الجماعات المسلحة تستقطب الفتية والشباب في الساحل الأفريقي

28 نوفمبر 2023
مهجّر مالي ببوركينا فاسو، يونيو 2021 (أولمبيا دي ميزمون/فرانس برس)
+ الخط -

تستفيد الجماعات المسلحة المنتشرة في دول الساحل الأفريقي من مخزون بشري هائل، تستغله لتجديد هيكليتها وتعويض كوادرها الذين فقدتهم في المعارك التي تخوضها لفرض سيطرتها واستهداف قوات الجيوش النظامية في مناطق واسعة من الساحل.

وتستغل الجماعات التابعة لتنظيمي "القاعدة" و"داعش" التجمعات السكانية النائية، المنتشرة على الحدود بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث تجد في القرى المعزولة التي تعاني من إهمال حكومي كبير، ضالتها لتجنيد آلاف الشباب اليائس من وضعه وإدخاله في صفوف تنظيماتها.

وحسب تقارير عدة، فإن الجماعات المسلحة تمكنت على مدى السنوات الخمس الأخيرة من تجنيد شباب وأطفال القرى في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، بعد أن نجحت في عزل القرى وتشديد الحصار على مناطق واسعة، مما مكّنها من فرض هيمنتها وفكرها المبني على مبدأ "الجهاد ضد السلطة الحاكمة" في مناطق متعددة في الساحل الأفريقي.

وعلى الرغم من محاولات دول الساحل وقف تجنيد هؤلاء الشباب بمساعدة منظمات دولية وإنسانية، عن طريق الاهتمام بقطاعات التعليم والصحة والخدمات وتشييد البنى التحتية لربط القرى النائية بالمدن، إلا أن هذه المحاولات لم تحقق نتائج ملموسة وظل تجنيد أطفال وشباب القرى المعزولة متواصلاً، بسبب بطء تنفيذ المشاريع المخصصة لتلك المناطق وعدم الاستقرار الأمني. في المقابل، تنامى نفوذ الجماعات المسلحة، التي أصبحت تستخدم أساليب مختلفة للفوز بأكبر حصة من شباب القرى والتجمعات النائية.

رمي الأطفال والشباب في معارك ضارية

تُعد منطقة الساحل الأفريقي التي تزيد مساحتها عن 3.1 ملايين كيلومتر مربع، من المناطق الأفريقية ذات الكثافة السكانية المنخفضة، بسبب العوامل البيئية والاقتصادية، حيث تغلب الصحراء والمساحات الجافة على مناطقها، كما يتسبب الفقر والبطالة في هجرة شبابها بأعداد كبيرة نحو الشمال بحثاً عن طريقة للعبور نحو أوروبا.


أمادو كايه: الجماعات المسلحة تدفع لأبناء المقاتلين السابقين في صفوفها

وفي ظل هذه الظروف تحاول الجماعات المسلحة تجنيد أكبر عدد من الشباب، بغض النظر عن أعمارهم أو قدراتهم الجسدية أو مدى إتقانهم للأعمال القتالية. وكشفت تقارير حقوقية ومحاضر أمنية لحالات الاعتقال التي تمت في صفوف الجماعات، وجود عدد كبير من الأطفال من سن 12 وما فوق، يقاتلون في صفوف الجماعات المسلحة باستخدام مختلف الأسلحة.

في هذا الصدد، قال الخبير العسكري، العقيد السابق في جيش مالي أمادو كايه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الجماعات المسلحة، خصوصاً المرتبطة بـ"داعش"، تدفع لأبناء المقاتلين السابقين في صفوفها، والذين تمت تصفيتهم في معارك سابقة، من أجل أن يلتحقوا بها مباشرة بعد أن يتجاوزوا سن الـ12. واعتبر أنه "بذلك تضمن ولاءهم وتشجع أقرانهم من الشباب الذين فقدوا الأمل في تحسين أوضاعهم... من أجل تجنيد أكبر عدد منهم".

ولفت كايه إلى أن "الجماعات الإرهابية لا تأبه بمصير المئات من الشباب، بل تدفع بهم في معارك غير مدروسة، من المؤكد أنها ستؤدي إلى حتفهم، مثل الهجوم على الثكنات المحصنة وتنفيذ عمليات انتحارية والإغارة على قرى معزولة وإبادتها بالكامل، إن رفضت الخضوع لأوامر الجماعة".

واعتبر أن "الجماعات تحتاج إلى تعداد كبير من المجندين في صفوفها، للتغلب على ضُعف التدريب ولتحقيق أي مكاسب في معاركها الضارية، حتى لو تطلب الأمر أن تفقد أعداداً من مجنديها، في مقابل أن تقتل قلة من عساكر الجيش او المدنيين الرافضين لحكم تلك الجماعات المتطرفة".

