تُبرز سلسلة الزيارات الأخيرة لوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إلى عدد من دول أوروبا الشرقية، التي كانت محسوبة على (المجموعة الشيوعية) قبل سقوط جدار برلين نهاية الثمانينات، توجهاً جزائري لافتاً لاستعادة خط العلاقة مع هذه الدول التي كانت تربطها بالجزائر علاقات رفيعة قبل التسعينيات، لاعتبارات تاريخية وسياسية.
ووصل عطاف، الأحد، إلى سلوفينيا في زيارة تستهدف تفعيل تبادل التمثيل الدبلوماسي بعد قرار تبادل السفارات، ومناقشة مسائل تخص التعاون خاصة في مجال الطاقة، لكون الجزائر من أهم موردي الغاز الطبيعي إلى سلوفينيا. وفي هذا الشأن، يلتقي عطاف وزير الطاقة السلوفيني بويان كومير، إضافة إلى لقاءات مع وزيرة الخارجية تانيا فايون، والرئيسة ناتاشا بيرك موسار.
وتبدي الجزائر منذ تعيين عطاف وزيرا للخارجية، في مارس/آذار الماضي، اهتماما لافتا باستعادة نسق قوي لعلاقاتها مع دول أوروبا الشرقية، ففي 21 أغسطس/آب الماضي أجرى الأخير زيارة إلى صربيا، وأعلن بوضوح أن بلاده تتطلع لإحياء "إرث تاريخي متميز" مع بلغراد.
وجرى خلال تلك الزيارة الاتفاق على ترتيب زيارة للرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، إلى الجزائر، بدعوة من الرئيس عبد المجيد تبون قبل نهاية السنة الحالية، تسبقها زيارة تحضيرية لوزير الخارجية الصربي إيفيتسا داتشيتش.
وكانت العلاقات بين صربيا (يوغسلافيا سابقا) والجزائر وطيدة في السبعينات، خاصة في عهد الزعيمين جوزيف بروز تيتو وهواري بومدين، كأبرز أقطاب منظمة عدم الانحياز.
في السياق نفسه، زار وزير الخارجية الجزائري في سبتمبر/أيلول الماضي، المجر، إحدى دول أوروبا الشرقية، في جولة "تهدف إلى تأكيد توجه الجزائر لتوطيد العلاقات مع المجر"، وفقاً للخارجية الجزائرية. وتضمن الزيارة إعلان الرئيسة المجرية كاتالين نوفاك، عزمها زيارة الجزائر في وقت لاحق.
ومن بودابست، ترغب الجزائر في العبور إلى المشاركة في اجتماعات "مجموعة فيسيغراد"، المقررة في 6 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وتضم المجر والتشيك وبولندا وسلوفاكيا، وهي دول كانت ترتبط بعلاقات نوعية مع الجزائر في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وساعدت قبل ذلك في تكوين عدد كبير من الإطارات الجزائرية.
جذور تاريخية
يلعب التاريخ دوراً كبيراً في هذا الاتجاه الجزائري، إذ تستند الجزائر في مسعى بعث علاقاتها مع صربيا (يوغسلافيا سابقا)، إلى وقائع تاريخية، تمثلت بحسب الوزير عطاف في أن "بعض جرحى حرب التحرير الجزائرية كانوا يعالجون في بلغراد، كما رافق مخرجون يوغسلاف جنود الثورة في الجبال الجزائرية، علاوة على مساهمة كبيرة ليوغسلافيا في مساعدة الجزائر على إنجاز البنى التحتية الضرورية بعد الاستقلال". ووفقا للوزير فإن الحالة نفسها مع دولة المجر.
وقبل ثلاثة أشهر، زار نائب وزير الشؤون الخارجية البولندي المكلف بسياسة التطوير وأفريقيا والشرق الأوسط، باول جابلونسكي، الجزائر، وأجرى جلسة مشاورات سياسية مع الأمين العام للخارجية عمار بلاني (عين سفيرا قبل فترة قصيرة في تركيا)، واتفقا على إجراء حوار سياسي وإحياء التعاون الاقتصادي بين البلدين.
ويفسر المحلل السياسي جمال هديري لـ"العربي الجديد"، هذا التحرك الجزائري بـ"محاولة لخلق مجال لعلاقات حيوية في منطقة أخرى داخل الفضاء الأوروبي نفسه، خاصة وأن هذه المنطقة لها تمايز سياسي واقتصادي نسبي مقارنة بغرب أوروبا".
ويضيف: "هناك إمكانية كبيرة لنجاح هذا المسعى. هناك قاعدة علاقات قوية كانت بين الجزائر ودول أوروبا الشرقية في فترة الاشتراكية، يمكن أن تساعد على إحياء هذه العلاقات. الوزير عطاف عمل في يوغسلافيا سابقا كسفير، ولديه اطلاع واسع على هذه المنطقة".
وأوضح أن الجزائر -إضافة إلى ملف الغاز- مهتمة أيضا على الصعيد الاقتصادي بتجارب هذه الدول التي كانت اقتصاداتها تشبه الاقتصاد الجزائري، ونجحت في الإقلاع وتحقيق تنمية جيدة خاصة في قطاعات حيوية مثل الزراعة.