تواصل حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إجراء لقاءات شبه يومية مع ذوي ضحايا التظاهرات الشعبية في البلاد، عبر اجتماعات تجرى في مقرات الحكومة ببغداد، أو بمدن جنوب ووسط البلاد، وذلك لتوثيق إفاداتهم وتسلم شكاواهم بغية تقديمها للقضاء، في إجراء وصفه مراقبون بأنه "محاولة جديدة من الحكومة لتحقيق تقدم في ملف قمع التظاهرات" التي وقع أغلبها خلال حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي.
وأمس الخميس، أعلنت اللجنة العليا لتقصي الحقائق، التي شكّلها الكاظمي أخيرا، استضافة مجموعة من ذوي ضحايا الاحتجاجات من محافظة البصرة، والاستماع إلى شهاداتهم.
وذكر المتحدث باسم اللجنة محمد الجنابي، في بيان، أن "قضاة عراقيين ضمن اللجنة استضافوا ذوي الضحايا، بعد أن تم جلب دعاويهم القضائية من المحاكم المختصة والاطلاع على الأوراق التحقيقية، وأوراق الأدلة الجنائية، وكشف الدلالة وتقارير الطب العدلي، وغيرها من الوثائق".
وأضاف البيان أنه "تم تدوين أقوال الشهود في محل الحادث، والاطلاع على إفادات عدد من المتهمين"، مؤكداً أن "الإجراء يأتي لغرض الخروج بتوصيات تضمن إنصاف ذوي الضحايا وتعويضهم من جهة، والوقوف على إيقاع العقاب العادل لمرتكبي تلك الجرائم من جهة أخرى، بما يضمن تطبيق العدالة ومعاير حقوق الإنسان والأعراف والمواثيق الدولية، وعدم تكرار هكذا خروقات في المستقبل".
وبحسب مصادر سياسية قريبة من الكاظمي، فإن "رئيس الحكومة والفرق الاستشارية العاملة معه لا يثقون كثيراً بالقضاء العراقي، وتحديداً معالجاته لملف ضحايا الاحتجاجات والمصابين والمختطفين من قبل المليشيات المسلحة"، مبينة، لـ"العربي الجديد"، أن "لجنة تقصي الحقائق تعمل على جمع المعلومات التي لا يستطيع ذوو الضحايا قولها أمام القضاء في المحاكم، لا سيما أن الفصائل المسلحة والمليشيات تمتلك مخبرين ومصادر داخل القضاء العراقي، التي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تضرر أسر وذوي الضحايا".
وأكملت المصادر أن "الكاظمي يعمل بجدية عالية على ملف ضحايا الاحتجاجات، ويعرف الفصائل التي تورطت بقتل المتظاهرين وقامت بالاعتداء عليهم، ولذلك غالبية أشكال الهجوم ضد الكاظمي وحكومته من قبل الفصائل المسلحة تجيء للمساومة والضغط عليه لإيقاف تحركاته في الملفات التي تدينها بقتل المحتجين".
من جهته، قال الناشط السياسي وعضو حركة "نازل آخذ حقي"، عمار النعيمي، إن "هناك عشرات الملفات والأدلة وصلت إلى فريق الكاظمي وحكومته، التي تثبت تورط جماعات بعينها بقتل المحتجين وتغييبهم، إلا أن الحكومة تواجه تحديات سياسية وعدم تعاون من مختلف الأطراف في هذا الملف".
واعتبر النعيمي، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "لقاءات الحكومة مع ذوي ضحايا التظاهرات تبدو حتى الآن محاولة غير ناجحة لامتصاص غضب الناشطين والمحتجين، الذين يسعون للعودة مرة أخرى إلى الشوارع لتجديد الحراك الشعبي".
من جهته، قال محمد الفتلاوي، شقيق أحد ضحايا التظاهرات في البصرة، لـ"العربي الجديد"، إنهم قدموا ما لديهم من معلومات وأدلة تشير إلى تورط شخصية تنتمي لفصيل مسلح بقتل شقيقه مع اثنين آخرين قرب ساحة التظاهرات نهاية العام 2019، مضيفا: "لا نأمل كثيرا من لجنة الكاظمي، لأن اعتقال قاسم مصلح (القيادي في "الحشد الشعبي") ومن ثم إطلاق سراحه، رغم معرفة الجميع دوره في اغتيال الناشطين، أصابا الشارع بخيبة أمل من الحكومة".
ووصف الفتلاوي إجراءات حكومة الكاظمي بالقول: "أقصى شيء سيعتبرون شقيقي شهيدا ويصرفون راتبا شهريا له، لكن الزج بالقاتل بالسجن مستبعدة، فلا القضاء ولا الحكومة مستعدان لمواجهة جماعات السلاح"، وفقا لقوله.
وكانت التظاهرات العراقية قد اندلعت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي إثر تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق.
وطوال العام ونصف العام الماضيين، شهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، ولا سيما بعدما دخلت جماعات مسلحة، وُصفت بـ"الطرف الثالث"، على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين.
وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر وإصابة أكثر من 27 ألفاً، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة بهذه الأعمال.