الجزائر تحشد حلفاءها في أفريقيا: هجوم ضد محاولات التطويق؟

01 ديسمبر 2020
تخشى الجزائر على أمنها الحدودي مع مالي والمغرب (فرانس برس)
+ الخط -

تخشى الجزائر من احتمال تشكيل طوق سياسي في المنطقة بدعم فرنسي ودول عربية، يستهدف عزلها عن أزمات المنطقة، وتحييدها عن القيام بدور في المسارات السياسية لوضع ترتيبات جديدة لمنطقة الساحل والصحراء، خصوصاً خلال الأزمة الأخيرة في مالي والصحراء. وهو ما دفعها إلى إعادة ترتيب علاقاتها الأفريقية، متجهة أكثر إلى غرب القارة الأفريقية وعمقها السياسي والاقتصادي، في محاولة لكسر كل طوق سياسي عليها.

وبدأت الجزائر سلسلة خطوات دبلوماسية لافتة في غرب القارة الأفريقية، فزار وزير خارجيتها صبري بوقادوم أخيراً نيجيريا، أبرز الدول الأفريقية الحليفة للجزائر، والتقى الرئيس النيجيري محمدو بوهاري ووزير الخارجية جيفري أونياما، وبحث معهما سلسلة ملفات سياسية واقتصادية، ثنائية وإقليمية، فضلاً عن العمل المشترك داخل الاتحاد الأفريقي. ويرتبط البلدان بعلاقات تعاون، تصفها وزارة الخارجية الجزائرية بـ"الاستثنائية والممتازة سمحت بإعطاء الزخم اللازم للتعاون الاقتصادي"، خصوصاً بما يتعلق بتنفيذ المشاريع الثلاثة الرئيسية: الطريق العابر للصحراء الذي يربط الجزائر بلاغوس في نيجيريا، وخط أنبوب الغاز، والوصل عن طريق الألياف البصرية. كما تسعى الدولتان إلى تعزيز المبادلات التجارية واستعداد الجزائر لتدريب النيجيريين في مختلف المجالات. لكن التعاون في هذه المجالات، لا يغيب عنه ملفان أساسيان بالنسبة للجزائر، الوضع في مالي ومنطقة الساحل، والتطورات في منطقة الصحراء على ضوء التطورات الأخيرة في منطقة الكركرات بين المغرب وجبهة البوليساريو.


تُبدي الجزائر اهتماماً بالغاً بمجموعة "إيكواس"

وللمرة الأولى، تبدي الجزائر اهتماماً سياسياً واقتصادياً بالغاً بمجموعة دول غرب أفريقيا "إيكواس"، فالتقى وزير خارجيتها رئيس مفوضية المجموعة جان كلود كاسي برو في أبوجا النيجيرية، لبحث الوضع في منطقة الساحل سياسياً وأمنياً، على ضوء التطورات في مالي والكركرات. وتؤدي المجموعة دوراً بارزاً في ملف مالي وفي محاربة التنظيمات المتشددة في منطقة الساحل. وتعتزم الجزائر دعم جهود هذه الدول في المجال مكافحة الإرهاب. وشملت جولة بوقادوم الأفريقية أيضاً النيجر، فالتقى كبار مسؤولي هذه البلد الأساسي في الحرب في الساحل، مشاركاً أيضاً في اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي. وسيزور بوقادوم قريباً جنوب أفريقيا، التي تدعم مواقف الجزائر بشأن القضايا الإقليمية بما فيها النزاع في الصحراء، لأنها من الدول التي تعترف بما يُسمّى "الجمهورية الصحراوية".

