الشعب يفتك ما يريد

09 نوفمبر 2020
فشلت الأحزاب والحكومات في وعدها بالتنمية (فتحي نصري/فرانس برس)
+ الخط -

منذ أعوام والحكومات التونسية المتعاقبة تشكو من وجع في الجنوب، عجز وحيرة وشلل أمام احتجاجات الشباب هناك وتعطيهلم لإنتاج الفوسفات والبترول وإغلاق الطرقات والمؤسسات، وهم لا يطالبون بمعجزات، فقط بحقهم في التنمية والحياة. وهنا، يذكر المتابعون ما عرف بأزمة الكامور جنوبي شرق تونس، عندما رفع المحتجون هناك شعار "الضخ لا، الرخ لا" أي لا ضخّ للبترول ولا تراخي في الإضراب. وأغلقوا "الفانة" أي محطة ضخّ البترول، بعد أن تراجعت الحكومات عن وعودها ولم تنفذ منها شيئاً. استمر إيقاف الانتاج أشهراً، خسرت البلاد فيها مليارات ولم تتمكن حتى من فضه بالقوة، إلى أن أعلن رئيس الحكومة هشام المشيشي، التوصّل إلى حلّ نهائي لإشكالية الكامور في ولاية تطاوين، واستئناف النشاط للشركات.

ولا يُعد هذا الاتفاق مجرد نجاح في مفاوضات اجتماعية تقوم بها أي حكومة في سير نشاطها العادي لفض الأزمات، لأنه يعكس إرادة شعبية قفزت فوق سلطة الدولة وواجهتها وتمكنت في الأخير من تحقيق مطالبها. وانتقد كثيرون التفاوض والاتفاق بين حكومة وأفراد محتجين، فيما اشتكى آخرون من تراخي الدولة وإذعانها للفوضى وتعطيل قوت التونسيين. وذهب منتقدون إلى اعتبار أن وراء هذه الفوضى أياديَ سياسية تحركها، وتخوّف كثيرون من انتقال عدوى تعطيل الإنتاج إلى أماكن أخرى، غير أنه في المحصلة، نال الشعب في تطاوين ما أراد بعدما استبسل في الدفاع عنه.

لكن هذه المعضلة ليست في تطاوين، شرقي الجنوب وحده، وإنما أيضاً في غربه أيضاً، حيث يتعطل إنتاج الفوسفات منذ سنوات أمام الفشل الحكومي في الإنصات للناس وحل مشاكلهم. هناك توقف قطار الحياة في ستينيات القرن الماضي رغم الثروات المخزّنة. ولكن مستشار المشيشي، سليم التيساوي، أوضح أن فريقاً سيذهب إلى محافظتي قبلي وقفصة، لأنهما تحتاجان إلى مقاربة تنموية مختلفة تماماً عن تطاوين، قائلاً: "أزمة الحوض المنجمي لم تأت من فراغ".

دروس الكامور عديدة، فشلت الأحزاب والحكومات في وعدها بالتنمية، فأمسك المواطنون بمصيرهم وانتفضوا وفرضوا إرادتهم ونالوا حقوقهم. وبعد نحو عشر سنوات على قيام الثورة، بدأ مسؤول سياسي يدرك أن الاستقرار ممكن بفضل الحوار، وأن من حق الناس في الجهات الإبقاء على جزء من الثروة هناك، ودرسها الأهم هو كم كان يمكن أن نجني من الثروات لو أنجزنا هذا الحوار منذ سنوات ولم نوقف الإنتاج؟

المساهمون