تبدي الجزائر في الفترة الأخيرة مخاوف جدية من عودة التنظيمات الإرهابية لتجميع صفوفها في منطقة الساحل، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية، والهشاشة السياسية التي فاقمتها الانقلابات العسكرية الأخيرة، في النيجر وقبلها في مالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي رأى فيه مراقبون للشأن الأمني نذيراً بمخاطر أمنية محدقة بالمنطقة.
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي هاكان فيدان، في أنقرة، حذّر وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، مساء أمس الخميس، من كثافة وجود المجموعات الإرهابية في دول الساحل وتضخّم أعدادها.
وقال عطاف "عندما نتحدث عن منطقة الساحل، فنحن نتحدث عن أفقر الدول في العالم. والمعطى الثاني أن هذه المنطقة تضم إرهاباً هو الأكثر كثافة، إلى حد أننا لم نعد نتحدث عن جماعات إرهابية، بل عن جيوش إرهابية. وشهدت منطقة الساحل خلال السنوات الماضية ثمانية انقلابات، لم تحل مشكلة الأمن، ولا مشكلات التنمية، بل زادت من تدهور الأوضاع وخطورتها".
تأتي تصريحات المسؤول الجزائري بعد تقارير عن سيطرة مجموعات كبيرة تتبع لتنظيمات مختلفة، مثل "داعش" و"القاعدة" و"أنصار الدين"، على مناطق واسعة في منطقة منكا وغاو، والمنطقة المثلثة بين النيجر ومالي وبوركينافاسو، ومحاصرة مدينة تومبوكتو ومنع الدخول إليها والخروج منها.
وفي وقت لاحق من اليوم الجمعة، أدانت الخارجية الجزائرية "بشدة الهجمات الإرهابية التي استهدفت مالي خلال الأيام الأخيرة"، وعبّرت عن "بالغ التضامن مع هذا البلد في مواجهة الإرهاب، وحثت "كافة الأطراف في مالي على الاستمرار في تنفيذ اتفاق السلم الموقع في الجزائر في مايو 2015".
وعبرت الخارجية في بيان لها عن قناعتها بأنه بتنفيذ الاتفاق المذكور بـ"حسن نية"، ومع توافر "الإرادة السياسية"، يمكن لمالي "بناء جبهة داخلية قادرة على مقاومة الاعتداءات التي يتعرض لها البلد والمنطقة بأسرها من قبل الإرهاب".
وجددت الجزائر التعبير عن استعدادها مجدداً للعمل مع مالي "للمضي قدماً في تنفيذ هذا الاتفاق. بما يحقق "استقرار هذا البلد الشقيق".
بيان وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج #مالي pic.twitter.com/gayIkp3ORt
— وزارة الشؤون الخارجية| MFA-Algeria (@Algeria_MFA) September 8, 2023
وكانت تنظيمات إرهابية قد نشرت فيديوهات حديثة، تظهر تجمع أعداد كبيرة لعناصرها، ونفذت سلسلة هجمات عنيفة ضد المدنيين، وجيوش بوركينافاسو، ومالي خاصة، وأعلنت السلطات الانتقالية في مالي، أمس الخميس، عن مقتل مالا يقل عن 49 شخصاً في هجوم إرهابي على قارب صغير في منطقة أبا كويرا في ولاية تمبوكتو قرب نهر النيجر، تبنته جماعة أنصار الدين، وهجوم ثانٍ في منطقة بمبا استهدف قوة للجيش المالي.
ويبدو أن ذلك كان الدافع وراء الاتصالات المكثفة التي جرت أخيراً بين مسؤولين سياسيين وعسكريين جزائريين، وبين نظراء لهم أميركيين، كان آخرها اتصال غير مسبوق بين قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام جوزيف بيرنز، تم خلاله التطرق إلى عدد من المسائل الأمنية ذات الاهتمام المشترك، والتعاون والتنسيق بين البلدين في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب.
وبرأي مراقبين يتابعون تطورات الشأن الأمني في منطقة الساحل، فإن حديث الجزائر عن "جيوش إرهابية " هناك هو تحذير مباشر ترفعه الجزائر إلى المجتمع الدولي من إمكانية أن تفرض حالة الاستقطاب التي تشهدها المنطقة، لأعداد متزايدة من المتشددين والمقاتلين، مستفيدة من حالة الفراغ وتجارة السلاح والهجرة والمخدرات وغيرها، واقعاً أمنياً خطيراً ستمتد تأثيراته في كل الاتجاهات.
وقال الخبير في شؤون منطقة الساحل، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة جنوبي الجزائر، مبروك كاهي، إن "تصريح الوزير عطاف يرتكز على واقع ومنطلق ومعطيات وتقارير ميدانية، تفيد بأن الجماعات الإرهابية تضخمت من حيث العدد والعدة، وهو ينبه لوجود خطر حقيقي يتطلب من المنتظم الدولي التجند له ومجابهته فعلاً، إذ لوحظ تمركز كبير للجماعات الإرهابية وتزايد للعمليات المسلحة، واستعراض مستمر لهذه الجماعات لقوتها وتشكيلاتها في شمالي مالي والنيجر".
وأشار كاهي إلى أن "هذه المخاطر تتعاظم أكثر مع قرب مغادرة قوات (مینوسما) من مالي نهاية العام، من دون أن يكون هناك بديل أمني حقيقي، يغلق الباب على فراغ قد تستغله هذه الجماعات الإرهابية، مما يزيد الوضع خطورة"، مشيراً إلى أن هناك مخاوف سياسية غير معلنة في الجزائر من أن "تستغل أطراف، من بينها فرنسا وعملاؤها الإقليميون، هذا الوضع لتبرير دورها، وفرض مزيد من العقوبات على السلطات الانتقالية في كل من النيجر ومالي".