السودان... اللعب بالنار

14 مارس 2023
تتباطأ القوى الأمنية بالتعامل مع الانفلات الأمني (إبراهيم حميد/فرانس برس)
+ الخط -

في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2020، وقعت الحكومة السودانية مع مجموعة من حركات التمرد على اتفاق سلام ينهي الحرب في عدد من مناطق النزاع في البلاد. ونص الاتفاق على ترتيبات سياسية وأمنية واضحة، ليس من بينها نقل قوات تلك الحركات للخرطوم وغيرها من المدن الكبرى، بل إبقاؤها في مناطق انتشارها، وتجميعها بغرض دمجها وتسريحها وفقاً للنظم والمعايير الدولية للدمج والتسريح.

لكن وبقدرة قادر، وبتخطيط مرسوم، جاءت أعداد كبيرة من تلك القوات للخرطوم ومدن أخرى، وانتشرت في مناطق التنقيب عن الذهب. فتورط بعض أفرادها في احتكاكات مع المكونات الاجتماعية، وبعضهم تورط في جرائم مباشرة، بما في ذلك القتل والنهب والسرقة والتهريب.

يحدث كل ذلك وسط تباطؤ الأجهزة المختصة في الدولة في التعامل معهم بقوة. ومن المفارقة أن تلك الأجهزة تظهر كل جديتها وتحشد كل قواتها لتفريق التظاهرات السلمية المناهضة للانقلاب العسكري، ولا تتورع في إطلاق النار، حتى ولو على صبي لم يبلغ الحلم بعد.

آخر تجليات انفلات القوات الموقعة على اتفاق السلام، هو اقتحام قوة تتبع إلى حركة "تماذج"، وهي حركة مصنوعة ولا وجود حقيقيا لها على الأرض، لأحد أقسام الشرطة، أمس الأول، بقلب العاصمة الخرطوم، باستخدام عربة دفع رباعي، وعربات صغيرة أخرى. وكل ذلك بغرض إخراج أحد المتهمين التابعين لها بقوة السلاح، للحيلولة دون مواجهته لإجراءات قانونية في بلاغ دُوّن ضده.

ومثلت الحادثة واحدة من أكبر مظاهر الاستهتار بالأمن وسيادة حكم القانون، وهي حالة متصاعدة بعد انقلاب الجيش والدعم السريع، العام قبل الماضي، وباتت تزعج وتقلق بشدة المواطن السوداني، الذي عانى مع سلطة الانقلاب من تدني وتدهور كل جوانب حياته.

ليس تباطؤ السلطة الانقلابية في ضبط حوادث الانفلات الأمني عجزاً ولا قلة حيلة وإمكانيات، إنما، وكما هو واضح، نهج وسياسة وتخطيط وتكتيك، يعمد لخلق فوضى خلاقة، ومن ثم تُقدم السلطة نفسها على أساس أنها وحدها القادرة على حسم الفوضى وتحقيق الأمن، لا السلطة المدنية، وهو أمر ليس ببعيد عن السلطة التي تلاعبت من قبل بكل "نيران" الأمن القومي، حتى في الموانئ. لكن ومع كل مخطط يؤكد الشعب وعيه ويصر على مدنية الحكم، وإن طال الزمن.

المساهمون