يبدو أن ارتدادات مشاهد العنف في الشارع السويدي، احتجاجاً على قيام اليميني المتطرف الدنماركي-السويدي راسموس بالودان بحرق استفزازي لنسخة من القرآن، آخذة طريقها إلى صناديق الانتخابات في سبتمبر/ أيلول المقبل.
استوكهولم تعيش اليوم سجالاً حول أخطاء سياسات الهجرة والدمج، المؤدية إلى نشوء ما يسمى "مجتمعات موازية" في بعض الضواحي، التي يجد البعض نفسه فيها على هامش المجتمع، وفي خضم انتشار يومي لحروب بالرصاص والتفجيرات بين عصابات المخدرات، ما يخلق واقعاً صعباً على الجميع، من دون إغفال مخاطر استغلال اليمين المتطرف تحول البلد إلى المرتبة الأولى أوروبياً من حيث جرائم القتل.
المسلمون والعرب، من المشرق والمغرب، ليسوا حالة طارئة في السويد، فلعقود مارسوا مواطنيتهم من دون تمييز. وتنتشر جمعياتهم ومساجدهم وكنائسهم (كالعراقيين والسوريين)، من الشمال إلى الجنوب، ويشاركون بنشاط في الحياة العامة. فليس غريباً أن يكون منهم برلمانيون وأعضاء مجالس بلدية منتخبون، بل وفي قيادة بعض الأحزاب. ومعظمهم يرفضون التطرف العنصري كرفضهم العنف باسمهم.
عملياً، لا يمنع القانون السويدي الاحتجاج على العنصرية والتطرف، وكذلك لا يمنع رفع دعاوى وممارسة ضغوط سياسية-انتخابية وإعلامية. لكن، تحوّل المشهد إلى ما وصفته الصحف المحلية بـ"ساحات حرب"، وتركيزها كثيراً خلال الحديث عن الاحتجاجات ضد خطوة بالودان، على محاولة قتل الشرطة واستخدام قنابل حارقة طاولت حافلات وسيارات وأملاكاً ومدرسة إلى جانب الشرطة والإطفاء، يعزز الفجوة التي سعى إليها اليمين المتطرف على الدوام.
الديمقراطية والتعددية السويدية قابلة للخوض في نقاشات جادة لتغيير الواقع المأزوم، لكن في المقابل ثمة محاولات لتصوير الواقع على غير ما هو عليه، باعتبار استوكهولم وكأنها تتبنى سياسات "اضطهاد المسلمين"، ما يعني صباً للزيت على نار اليمين المتطرف، بدل الخوض في نقاشات أخرى غير تلك التي حرّضت أصلاً على مسلمي أوروبا خلال السنوات السابقة.
إجمالاً، فإن تعقيد الأمور لا يتوقف على داخل السويد. فمن الملفت دخول الصين على الخط في محاولة إظهار نفسها حريصة على حقوق المسلمين، وهو ما يشتم منه السويديون "رائحة غير جيدة"، بسبب انتقادهم المتكرر لسياسات بكين بحق الإيغور المسلمين.
ويثير موقفا العراق وإيران غرابة، بعد أيام فقط من حرق مساجد طرف شيعي مخالف "للمرجعية الإيرانية" في النجف. ولعل مشهد "ألم نقل لكم؟ بلا ديمقراطية وبلا هم"، ينقصه خروج حاكم دمشق، بشار الأسد، متفجعاً على تعامل "الديكتاتورية" السويدية مع الذين هجرهم إليها بعشرات الآلاف كلاجئين في 2015.