وتُظهر التحركات الجزائرية في العمق الأفريقي، وتزامنها مع أزمة الكركرات، مؤشرات تفيد بأن الجزائر بصدد إعادة تفعيل محور حلفائها في أفريقيا، في ظرف متوتر إقليمياً، بدأت تشعر فيه بوجود خطط في الإقليم تستهدف عزلها وتحييدها عن تطورات المنطقة. وينتاب القلق صنّاع القرار في الجزائر جرّاء مواقف الإمارات والأردن والبحرين بشأن فتح قنصليات في مدينة العيون الصحراوية، ودعمها للموقف المغربي في الصحراء، وكذلك تداعيات الوجود الفرنسي في مالي، وصفقات الإفراج عن الرهائن في شمال مالي، ومحاولات إبعادها عن مسارات الحل السياسي في ليبيا. وهو ما دفع الجزائر لإعادة تفعيل خط دبلوماسي بعناوين أمنية واقتصادية مع دول غرب أفريقيا، خصوصاً أن فتح الجزائر معبراً برياً في منطقة تندوف، على الحدود مع موريتانيا، وبدء تدفق السلع الجزائرية إلى الأسواق الأفريقية، يمكن أن يمهّد لمزيد من التعاون والتفاهمات.

في السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة تيبازة، قرب العاصمة الجزائرية، زهير بوعمامة، أن التحرك الدبلوماسي الجزائري "ليس خياراً فقط، بل حاجة حيوية في ظل هجمة قوية على المنطقة، ومن بين أهدافها تهميشنا وحصر الأدوار الجزائرية في المنطقة أكثر". وأبدى اعتقاده، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "شدة الهجوم على الجزائر من نواح مختلفة، والشعور بأن بعض الأطراف الإقليمية تريد الذهاب إلى مرحلة أخرى في إعادة تشكيل المنطقة، يجعل الجزائر تتعامل مع الأمر بجدية أكثر". واعتبر أن الدبلوماسية الجزائرية يجب أن تتعامل مع التطورات الأخيرة في الكركرات وفي مجمل المنطقة، من منطلق أن العامل الجيوسياسي وحسابات القوى صارت أكثر تأثيراً، ولا يجب الاستمرار في التعويل فقط على خطاب الشرعية والقانون الدولي. وأشار إلى أنه يتعين على الجزائر أن "تلعب كل أوراقها لخلق توازنات جيوسياسية تمنع، سواء المغرب أو الدول الوظيفية، من تمرير ما تريد من ترتيبات، ووجوب استجلاب القوى المختلفة المعارضة لفرنسا، لدعم الموقف الجزائري في أزمات المنطقة، مثل روسيا والصين وأيضاً تركيا".


تخشى الجزائر من تطويقها في منطقة الساحل

وشدد بوعمامة على ضرورة أن تتحول الجزائر "إلى دبلوماسية المصالح بلا حياء، من دون أن نتخلى عن مبادئنا الأساسية، فسياسة التشبيك ستجلب دعماً إضافياً للقضية وتُحدث التوازن الذي تعتقد بعض الأطراف الإقليمية أنه اختل لصالحها". وأضاف أن "هناك عملاً كبيراً ينتظر الجزائر، لأنها مرحلة مفصلية ولا يجب أن نخسر فيها، لذلك علينا أن نواجه خارج حدودنا في الفضاءات التي نملك تأثيراً فيها حتى نمنعهم من الاقتراب أكثر من الجزائر".

من جهته، أدرج المحلل مبروك كاهي التحركات الدبلوماسية الجزائرية الأخيرة في أفريقيا ضمن "حماية مصالح استراتيجية"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن الظروف والمتغيرات الأخيرة في المنطقة، فرضت "ترميم محور الجزائر ـ نيجيريا الذي تضرر كثيراً، وقطع الطريق أمام حلف مستقبلي يجعل الجزائر هدفه المقبل". ورأى أن "الفرصة باتت مواتية للجزائر لتشكيل حلف سياسي واقتصادي مهم في القارة الأفريقية، أضلاعه الثلاثة الجزائر كقوة في منطقة الساحل، ونيجيريا في غرب أفريقيا، وجنوب أفريقيا كقوة في منطقة جنوب القارة. وهذا ما يعزز مصالح الجزائر داخل منظومة الاتحاد الأفريقي. كما أن إنشاء أنبوب الغاز بين نيجيريا والجزائر سيكون بشراكة تركية وروسية، وربما إيطالية".

تقارير دولية
التحديثات الحية
المساهمون