وجهت الحكومة السودانية للمرة الأولى، اتهامات مباشرة لدولة الإمارات بدعم قوات الدعم السريع، في حربها الحالية ضد الجيش السوداني، إذ قال عضو مجلس السيادة، الرجل الثالث في الجيش، الفريق ياسر العطا، إن دولة الامارات التي وصفها بـ"المافيا"، تزود مليشيا الدعم السريع بالأسلحة عبر مطارات في تشاد، وأفريقيا الوسطى، وأوغندا.
وأشار، خلال مخاطبته، أمس الثلاثاء، جمعاً من الضباط والجنود بمنطقة أم درمان، غربي الخرطوم، إلى وجود من وصفهم بالفاسدين في الحكومة التشادية، الذين يساعدون في توصيل الدعم الاماراتي عن طريق مطار أم جرس ومطار أنجمينا في تشاد، محذراً كلّ من يدعم الدعم السريع من اليد الطويلة للمخابرات السودانية، والتي أكد قدرتها على رد الصاع صاعين.
وأثارت هذه التصريحات سجالاً سياسياً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وأحدثت انقسامات ما بين تأييدها باعتبارها الحقيقة الساطعة منذ بدء الحرب، وما بين معارضتها والقول بابتعاد لغتها عن الأعراف الدبلوماسية، بينما عدّها آخرون خطة للتشويش على مفاوضات جدة بين الجيش وقوات الدعم، والتي يقولون إنها شارفت على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق نار شامل في الأيام المقبلة.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ظلت الإمارات موضع اتهام بالتورط في الحرب بدعم قوات الدعم السريع، لكن ظل الاتهام محل ألسن أنصار الجيش، دون أن يخرج بصورة رسمية. وفي مرة من المرات، تحدث بيان للجيش عن تدمير دبابة إماراتية تابعة للدعم أثناء المعارك، ما اعتبر مؤشراً على بدء الإفصاح عن الاتهام علناً، فيما صمتت أبوظبي عن الردّ على تلك الاتهامات غير الرسمية، واكتفت بدعوتها لوقف القتال، والعودة إلى طاولة الحلول السلمية، وترك الأمر للسودانيين.
وتسربت أنباء عن زيارة سرية لأبوظبي، قام بها المساعد الأول لقائد الجيش عضو مجلس السيادة الفريق شمس الدين الكباشي في الأسابيع الماضية، في محاولة منه لتخفيف التوتر الصامت بين البلدين، فيما تحدثت مصادر أخرى عن قرب زيارة لرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان للإمارات، لتقطع تصريحات الفريق ياسر العطا أمس، الطريق أمام أي مساع لترميم العلاقات أو تحييد الإمارات في الحرب الدائرة الآن، وبدء التصعيد بين الخرطوم وأبوظبي.
وفي السياق، يقول العميد المتقاعد بهلول بابكر كودي لـ"العربي الجديد"، إن تلك الاتهامات التي صدرت للمرة الأولى من جانب الحكومة السودانية، تأخرت كثيراً، وكان يمكن أن تصدر وتكشف الحقيقة للشعب السوداني قبل سبعة أشهر، لأن الدعم الإماراتي للدعم السريع واضح وموثق بالأدلة والبراهين منذ اندلاع الحرب، مؤكداً أن اتهامات الفريق العطا لم تكن في لحظة انفعال لحظي، بل مرتب لها، كما هو واضح، ومتفق عليها بين قيادات الدولة، على عكس ما يروج له البعض حول أن الحديث يتنافى مع خطط قيادة الدولة، بالأخص رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، الحريص كما يزعمون على عدم التصعيد مع أبوظبي، على الأقل في الوقت الحالي.
وتوقع كودي أن تمضي الاتهامات السودانية للإمارات بخطوة أوسع، من خلال تقديم شكاوى رسمية للمنظمات الدولية والإقليمية، بما فيها مجلس الأمن الدولي، والقيام بعمل دبلوماسي أكبر لفضح المخططات الإماراتية، وقد يصل الأمر، بحسب تقديره، لسحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مبيناً أن هناك فرصة كبيرة أمام الإمارات لتصحيح مواقفها، وتغيير سلوكها، واتخاذ مواقف إيجابية تجاه السودان ككلّ، وتجاه الحرب بين الجيش السوداني والمليشيا المتمردة، إن كانت فعلاً حريصة على العلاقة مع الخرطوم.
