السودان: أبرز العقبات التي تعترض إعلان التسوية بين العسكر والمدنيين

15 أكتوبر 2022
مبدأ التسوية بين العسكر والمدنيين يجد معارضة من جهات عدة (Getty)
+ الخط -

ساد التفاؤل في اليومين الماضيين الساحة السياسية السودانية، بعد التصريحات والتسريبات المؤكدة عن قرب التوصل إلى تسوية سياسية بين العسكر وقوى إعلان الحرية والتغيير، والتي ربما تنتهي بالتوقيع على إعلان سياسي، يعقبه تشكيل حكومة مدنية خالصة على مستوى مجلسي السيادة والوزراء.

ويعقد المجلس المركزي لـ"الحرية والتغيير"، في الأثناء اليوم السبت، اجتماعاً يناقش فيه آخر تطورات العملية السياسية، ومقترحات التسوية بينه وبين المكوّن العسكري، والنقاط الخلافية حتى الآن.

وأكد مصدر داخل الاجتماع، لـ"العربي الجديد"، أنه، وحتى اللحظة، لم يجر التوصّل إلى اتفاق نهائي، و"كل شيء تمّ، في اليومين الماضيين، عبارة عن توافق غير مكتوب حول أهم الملفات، ومنها خروج المؤسسة العسكرية نهائياً عن السياسة استناداً إلى مشروع الدستور الانتقالي المقترح من قبل نقابة المحامين السودانيين"، موضحاً أنّ "التواصل بين الطرفين يجري تحت إشراف اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات".

وأشار المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أنّ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان "ما زال متحفظاً على بعض النقاط الواردة في مشروع الدستور، وأولها اعتراضه على تسمية ما حدث في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بأنه انقلاب عسكري، وطالب بالاكتفاء بتوصيفه كقرارات أو إجراءات، كما أنه تمسك في مرحلة من مراحل الحوار بأن يكون المجلس الأعلى للقوات المسلحة جزءاً من هياكل السلطة الانتقالية ومضمناً في الدستور".

وأوضح "يتمسك قائد الجيش كذلك بأن يظل قائداً عاماً للجيش السوداني إلى نهاية الفترة الانتقالية المقررة لمدة عامين بعد التوقيع على مشروع الدستور، وهذا ما يُقابل بالرفض من مكونات سياسية داخل قوى إعلان الحرية والتغيير في مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي لا يرغب في استمرار البرهان في المشهد السياسي"، كاشفاً كذلك عن أنّ "هناك نقاطاً خلافية حول استمرار لجنة التحقيق الوطنية في فض اعتصام القيادة العامة، وفي استمرار لجنة إزالة تمكين نظام (عمر) البشير".  

وتؤكد معلومات من مصادر أخرى، لـ"العربي الجديد"، أنّ واحدة من أبرز العقبات التي قد تحول دون إكمال التسوية بين العسكر والمدنيين في السودان، هي قضية العدالة الانتقالية، ومطالبة المكون العسكري بحصانات تضمن عدم محاكمته حتى نهاية عمر الفترة الانتقالية، كما يدور خلاف حول عدد أعضاء مجلس السيادة، مشيرة إلى أنّه إذا جرى تجاوز كل تلك العقبات سيكون الاتفاق جاهزاً للتوقيع قبل 25 أكتوبر الجاري، موعد الذكرى الأولى لانقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.   

جهات تعارض التسوية مع العسكر في السودان

وعلى الرغم من حالة التفاؤل الراهنة، فإنّ مبدأ التسوية بين العسكر والمدنيين بصورته الحالية، يجد معارضة من جهات عدة، أولها "الحرية والتغيير التوافق الوطني"، وهو تحالف منشق عن قوى إعلان الحرية والتغيير، وعماده حركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام 2020.

وساند التحالف بقوة انقلاب 25 أكتوبر، ولم يُشارك حتى الآن بصورة مباشرة في المفاوضات ما أشعره بالتهميش، كما أنّه يخشى عودة الشراكة الثنائية بين العسكر و"الحرية والتغيير"، وكذلك يخشى فقدان مكتسباته في اتفاق السلام.

على الرغم من حالة التفاؤل الراهنة، فإن مبدأ التسوية بين العسكر والمدنيين بصورته الحالية، يجد معارضة من جهات عدة

لكن القيادي في "الحرية والتغيير التوافق الوطني" الهادي عجب دور، يؤكد أنّ التحالف لم يتخذ قراراً بعد بشأن ما يجري من تحركات، وسيجتمع، اليوم السبت، في هذا الخصوص، مشيراً في الوقت عينه إلى أنه "مهما كانت التحفظات إلا أنّ السودانيين بحاجة فعلية للحوار للخروج من المأزق الحالي".

وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "إذا اكتنف العملية الحالية أي قصور فيمكن معالجته بحكمة ودون انفعالات؛ لأنّ البلاد في أشد ما تكون لانتقال سلس ينتهي بصناديق الاقتراع"، مقرّاً بوجود تباينات داخل "تحالف الحرية والتغيير التوافق الوطني" مثل ما هناك تباينات داخل قوى إعلان الحرية والتغيير، مؤكداً في الوقت نفسه، قدرة تحالفه على تجاوز ذلك لصالح المصلحة الوطنية. 

ويعارض مبدأ التسوية أيضاً الحزب الشيوعي السوداني، وتجمع المهنيين السودانيين، وجزء كبير من لجان المقاومة السودانية، وكلها أجسام تتمسك بشعار" لا تفاوض، لا شرعية، لا مشاركة"، وأكدت في أكثر من مناسبة استعدادها لإسقاط أي تسوية سياسية لا تؤدي إلى تغيير جذري في البلاد، ومحاكمة الانقلابيين، والقصاص لقتلى الثورة، بمن فيهم قتلى ما بعد الانقلاب، وعددهم 118 شخصاً.

أما الطرف الثالث الذي يرفض التسوية السياسية، لكن من منظور مختلف، فهو النظام القديم وحلفاؤه السياسيون، فالنظام تنفّس الصعداء بعد انقلاب 25 أكتوبر، وجرى إطلاق سراح العديد من قادته، وأعيدت الممتلكات المصادرة لبعضهم، ووضع الانقلاب كوادر النظام في مفاصل الخدمة المدنية، وفي مناصب قيادية كوكلاء الوزارات وسفراء وغيرها.

وداخل قوى إعلان الحرية والتغيير نفسها، هناك أصوات رافضة للتسوية مع العسكر، يتقدمها حزب البعث العربي الاشتراكي، بقيادة الزعيم التاريخي علي الريح السنهوري، وتجتهد بقية الأجسام المؤمنة بالتسوية في إقناعه وطمأنته.

ويرى الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر، أنّ "إطلاق مصطلح تسوية على ما يجري، توصيف غير دقيق، لأنها أقرب لعملية سياسية، ومحاولة إيجاد اتفاق على قضايا الانتقال على هدى دستورية، أكثر من كونها تسوية مع العسكر"، مشيراً إلى أنّ "أغلب الفاعلين في الساحة السياسية جزء من ذلك، وليس هناك أي عزل إلا لمن أبى".

وأضاف عمر، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الرعاية الدولية للمشاورات السياسية الحالية، تعد واحدة من ضمانات نجاح أي اتفاق يمكن التوصل إليه"، لافتاً إلى أنّ "اجتماعاً واسعاً سيعقد قريباً للنقاش حول كل القضايا"، متوقعاً نجاحاً كبيراً لأي اتفاق يستند إلى مشروع الدستور الانتقالي لنقابة المحامين "لأنه ينهي الانقلاب العسكري، ويكوّن سلطة مدنية كاملة، بما في ذلك مجلس وزراء من المدنيين".

البرهان يبشّر بقرب نجاح التسوية

من جانبه، قال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إنّ المؤشرات الراهنة في بلاده "تُبشّر بقرب النجاح في الوصول إلى وفاق"، بمشاركة القوى السياسية والمجتمعية وأطراف السلام.

جاء ذلك في خطاب ألقاه، اليوم السبت، في الجلسة الافتتاحية لمنتدى تانا حول السلم والأمن في أفريقيا، بمدينة بحردار الإثيوبية.

وأوضح البرهان أنّ "الوفاق المرتجى يقوي من الضمانات التي تكفل استقرار الفترة الانتقالية، وتشكيل حكومة مدنية تدير البلاد وتهيئ المناخ وتتخذ التدابير اللازمة لإقامة انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية".

وجدد التأكيد على مواقف المؤسسة العسكرية الثابتة المعلنة، في 4 يوليو/ تموز الماضي، بالانسحاب من السجال السياسي، لتتفرغ لأداء مهامها الأساسية المتمثلة في حماية وصيانة أمن وسيادة البلاد.

المساهمون