الرد الأميركي والوجود الإيراني في سورية

04 فبراير 2024
عناصر موالون للنظام السوري في دمشق، 2017 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

بدأت الولايات المتحدة، ليل الجمعة - السبت، بتنفيذ تهديداتها التي أطلقتها رداً على استهداف قاعدة لها على الحدود الأردنية - السورية من قبل مليشيا "حزب الله" العراقي التابع لإيران، والذي أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وجرح أربعين آخرين.

هذا الاستهداف أجبر الولايات المتحدة على الرد بطريقة تختلف عن ردودها السابقة على استهدافات المليشيات التابعة لإيران لمواقعها في سورية، والتي كانت أقرب للاستعراض الإعلامي، الذي لا تنتج عنه أضرار بشرية أو مادية مهمة، تزامناً مع حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة بدعم غير محدود من واشنطن.

لكن رغم الضربة القوية التي تلقتها الولايات المتحدة من إحدى أذرع إيران في المنطقة، ورغم تهديدات مسؤوليها ووعيدهم بداية برد قاسٍ يتضمن كل الاحتمالات، إلا أن الإدارة الأميركية اختارت أن يكون ردها بطريقة لا توسع نطاق الحرب إلى مواجهة عسكرية مع إيران، إذ حددت عمليتها خارج حدود الأخيرة وضمن مناطق وجود المليشيات التابعة لطهران، خصوصاً في سورية والعراق.

وسبق هذا الخيار إعطاء فرصة لإيران لسحب عناصرها ومستشاريها من هذين البلدين، بالإضافة إلى إعطاء الفرصة لإعادة تموضع تلك المليشيات، بحيث تظهر الضربات بأكبر قدر ممكن من العنف مع أقل قدر ممكن من الخسائر، التي تسعى الولايات المتحدة إلى ألّا تذهب باتجاه ردود فعل أخرى من شأنها توسيع دائرة الصراع في المنطقة.

وفي المقابل، يبدو أن سياسة إيران الحالية ترى في هذا التوجه الأميركي مصلحة لها. وقد ظهر ذلك من خلال تصريحات المسؤولين الإيرانيين، ومن خلال بيانات المليشيات التابعة لإيران، التي أعلن بعضها إيقاف عملياته ضد المواقع الأميركية في المنطقة.

لكن رغم التوجه الأميركي الإيراني إلى عدم التصعيد، فإنّ المليشيات التابعة لإيران، في سورية خصوصاً، من المرجح أن تصبح أهدافاً للقوات الأميركية خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يحتم على إيران إعادة النظر بطريقة وجودها في سورية، سواء لناحية حماية المليشيات التي تتبع لها أو لناحية حماية الشخصيات الإيرانية التي تعمل في هناك مستشارين أو قادةً عسكريين.

ومن المحتمل أن تعتمد إيران على وكلاء سوريين بدل الإيرانيين، يجرى توجيههم عن بعد كبدلاء عن الشخصيات الإيرانية التي ستكون خلال الفترة المقبلة عرضة للاستهداف بشكل أكبر، سواء من قبل الولايات المتحدة أو من قبل إسرائيل.

كما أن من المرجح اعتماد إيران إما على حفر الأنفاق من أجل حماية عناصر المليشيا التابعة لها، أو الاعتماد على عمليات دمج لبعض تلك المليشيات ببعض وحدات جيش النظام الموالية لإيران. إذ يحد ذلك من استهدافها، وفي الوقت نفسه، تضعها ضمن وحدات عسكرية أكثر أمناً، محمية نسبياً بأسلحة ثقيلة وبوسائط دفاع جوي.

إلا أنه بكل الأحوال، لن يغير الرد الأميركي، بالطريقة التي يحصل بها، من حجم الوجود الإيراني في سورية ولا من تحكمه بالقرار فيها إلا بحدود أقرب إلى الصفرية.