لكن مستشار قوات الدعم السريع اللواء المتقاعد صلاح الدين عيساوي، يقول لـ"العربي الجديد"، إن تصريحات الفريق ياسر العطا، واتهامه لدولة الإمارات العربية بدعم قوات الدعم السريع غير موفقة، وسوف تخلق هوة بين دولة الامارات العربية والحركة الإسلامية السودانية التي حكمت البلاد في العقود الماضية، معتبراً أن هذه التصريحات ربما تجعل الإمارات تفكر بجدية لتقديم العون لقوات الدعم السريع، وترفده بعتاد عسكري كردّ فعل على تلك الاتهامات.
وأوضح عيساوي، أن مثل هذه التصريحات لا تصبّ حتى في مصلحة الإسلاميين، وسوف تكلف الجنرال البرهان رحلة بين طيات السحاب خصماً من أموال الدولة للذهاب إلى الإمارات، والاعتذار لحكومة وشعب الإمارات عمّا بدر من سلوك هذا الرجل، بمثل الرحلة التي ذهب فيها البرهان إلى كينيا، عقب تصريحات مماثلة للعطا ضدها وضد رئيسها وليام روتو، وهو ما قد يتكرر مرة أخرى.
من جهته، رأى الصحافي أسامة عبد الماجد، أن قيادة الجيش قررت على ما يبدو خوض معركة طعن الفيل بدلاً عن الظل، وأسندت المهمة للعطا، والذي لم يطلق اتهامات فقط، بل قدّم براهين ومعلومات قدمتها 3 جهات، هي جهاز المخابرات، والاستخبارات العسكرية، ووزارة الخارجية، تقول إن دولة الإمارات نقلت عبر الطائرات دعماً عسكرياً للدعم السريع عبر مطار عنتيبي في أوغندا وأفريقيا الوسطى.
وأوضح عبد الماجد لـ"العربي الجديد" أن اتهام العطا للإمارات كان عنيفاً ولم يكن عابراً أو زلة لسان، بل طاول رئيسها محمد بن زايد، مشيراً إلى أنه ولوقت قريب، كانت القيادة السودانية توجه الاتهامات لداعمي المليشيا دون ذكرهم، لكن القيادة أزاحت الغطاء عن الداعمين، مما يعني أنها ضاقت ذرعاً باستمرار الدعم، وتحصلت على معلومات موثقة، مبيناً أن التحذير برد الصاع صاعين بمثابة تطور خطير، ولا يمكن أن يكون صدر من العطا دون إجماع من البرهان وأركان حربه، وربما تمت الخطوة بتنسيق مع دول حليفة بالمنطقة، وفق قوله.
وأكد أن تصريحات العطا ستجلب المزيد من الدعم الشعبي للجيش، وذلك أن جماعات سياسية وقوى شعبية ومدنية طالبت بطرد السفير الإماراتي من البلاد، وظلت توجه انتقادات حادة للإمارات، وتتهمها بالتآمر على السودان وتوفير الدعم العسكري للمليشيا.
ولا يتوقع عبد الماجد ردة فعل مباشرة من الإمارات، التي لم تعتد على ذلك، رغم أن الاتهام كان عنيفاً، وهول المفاجأة لن يجعل ردها عنيفاً، وقد تكتفي بنفي الاتهامات.
أما أستاذ العلوم في عدد من الجامعات السودانية البروفسور صلاح الدومة، فيرى أن اتهام الإمارات بواسطة الفريق ياسر العطا، يعكس أولاً الخلافات العميقة داخل معسكر الجيش، تحديداً بين البرهان والكباشي من جهة، والفريق ياسر عطا من جهة أخرى، حيث يسعى البرهان والكباشي إلى الوصول لاتفاق سلام ينهي الحرب، ويجتهد العطا، ومن خلفه رموز النظام البائد، لزيادة التصعيد واستمرار الحرب.
وأضاف الدومة لـ"العربي الجديد"، أن العطا أراد بتصريحاته تلك، تقديم نفسه للإسلاميين الممسكين بالقرار في الدولة منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ليكون بديلاً للبرهان والكباشي، خاصة وأنه رجل لا تحكمه المبادئ، متوقعاً صدور توضيحات من الجيش أو من مجلس السيادة تحمل اعتذاراً للإمارات عما بدر من العطا، أو حتى توضيح من العطا يقدم فيه تفسيرات أخرى لتصريحاته.