بالتزامن مع حلول الذكرى الثالثة لتحرير المحافظات العراقية من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، التي كانت آخرها عمليات تحرير الموصل، تواصل القوات العراقية عمليات تعقب بقايا التنظيم، التي صعّدت من نشاطها أخيراً في تلك المحافظات، في وقت أكد فيه مراقبون أنّ القضاء على بقايا التنظيم سيحتاج وقتاً أطول.
وفي العاشر من ديسمبر/ كانون الأول 2017، أعلن رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، انتهاء الحرب ضد "داعش"، وسيطرة القوات العراقية بشكل كامل على الحدود مع سورية، بعد معركة أخيرة تمّ خلالها تحرير مدينة القائم أقصى غرب العراق، وآخر المناطق التي طُرد تنظيم "داعش" منها، بعد نحو 3 سنوات من المعارك، دفع المدنيون من سكان تلك المناطق فاتورتها الأكبر بأكثر من ربع مليون قتيل وجريح، وآلاف المختطفين والمغيبين، فضلاً عن دمار هائل وخسائر كبيرة تصل إلى قرابة 88 مليار دولار، وفقاً لتقديرات السلطات العراقية.
غير أن القوات العراقية منذ ذلك الحين، تواجه هجمات تنفذها بقايا التنظيم، الذي تقدَّر أعداده ببضع مئات متناثرين على شكل جيوب صغيرة في غرب البلاد وشمالها ووسطها، وينفذون اعتداءات سريعة ليلية بالعادة، تكتسب طابعاً انتقامياً من السكان المحليين الذين ساعدوا القوات العراقية على تحرير المدن.
واليوم الخميس، وبمناسبة الذكرى الثالثة لإعلان هزيمة التنظيم، استذكرت قيادة العمليات العراقية المشتركة المناسبة من خلال بيان لها، قالت فيه إن "العراقيين جسدوا أبرز وأنبل معاني الوحدة ورص الصفوف لمواجهة الإرهاب"، موجهة تحية إلى القوات العراقية التي شاركت في العمليات العسكرية.
بعد نحو 3 سنوات من المعارك، دفع المدنيون من سكان تلك المناطق فاتورتها الأكبر بأكثر من ربع مليون قتيل وجريح، وآلاف المختطفين والمغيبين، فضلا عن دمار وخسائر كبيرة تصل لقرابة 88 مليار دولار
كذلك أصدر عدد من الساسة العراقيين بيانات بالمناسبة، استغلها بعضهم للتذكير بالالتفات إلى المواطنين من سكان تلك المناطق، إذ ما زالت منازلهم مدمرة مع تنصل الحكومات المتعاقبة من وعود التعويض والإعمار.
ورغم إعلان طيّ صفحة السيطرة المباشرة لعناصر "داعش" على المدن العراقية الغربية والشمالية، إلا أنّ عملياته ما زالت تدمي بلدات عدة في تلك المناطق.
وشهد عدد من مناطق تلك المحافظات هجمات متتالية في الأيام الماضية، كان آخرها، يوم أمس الأربعاء، إذ نفذ عناصر التنظيم عدّة هجمات، حيث قتل في هجوم على حاجز أمني للجيش العراقي، في بلدة هيت غربي الأنبار، 3 جنود وأصيب 4 آخرون، كذلك نفذ العناصر هجومين بعبوتين ناسفتين أحرقت بئرين نفطيتين في حقول خبّاز بمحافظة كركوك، وأيضاً قُتل جندي عراقي على يد قناص في قرية طوبزاوة جنوبي كركوك.
في غضون ذلك، بدأ الجيش العراقي، اليوم الخميس، عملية أمنية لملاحقة بقايا "داعش" جنوب بلدة بلد في محافظة صلاح الدين. ووفقاً لضابط في قيادة العمليات المشتركة تحدث، لـ"العربي الجديد"، فإنّ "العملية تهدف إلى تطهير المنطقة من بقايا التنظيم، التي نفذت أخيراً أعمال عنف فيها".
وأضاف الضابط الذي فضّل عدم الكشف عن هويته: "كما تقوم القوات بعملية تمشيط مستمرة في سلسلة جبال مكحول، التي تعد من أخطر معاقل بقايا التنظيم"، مبيناً أنه "تجري الاستعانة بطيران التحالف الدولي كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وقد نفذ الطيران أخيراً سلسلة ضربات دقيقة، استهدفت تحركات ومضافات تابعة للتنظيم".
وأشار إلى أن "قيادة عمليات الأنبار تنفذ، منذ فجر اليوم، عمليات تمشيط في بلدة هيت، وعدد من المناطق الصحراوية، لأجل تحركات التنظيم".
من جهته، رأى الخبير بالشأن الأمني، العقيد في الجيش العراقي السابق علي البدري، أنّ القضاء على بقايا التنظيم "يحتاج فترة أطول"، كذلك يرتبط ذلك بـ"تحقيق الحكومة مصالحة حقيقية مجتمعية وترفع كل حجج التنظيم وذرائعه، ومنها انتهاكات المليشيات ووقف التمييز بين المواطنين"، مضيفاً أنّ "تحقيق النصر يتطلب أيضاً تخليص المؤسسة العسكرية العراقية من الأجندات الحزبية والمليشياوية والتدخلات الخارجية".
وأكد البدري، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الواقع الميداني ونشاط بقايا التنظيم يؤشران على أن التنظيم استطاع معاودة ترتيب شيء من صفوفه، وتنسيق تلك الهجمات بشكل متزايد أخيراً، ما يعني الحاجة إلى تغيير الخط والاهتمام بالمواطنين، لكونهم العين الأمنية الأولى في الإبلاغ عن أي أنشطة إرهابية".
وشدد على أنه "لا يمكن القضاء على بقايا التنظيم من دون أن تكون هناك مؤسسة عسكرية مهنية، لا تدين بالولاء إلا للوطن"، محمّلاً الحكومة مسؤولية "العمل على إعادة بناء المؤسسة، وتطهيرها من الضباط والقادة المرتبطين بجهات حزبية وخارجية".