"الحشد الشعبي الكردي" في كركوك: ولادة بأهداف سياسية وأمنية استباقية

18 ديسمبر 2020
نفى "الحشد الشعبي" ارتباطه بالمليشيا الجديدة (علي مكرم غريب/الأناضول)
+ الخط -

تتوالى ردود الفعل المتباينة في العراق، بشأن الإعلان عن ولادة مليشيا جديدة في محافظة كركوك شمالي العراق، أطلقت على نفسها اسم "الحشد الشعبي الكردي"، ويتألف عناصرها من عراقيين أكراد. وقدمت هذه المليشيا نفسها على أنها جزء من "الحشد الشعبي"، على غرار "الحشد التركماني" و"الحشد الإيزيدي" و"الحشد العشائري"، وأنّ نطاق عملها سيكون في كركوك، أبرز المدن المتنازع على إدارتها بين بغداد وأربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق.
وفي الوقت الذي نفت فيه هيئة "الحشد الشعبي"، المظلة الجامعة لأكثر من 80 فصيلاً عراقياً مسلحاً، عِلمها أو ارتباط هذا التشكيل الجديد بها، أكدت مصادر مقربة من الهيئة وجود مليشيا بارزة مدعومة من إيران تقف وراء مليشيا "الحشد الكردي" وتهدف لخلط الأوراق أمام القوى السياسية الكردية الطامحة للعودة إلى كركوك للمشاركة في الانتخابات المبكرة بعد انسحابها منها نهاية عام 2017، إثر استعادة بغداد السيطرة على المدينة وضواحيها وطرد قوات البشمركة ضمن تداعيات تنظيم أربيل استفتاء الانفصال عن العراق.


مليشيا بارزة مدعومة من إيران تقف وراء مليشيا "الحشد الكردي"

وأعلنت المليشيا عن نفسها في مؤتمر صحافي عُقِد في 12 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، في بلدة بقضاء الدبس التابع لكركوك، بوجود عشرات المسلحين الأكراد. وقال أحد الأشخاص الذي قدم نفسه على أنه قائد قوات "الحشد الشعبي الكردي"، ويدعى أدهم جمعة، إن "الغرض من هذه القوات حماية المناطق والقرى الكردية في كركوك، وإنها تعدّ 150 شخصاً، سيتم تدريبهم وتوزيعهم ضمن حدود مناطق الأكراد". وأضاف جمعة أن "قوات الحشد الشعبي الكردي، ستحمي كل من يتواجد داخل هذه المناطق، بغض النظر عمن يتبع".

وعلى الفور، سارعت أربيل إلى الإعلان عن عدم اعترافها بهذه المليشيا، مؤكدةً في بيان لوزارة داخلية الإقليم أنها تواصلت مع "هيئة الحشد الشعبي"، ونفت الأخيرة علمها بهذا التشكيل وأنها وعدت بمتابعة الأمر.

غير أنّ مصادر متطابقة في كركوك أكدت لـ"العربي الجديد"، أنّ القوة التي تم تشكيلها أخيراً، عدد من أفرادها مسجلون ضمن "الحشد الشعبي" فعلاً ويتبعون لمليشيا "بدر" بزعامة هادي العامري، ويتواجدون حالياً في قرية جخمانة، على بعد 35 كيلو متراً غربي كركوك، ويقيمون في مقرين، ولديهم أسلحة وسيارات رباعية الدفع ويتجولون على مرأى من قوات الجيش والشرطة في المنطقة.

ووفقاً للمصادر ذاتها، فإنّ الخطوة تندرج ضمن تصرفات المليشيات المقربة من إيران خارج إطار هيئة "الحشد"، وتهدف لخلط الأوراق أمام تحرك أربيل لإعادة البشمركة إلى كركوك بحجة المشاركة في توفير الأمن في المناطق المختلطة قومياً، والتي تضم مكونات كردية، وهو ما تتفاوض به مع بغداد منذ مدة ليست بالقصيرة. ورأت المصادر أنّ الخطأ كان في توقيت وطريقة إعلان "الحشد الكردي"، إذ كانت الخطة بداية الكشف عن قبول متطوعين من أكراد كركوك في "الحشد الشعبي".