وأشار كايه إلى أن التجمعات السكانية في القرى النائية تُعتبر حاضنة شعبية مهمة للجماعات المسلحة، إذ تستفيد من أبنائها كمسلحين ودروع، وأيضاً من اقتصاديات تلك التجمعات في الحصول على حاجتها، للبقاء أكبر وقت في الصحراء من دون الحاجة إلى الاقتراب من المدن.

وحذر كايه من ترك الشباب في المناطق النائية ضحية الجماعات المسلحة التي تستعمل أسلوب التهديد والسيطرة والإخضاع تارة والإغراءات تارة أخرى، مطالباً الحكومات بالاهتمام بالمناطق النائية وإدماج شبابها في عجلة التنمية وقطع الطريق على الجماعات المسلحة لمنع منبع مهم تعتمد عليه لتجديد جيوشها.

مخزون بشري هائل

بعد أن مُنيَ بفشل في دول المغرب العربي، اضطر تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" إلى إعادة توجيه نشاطه جنوباً في منطقة الصحراء والساحل الأفريقي، محتفظاً بقياداته وزعاماته، لكن تركيبة المقاتلين بدأت تتغير مع دخول التنظيم إلى دول أفريقيا جنوبي الصحراء.

ومع انقسام التنظيم إلى عدة فروع وجماعات، وظهور تنظيمات محلية وأخرى موالية لـ"داعش"، ارتفعت حاجة الجماعات المسلحة إلى المزيد من المقاتلين، خصوصاً مع ما بدأت تحققه من سيطرة على مناطق وعزل أخرى وتشجيع السكان المحليين على التمرد على السلطات، وأخيراً الانقلابات التي حدثت في بعض الدول الأفريقية والتي قوّت شوكة التنظيمات المسلحة في المنطقة.


هاوا تيما: أبناء الطبقات المهمشة اجتماعياً يجدون أنفسهم في نسيج التنظيمات المسلحة أكثر من غيرهم

وتؤثر التراتبية الاجتماعية التي تسيطر على القبائل في القرى والتجمعات النائية بغرب أفريقيا على نوعية وفئات المنضمين إلى الجماعات المسلحة، فأبناء زعماء القبائل وفروعها يرفضون الانضمام لها، فيما يجد آخرون من أبناء الطبقات الأقل تصنيفاً متنفساً لهم في الانضمام لتلك الجماعات ليحصلوا على السلطة والسلاح وليعوضوا النقص الاجتماعي الذي عانوا منه.

وتستغل الجماعات المسلحة هذه التراتبية لإثارة النزاعات القبلية والنعرات بين الطبقات، وغالباً ما تنجح في تأليب الشباب المتحمس على الزعامات القبلية، وتجنيد أبناء الطبقات الدنيا، الذين يعانون من كونهم يصنفون اجتماعياً في أسفل السلم الاجتماعي.

وقالت الباحثة المتخصصة في تاريخ ونشأة الجماعات المسلحة في أفريقيا هاوا تيما، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن أبناء الطبقات النبيلة الأرستقراطية لا تشارك عادة في بنية وتشكيلة الجماعات المسلحة، لكن الطبقات الأقل والمهمشة اجتماعياً من رجال الحاشية والطوائف من غير النبلاء والحرفيين، يجدون أنفسهم في نسيج التنظيمات المسلحة أكثر من غيرهم.

وأضافت تيما أنه على الرغم من أن العبودية لم تعد تمارس في غرب أفريقيا، إلا أن أولئك الذين ينتمون إلى "طبقة العبيد" يحتفظون بهذا الاعتبار، ويعانون من هذه الصفة، لذلك يحاولون التغلب عليها بالانتماء للجماعات المسلحة وتحقيق بطولات في صفوفها.

وأكدت أن توفر الموارد المالية الكبيرة للجماعات المسلحة يشكل عامل جذب إضافيا للشباب، الباحث عن عمل والذي يعاني من الفقر والبطالة، موضحة أن "الجماعات المسلحة تملك أموالاً طائلة ناتجة عن الفديات التي دفعتها بعض البلدان في مقابل إطلاق سراح الرهائن، إضافة إلى ما ينتج من مختلف عمليات الاتجار التي تشارك فيها كالمخدرات والسجائر والمهاجرين والأسلحة وغيرها... وهذا يشكل أيضاً إغراء للشباب المعدم الباحث عن نصيبه من هذه العمليات".

وحذرت تيما من إهمال استقطاب الشباب للعمل في المنظمات المسلحة، مؤكدة أن تنامي تعداد المسلحين داخل هذه المجموعات، يهدد استقرار منطقة الساحل وتراجع اقتناع الشعوب بسلطة الدولة، وهذا ما يفسر كثرة الانقلابات وانعدام الاستقرار السياسي، مع تبرير العسكر انقلاباته المستمرة بدول غرب أفريقيا بـ"فشل الأنظمة المنتخبة في محاربة الإرهاب، ومنح القوات المسلحة وسائل دفاع وردع تشلّ حركة التنظيمات المسلحة".

تقارير دولية
التحديثات الحية