يحتفل حزب "الشعب الجمهوري"، أقدم الأحزاب في تاريخ الجمهورية التركية، اليوم السبت، بالذكرى المئوية الأولى لتأسيسه في ظل تحديات كبيرة تواجه طموحه باستعادة أمجاد الحكم في البلاد، مع فشله بالسنوات الأخيرة في اكتساب موقع القيادة في السياسة التركية.
قرن من التأسيس مرّ فيه الحزب بمراحل عديدة، ومن المؤكد أن الأهم هي المرحلة الأخيرة، إذ يسعى الحزب وهو أكبر أحزاب المعارضة، لقيادة بقية الأحزاب في مواجهة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم منذ العام 2002، وكسر احتكار الرئيس رجب طيب أردوغان مقاليد الحكم في البلاد.
تحديات عديدة تواجه الحزب، ففي الوقت الذي يحتفل فيه بمئوية تأسيسه، فإنه يستعدّ لعقد مؤتمره العام في الخريف المقبل، في ظل مطالب من أنصاره بتغييرات كبيرة فيه.
وذلك، نتيجة فشله في استغلال ما يعتقد أنصار المعارضة، فرصة تاريخية تولدت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة في مايو/أيار الماضي للإطاحة بأردوغان وحكمه، بسبب الأوضاع الاقتصادية وكارثة الزلازل التي ضربت جنوب البلاد في 6 فبراير/شباط الماضي.
"الشعب الجمهوري" الذي أنشأه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، يعد الحزب الأبرز المدافع عن قيم العلمانية والجمهورية والمؤسس أتاتورك، وله كتلة ناخبة ثابتة في البلاد تقدر بنحو 25 في المائة متمركزة في غرب البلاد لا سيما ولاية إزمير، وجنوب غربي تركيا، كما يضم غالبية الأقلية العلوية التي تنتسب له، ومنهم رئيس الحزب الحالي، المرشح الرئاسي الخاسر عن المعارضة بالانتخابات الأخيرة كمال كلجدار أوغلو.
تأسيس "الشعب الجمهوري"
بداية تأسيس الحزب تعود إلى عام 1919 ولكن رسمياً تم الاعتراف بتأسيسه في 9 سبتمبر/أيلول 1923، أي قبل تأسيس الجمهورية بنحو شهرين. وأدى تلاقي جمعيات الدفاع عن الحقوق ما بعد الدولة العثمانية في منطقة الأناضول وإسطنبول ضمن مرحلة الدفاع عن استقلال البلاد ضد الاحتلال، إلى القيادة فعلياً لتأسيس "الشعب الجمهوري".
لحزب "الشعب الجمهوري" كتلة ناخبة ثابتة في البلاد تقدر بنحو 25 في المائة
ومع تأسيس الجمهورية التركية، استمر وجود الحكم الواحد حتى العام 1946 حين تم تأسيس "الحزب الديمقراطي" وخوضه الانتخابات التشريعية لتبدأ مرحلة وجود المعارضة بالبلاد، على الرغم من أن "الشعب الجمهوري" حسم نتائج البرلمان بنسبة 85 في المائة في ذلك العام.
لكن "الحزب الديمقراطي" ومع التغييرات التي أجراها تمكن من انتزاع الحكم من "الشعب الجمهوري" في انتخابات العام 1950، منهياً 27 عاماً من حكم الحزب الواحد، واستمر الأمر في انتخابات عامي 1954 و1957. أما في العام 1960 فحصل انقلاب أنهى حكم "الحزب الديمقراطي" وسمح بتأسيس الأحزاب لاحقاً، ثم عاد "الشعب الجمهوري" إلى الحكم بحكومة ائتلافية، إثر انتخابات العام 1961.
بعدها فشل "الشعب الجمهوري" بالفوز بالأغلبية حتى العام 1971 مع وقوع انقلاب جديد، غير أنه مع دعم الجيش تمكن الحزب من قيادة البلاد عبر رئيس الوزراء الراحل بولنت أجاويد، وتصدر لاحقاً مختلف المحطات الانتخابية، لكن من دون الأغلبية المطلقة بل عبر حكومات ائتلافية، وصولاً للعام 1980 حين وقع انقلاب جديد ألغى الأحزاب جميعها.
ومع عودة الانتخابات في العام 1983 بدأت مرحلة رئيس الوزراء الراحل تورغوت أوزال عن حزب "الوطن الأم"، الذي سعى لإزالة المنع السياسي في البلاد. وعاد "الشعب الجمهوري" مجدداً مع رئيسه الراحل دنيز بايكال إلى حين تولي كمال كلجدار أوغلو قيادة الحزب في العام 2010.
لم يستطع "الشعب الجمهوري" إلا أن يبقى في المعارضة في العقود الأخيرة، وحالياً يواجه مشاكل التجديد والتطوير، خصوصاً أن الزعيم الحالي للحزب خسر الانتخابات أمام "العدالة والتنمية" 11 مرة ما بين انتخابات عامة ورئاسية ومحلية واستفتاءات.
ولهذا يواجه الحزب تحديات كبيرة وصراعات داخله، فضلاً عن صراعات خفية بين القيادات المسيطرة ما بين أجنحة علمانية وأخرى من الأقليات، ومن الواضح أن تحدي الانتخابات المحلية المقبلة سيكون مهماً في مسيرة الحزب وقبلها المؤتمر العام.
وأعدّ "الشعب الجمهوري" احتفالات تمتد إلى 3 أيام للاحتفال بمئوية تأسيس الحزب، ما بين تجمعات وزيارات ولقاءات، فضلاً عن إطلاق شعارات جديدة. وسيكون هناك إعلان للمئوية الجديدة يحدد فيها أبرز سياسات الحزب المستقبلية.
وهي خطوة ستكون مهمة لتحديد ملامح المرحلة المقبلة، فضلاً عن توزيع طوابع وعملات تذكارية، وتدشين موقع إلكتروني جديد، على أن تشمل الفعاليات ولايات عديدة.
وعن وضع "الشعب الجمهوري" والتحديات التي تواجهه حالياً ومستقبلاً، قال الصحافي إسماعيل جوكتان، لـ"العربي الجديد"، إن "الشعب الجمهوري يتخذ مكانته من أنه حزب مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، على الرغم من بداية المعارضة لهذا الحزب في وقت مبكر من عمر الجمهورية ثم فقدانه السلطة في انتخابات العام 1950 وعدم تمكنه من العودة إلى السلطة بعدها".
وتابع: "ظل هذا الحزب ممثلاً للأطراف العلمانية والحداثية في البلاد، واليوم لا يزال هذا الحزب يحافظ على قاعدته الشعبية العلمانية التي تمثل تقريبا 22 في المائة من الناخبين".
ولفت إلى أن "الشعب الجمهوري يقوم بدور رائد في المعارضة العلمانية ضد الأحزاب اليمينية المحافظة منذ انقلاب عام 1960 الذي أطاح بحكومة عدنان مندريس، وكان الحزب دائماً يحظى بدعم الجيش التركي حتى تولي العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان الحكم وقلبه الموازين ضد الجنرالات المعولين على القيام بالانقلابات العسكرية".
خيبة أمل أنصار "الشعب الجمهوري"
واعتبر جوكتان أن "كلجدار أوغلو عمل على تحويل الحزب إلى حزب يشكل العلويون أكثر من 80 في المائة من مجلسه القُطري، ومن المؤسسات الأخرى للحزب"، لافتاً إلى أن "الهزيمة التي تلقاها الحزب في الانتخابات الأخيرة جعلت هذا الأمر أكثر وضوحاً، إذ شعر كثير من مؤيدي الحزب بخيبة أمل واتجهوا للوم كلجدار أوغلو بأنه أصر على فرض نفسه كمرشح على الرغم من أنه ينتسب للطائفة العلوية"، في إشارة إلى أن ذلك يدفع كثيرين إلى عدم التصويت له.
يوسف سعيد أوغلو: الحزب يواجه مسألة تغيير قياداته وعقلية مقاربة الحوار مع الناخبين
من جهته، رأى الصحافي يوسف سعيد أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حزب الشعب الجمهوري يواجه مرحلة حرجة مع تراجع معنويات الناخبين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو الماضي، بسبب الآمال التي كانت معقودة على المعارضة، لكن النتائج جعلت المحاسبة كبيرة خصوصاً بما يتعلق بموضوع التحالفات بين الأحزاب التي اجتمعت في الطاولة السداسية".
وأضاف سعيد أوغلو أن "الحزب يواجه كذلك مسألة تغيير قياداته وعقلية مقاربة الحوار مع الناخبين، ولا يعكس حصول كلجدار أوغلو على أكثر من 47 في المائة من الأصوات بالجولة الثانية في الانتخابات أمام الرئيس أردوغان، في 28 مايو الماضي، ارتفاعاً لدى أصوات الشعب الجمهوري، بل هي أصوات كل شرائح المعارضة، ولهذا يواجه الحزب مسألة تحديد مستقبله وخطابه وعقليته بالفترة المقبلة".
وأشار إلى أن "الانتخابات المحلية ستحكم أكثر مصير الحزب، فإن تم تحقيق نجاحات في كبرى المدن سيخف وقع وصدى خسارة الحزب بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، أما الخسارة فمعناها دخول الحزب في دوامة يحتاج فيها تغييرات جذرية استعداداً للانتخابات التي تجري في العام 2028".