في السياق، قال القيادي في حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" محمود خوشناو، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "هناك مخاوف كبيرة من هذه الخطوة، كون الوضع الأمني والسياسي وحتى الاجتماعي في كركوك لا يحتمل مثل هذا الإجراء". واتهم من وصفهم بـ"جهات مسلحة وسياسية لها ولاءات إقليمية، بالوقوف وراء المليشيا الجديدة لفرض معادلة جديدة في محافظة كركوك، من خلال استخدام الحشد الشعبي الكردي"، معتبراً أنّ "الهدف من ذلك هو ضرب السلم المجتمعي وضرب آراء وتوجهات سياسية معينة، وإفشال أي مساع لتطبيع الأوضاع في كركوك وتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي" (مادة دستورية أقرت بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 لحل قضية كركوك، وما تسمى المناطق المتنازع عليها).

وأضاف خوشناو أنّ "هذه الجهات المسلحة والسياسية التي لها ولاء إقليمي، (في إشارة إلى إيران) تريد استخدام الحشد الشعبي الكردي في قضية الانتخابات المبكرة، من خلال ترهيب وترغيب المواطنين لانتخاب جهات وشخصيات معينة، وكذلك إجراء عمليات تغيير ديمغرافي، وغيرها من الأعمال غير قانونية". وأكد أنّ "هذه الجهات ذات الولاء الإقليمي، تعمل على مشروع مليشيا كردية في كركوك منذ حوالي سنتين، وعملت على استقطاب بعض الشخصيات من أربيل والسليمانية بإغراءات مالية وغيرها، لكن لغاية الآن هذا الحشد لا وجود له على الأرض ووجوده فقط إعلامي".

وختم القيادي في "الاتحاد الوطني الكردستاني" حديثه بالقول: "إننا كقوى سياسية وشعبية كردية، لن نرضى بتشكيل كهذا، ونحن نتواصل مع القيادات في بغداد لمنع أي خطوة بهذا الاتجاه، وهم وعدوا بذلك والتحقيق جارٍ بشأن الأطراف التي تقف خلف هذه المليشيا، كونها تشكلت بطريقة غير رسمية وغير قانونية، حسب هيئة الحشد الشعبي".


الحشد الكردي لا وجود له على الأرض إلى الآن ووجوده فقط إعلامي

من جهته، اعتبر الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي، مؤيد الجحيشي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "مليشيات نافذة في بغداد مرتبطة بإيران، تقف وراء التشكيل المليشياوي الجديد وتريد استخدامه في مشاريعها بمحافظة كركوك". وأضاف الجحيشي أنّ "أحد أهداف هذا التشكيل هو خلق ندّ للأحزاب الكردية، وإحداث تغيير ديمغرافي في كركوك، بالإضافة إلى عرقلة أي جهود سياسية لتهدئة الأوضاع بين بغداد وأربيل، فضلاً عن ضرب التقارب الأمني الأخير بين الجيش العراقي وقوات البشمركة".

وتابع أنّ "الجهات السياسية والمليشيات الموالية لإيران، تريد استخدام الحشد الشعبي الكردي، لمنع أهالي كركوك من القومية الكردية، من التصويت لصالح الأحزاب الكردية، فهذه الجهات تريد السيطرة على المحافظة بشكل كامل لما لها من أهمية اقتصادية خصوصاً في ما يتعلق بالنفط. فالمليشيات الموالية لطهران تريد السيطرة على نفط كركوك، وهي تحاول منذ فترة إرسال قوات من الحشد إلى الآبار هناك بحجة حمايتها".

في المقابل، قال القيادي في "الحشد الشعبي" في محافظة كركوك، محمد البياتي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "الحشد الكردي، ليس تابعاً لهيئة الحشد الشعبي، كما لا توجد أي موافقة أو توجيه رسمي لتشكيل قوة". وعلى الرغم من تأكيده أنّ هذه المليشيا الجديدة "لا وجود فعلياً لها في خريطة كركوك"، لكنه عاد واستدرك بالقول إنه لا يستبعد "تورط أطراف سياسية كردية بتشكيلها من أجل القيام ببعض الأعمال غير القانونية تحت عنوان الحشد، لإثارة الفتنة، وكمحاولة لإعادة البشمركة إلى كركوك، وغيرها من الأجندات التي تريد الأطراف الكردية العمل عليها في المحافظة".

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون