من رأس الدبلوماسية الصينية، بالإضافة إلى وزراء آخرين، وأن يتم منح هامش كبير من وسائل الإعلام الرسمية لتغطية الزيارة، ونشر ما يصدر عنها من تصريحات تتعلق ببيئة الاستثمار وحتمية التعاون الصيني الأميركي، هي مؤشرات واضحة على أن هناك ترتيباً لكيفية استغلال الزيارة في خدمة مصالح الصين التجارية والسياسية".
هذا وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، قد صرحت في إفادة يومية، بأن بكين تلتزم التزاماً راسخاً بتعزيز الانفتاح على مستوى عالٍ، ودعم بيئة أعمال موجهة نحو السوق، قائمة على أساس القانون والمساواة. وقالت: "نرحب بالشركات الأجنبية للاستثمار والقيام بأعمال تجارية في الصين، واستكشاف السوق المحلية والمشاركة في فرص التنمية"، بينما رأى محللون صينيون أن زيارة ماسك للصين هي عكس موقف الحكومة الأميركية المناهض للعولمة، وتثبت أنه من غير المجدي الانفصال عن التكنولوجيا الصينية.
مصالح مشتركة
من جهته، يقلّل الخبير الاقتصادي تشي جيانغ، من أهمية الحديث عن أبعاد سياسية لوجود المدير التنفيذي لشركة "تسلا" في الصين، ويقول لـ"العربي الجديد": "ليس لدى ماسك أي صفة سياسية، وبالتالي لا تمكن قراءة الزيارة خارج حدود المصالح المشتركة بين الطرفين. الصين ترغب في جذب المزيد من الاستثمارات بعد فتح حدودها الدولية، والقائمون على شركة "تسلا" يرغبون في زيادة حصتهم من السوق الصيني الأكبر على مستوى العالم".
ويلفت إلى أن شركة "تسلا" بصدد إنشاء مصنع ثانٍ في مدينة شنغهاي الصينية، وسيكون أكبر مصنع لها في جميع أنحاء العالم. ويضيف أن ذلك ينسجم مع رغبة بكين في فتح السوق المحلية، والترحيب بأهم العلامات التجارية العالمية، وسط الدعوات المتزايدة من قبل بعض السياسيين في الغرب لتقليل اعتماد الشركات في بلدانهم على الصين. ويتوقع أن يناقش ماسك، خلال اجتماعه مع سلطات شنغهاي، فكرة توسيع إضافي للمصنع الأول في المدينة خلال الفترة المقبلة.
وبحسب بيانات رسمية صينية، قام مصنع شنغهاي الذي تم إنشاؤه في عام 2019، بتسليم حوالي 450 ألف سيارة للعملاء الصينيين في عام 2022، بزيادة 37 في المائة عن العام السابق، بما في ذلك السيارات المصدّرة إلى الخارج، كما أنتج المصنع سبعمائة ألف سيارة في نفس العام، أي أكثر من نصف إجمالي إنتاج الشركة البالغ 1.31 مليون وحدة.
يشار إلى أن الصين هي أكبر سوق للسيارات والمركبات الكهربائية في العالم، حيث تمثل مبيعات السيارات التي تعمل بالبطاريات فيها حوالي 60 في المائة من الإجمالي العالمي.