يترقب التونسيون، اليوم الأحد، الدور الثاني من الانتخابات التشريعية، استكمالاً للدور الأول الذي أُجري في 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، من دون حدوث أي تبدل في مواقف الأطراف.
وفي حين يراهن الرئيس قيس سعيّد على ارتفاع نسبة المشاركة على عكس ما حدث في الدور الأول (بلغت نسبتها رسمياً 11.22 في المائة)، تعول المعارضة على استمرار المقاطعة لإثبات حجم التراجع الذي وصلت إليه شعبية الرئيس التونسي منذ إجراءاته الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، والتي تصاعدت تباعاً لتنتقل من استهداف المؤسسات إلى استهداف المعارضين عبر القضاء العسكري والمدني.
مرشحون ومقاعد في الدور الثاني
ويتنافس 262 مرشحاً على 131 مقعداً من أصل 161 مقعداً في البرلمان الجديد، وفقاً لخريطة الطريق التي أطلقها سعيّد في عام 2021، قبل حلّه البرلمان العام الماضي، وإلغائه دستور 2014، وتمريره دستوراً جديداً في استفتاء 25 يوليو الماضي.
وذكرت هيئة الانتخابات أن صناديق الاقتراع ستُفتح بين الساعة الثامنة صباحاً والسادسة مساء، من دون أن يكون هناك توقيت استثنائي لبعض المراكز كما حصل في الدور الأول. وخلال الدور الأول، حُسمت الانتخابات في 23 دائرة فقط، وبقيت 7 دوائر في الخارج بلا انتخابات بسبب عدم ترشح أي شخص فيها، وهو ما سيفرض إجراء انتخابات جزئية فيها بعد تنصيب البرلمان الجديد الذي سيبدأ أعماله منقوصاً في كل الحالات.
قاسم الغربي: النسبة مهمة للمعارضة لإقامة الدليل مرة أخرى على ضعف شعبية سعيّد
وتقام الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية في 4222 مركز اقتراع يضم 10012 مكتباً، فيما أعلنت هيئة الانتخابات أن عدد المسجلين المعنيين في جولة الإعادة في الدوائر الـ131، يبلغ 7853447 ناخباً، من بينهم 5827949 مسجلاً إرادياً، و2025498 اختيارياً، بفعل عدم احتساب الدوائر التي لن تجري فيها انتخابات (فيما يبلغ العدد الإجمالي للناخبين أكثر من 9.2 ملايين ناخب).
ويبدو الرهان الحقيقي في هذه الدورة على نسبة المشاركة، وهي الفرصة الأخيرة لسعيّد، الذي فشل في إثبات شعبيته ومشروعيته التي نظّر لها منذ استحواذه على السلطة في 25 يوليو 2021، وقد فشل في الاستشارة الإلكترونية ثم في الاستفتاء على دستوره الجديد وأخيراً في انتخابات 17 ديسمبر، بينما تراهن المعارضة بدورها على فشل جديد لسعيّد في إقناع التونسيين بمشروعه.
وشهد الدور الأول من الانتخابات انتقادات واسعة من المعارضين والمجتمع المدني بسبب تدني نسب المشاركة وضعف الإقبال، ولكن سعّيد كعادته، لم يكترث لذلك، واعتبر في اجتماع له بعد الدور الأول أن نسبة 9 أو 10 في المائة أفضل من 99 في المائة من انتخابات أخرى.
ووجّه سعيّد يومها رسالة غير مباشرة إلى معارضيه مفادها بأنّ "التركيز على نسبة المشاركة في الدور الأول فقط شبيه بالإعلان عن نتيجة مقابلة رياضية في شوطها الأول"، داعياً إلى انتظار الدور الثاني لتبيّن حقيقة نسبة المشاركة. ورسمياً، بلغت نسبة المشاركة في الدور الأول 11.22 في المائة، وهي النسبة الأدنى منذ ثورة 2011، واعتبرت أحزاب تونسية أنها تعكس رفضاً واضحاً لمشروع سعيّد، وشككت حتى في تلك النتائج معتبرة أنها أقل بكثير.
ويعتبر المحلل السياسي، قاسم الغربي في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك تناقض بين رهانات سعيّد ومعارضيه، فالمعارضة تعتبر تقلص نسبة المشاركة انتصاراً لها، وبالنسبة لسعيّد فإن ارتفاع نسبة المشاركة يعد انتصاراً له، ولكن برأيي حتى إن لم ترتفع النسب فهو ماضٍ في مشروعه بقطع النظر عن النتائج".
ويضيف أن "النسبة مهمة للمعارضة لإقامة الدليل مرة أخرى على ضعف شعبية سعيّد، ولكنها أقل أهمية للأخير في إطار مضيه في مشروعه". ويشدّد على أن "اليوم هي الفرصة الأخيرة أمام سعيّد لاستعادة مشروعية مشروعه، ولكنه قد يمضي في نفس التبريرات في حال كانت النسب ضعيفة، مثل الحديث عن استخدام المال السياسي وتدخل أطراف خارجية ثم يتحدث عن محطة ما مستقبلية للتبرير".
ويبيّن الغربي أن "النسبة، حتى وإن ارتفعت عن الدور الأول فلن ترتفع كثيراً وقد تصل إلى 13 أو 14 في المائة، وستبقى ضعيفة في كل الحالات. أما الجمع بين النسبتين (الدور الأول والثاني كما حاول سعيّد الترويج له) فلن يقبله أحد".
ويرى أن "رسالة هذه النسبة هي بالخصوص دولية، لكن حتى لو ارتفعت النسبة قليلاً فستزيد من عزلته الدولية". وبرأي الغربي فإن "السؤال الحقيقي اليوم هو، إلى متى ستصبر الدول الإقليمية والدول الكبرى على هذا الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد؟ وإلى متى سيصبر الشعب التونسي بدوره على هذه الأوضاع الصعبة؟ وهل ستستمر هذه الوضعية في ظلّ الأزمات الاجتماعية والاقتصادية مع اشتعال كل المؤشرات الحمراء، خصوصاً بعد مراجعة تصنيف تونس، أول من أمس الجمعة، من طرف وكالة موديز، ومنحها آفاق سلبية؟".
وفي السياق، تراهن هيئة الانتخابات بدورها على رفع نسبة المشاركة، وأعدت لذلك برنامجاً كاملاً لتلافي سلبيات الدور الأول في التعريف بالمرشحين. وتوقع نائب رئيس هيئة الانتخابات ماهر الجديدي في حديثٍ سابق لـ"العربي الجديد" أن تكون "نسب الإقبال بحدود 20 إلى 30 في المائة، وهي توقعات تطمح الهيئة لبلوغها وترجو أن تحقق أكثر منها"، مشدّداً على أن "هذه التوقعات جاءت بحسب جهود الهيئة".
وفسر الجديدي العوامل التي أدت إلى ضعف نسب الإقبال في الدور الأول، ومنها النظام الانتخابي، معتبراً أن "تجربة الاقتراع وفق نظام الأفراد كانت الأولى بعد تغيير نظام الاقتراع، وقد تكون أثّرت على نسب المشاركة، باعتبار اختلاف نظام الاقتراع على نظام القوائم بمشاركة الأحزاب عن نظام الاقتراع على الأفراد، إذ يعد دور الأحزاب مهماً جداً في إضفاء الحركية الانتخابية".
ولكن المنظمات المتخصصة في الانتخابات، اعتبرت على الرغم من ذلك أن الحملة الانتخابية كانت باهتة وضعيفة، وأصدرت بيانات في الأيام الماضية تضمنت ملاحظاتها حول هذا المسار.
وأكد "ائتلاف أوفياء للديمقراطية ونزاهة الانتخابات" في بيان أصدره الخميس الماضي تواصل "تراجع مستوى التغطية الإعلامية مقارنة بكل الحملات الانتخابية السابقة"، متطرقاً إلى "التغطية الإعلامية لمختلف القضايا المتعلقة بالانتخابات، وهي كانت أقل من النسب الضعيفة التي سجلناها في الدور الأول".
وأوضح أن "تغطية نشاط المرشحين للدور الثاني وحملاتهم وبرامجهم لم تتجاوز 10 في المائة من التغطية الإعلامية لمختلف القضايا المتعلقة بالانتخابات، كما أن الحملة الانتخابية كانت باهتة، في ظل مناخ عام يسوده اللامبالاة وعدم الاهتمام للعملية الانتخابية ونتائجها".
واعتبر الائتلاف أن "القيود التي فرضتها هيئة الانتخابات على وسائل الإعلام لتنظيم المناظرات بين المرشحين ساهمت في مزيد إضعاف مستوى التغطية الإعلامية للحملة".
لا أهمية للبرلمان في نظام رئاسي
ويرى الباحث محمد ضيف الله في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الدور الثاني لن يغيّر كثيراً في المشهد السياسي التونسي، فالبرلمان في نظام رئاسي لا أهمية له وهو صوري وشكلي".
ويضيف أنه "طُلب من نظام 25 يوليو 2021 استكمال المؤسسات، ومنها مؤسسة البرلمان، التي يعتبرها الخارج ضرورية لاستكمال المشهد التونسي. أما داخلياً، فأنصار 25 يوليو مشتتون، شخصيات وأحزاب، وليس هناك هيكل يجمعهم، وقد يكون هذا البرلمان مؤسسة تنطق باسمهم".
ويشير ضيف الله إلى أن "هذه الانتخابات تمثل أيضاً مجازفة للنظام، لأن الدور الأول في 17 ديسمبر الماضي، أظهر عزوفاً انتخابياً واسعاً، سواء كان إرادياً أو لا إرادياً، وسواء كان عزوفاً تلقائياً أو مقاطعة استجابة لمكونات سياسية، أو كان مقاطعة ناتجة عن كره للحياة السياسية".
ويعتبر ضيف الله أن "ما حصل من استخفاف للبرلمان السابق، لم يكن للأشخاص الذين كانوا فيه فقط، بل للمؤسسة في المطلق، وقد يظل هذا الواقع قائماً لأجيال، حتى تتغير الصورة".
محمد ضيف الله: هذه الانتخابات تمثل مجازفة للنظام
ويؤكد أنه "لو تواصلت المقاطعة اليوم بنسبة قريبة من نسبة الدور الأول فهذا سيضر بنظام 25 يوليو وسيمثل هزيمة كبيرة له، ولذلك أعتقد أن تلميحات هيئة الانتخابات بشأن الفرق بين المسجلين إرادياً أو لا إرادياً أو غيرها، قد تشكل مقدمة حول توقعات المشاركة المحدودة".
ويشدّد ضيف الله على أن "هذا البرلمان في نهاية الأمر مؤسسة شكلية في نظام رئاسي، ولن تكون له تلك السلطة الرقابية التي كان يملكها في السابق على الحكومة وعلى بقية المؤسسات، واليوم، في هذا النظام الجديد الذي اعتبره نظاما رئاسوياً (نظام رئاسي مطلق) الرئيس هو الذي يعيّن الحكومة وهو الذي يقيلها، وهي مسؤولة أمامه فقط، وهو الذي يقيل أي فرد منها أو رئيسها. وحتى في مشاريع القوانين، فالأولوية في الاقتراح تكون للرئيس، ولا أعتقد أن هذا البرلمان ستكون به كتل، بالنظر إلى طريقة الاقتراع، وحتى إن كانت به كتلة أو اثنتان، فسيكون مشتتاً وضعيفاً في تركيبته وفي مهامه لأنه فاقد للمبادرة أصلاً".
وذكر تقرير لشبكة "مراقبون" حول الحملة الانتخابية للدور الثاني للانتخابات التشريعية، خلال الفترة الممتدة من 16 إلى 23 يناير/ كانون الثاني الحالي، أن نسق الحملة الانتخابية "ضعيف على مستوى الأنشطة الميدانية للحملة".
وذكرت الشبكة أنّ "أكثر من 70 في المائة من الحملات تتمثّل في توزيع المطويات (أوراق إعلانات مطوية يتم توزيعها على المواطنين وتتضمن برامج المرشحين وصورهم)، والتواصل المباشر مع الناخبين في الأسواق والأماكن العامة".