الجزائر: انتشار أمني واعتقالات في ذكرى انتفاضة أكتوبر 1988

05 أكتوبر 2021
من الانتشار الأمني للشرطة الجزائرية اليوم (العربي الجديد)
+ الخط -

شهدت العاصمة الجزائرية، اليوم الثلاثاء، حالة انتشار لافت لقوات الأمن في الساحات والشوارع الرئيسة التي كانت تحتضن مظاهرات الحراك الشعبي، تحسباً لاندلاع أية مظاهرات شعبية محتملة بمناسبة ذكرى انتفاضة الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1988، والتي نقلت الجزائر من نظام الحزب الواحد إلى التعددية السياسية.

ولوحظ وجود لافت لقوات الأمن وعربات تتبع قوات مكافحة الشغب متمركزة قرب ساحة البريد المركزي وساحة أودان ومحمد الخامس وساحة أول مايو، إضافة إلى انتشار أعوان الأمن باللباس المدني لترصد أي تحرك من قبل الناشطين، كما اعتقلت قوات الأمن عددا من الناشطين في الحراك الشعبي لدى وجودهم في قلب العاصمة الجزائرية، بينهم الناشط البارز في الحراك الطلابي عبد النور آيت سعيد، لمجرد أن بعضهم كانوا يحملون العلم الوطني، من دون أن يقدموا حتى على تنظيم أي تجمع أو مظاهرة أو ترديد هتافات سياسية. وقال المحامي عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي عبد الرحمن صالح "كل من يحمل العلم الوطني في الشارع أصبح محل شبهة".

وتم توقيف عدد من الناشطين في 11 ولاية، كمستغانم ولاية وتيزي وزو ويرج منايل، وبلغ عددهم، بحسب الناشط زكي خناش المتخصص في إحصاء ونشر بيانات المعتقلين، أكثر من 44 موقوفا، بزعم أنهم كانوا بصدد التظاهر وتنظيم وقفات إحياء لذكرى أكتوبر، واستجابة لدعوات كانت قد نشطت قبل أيام على مواقع التواصل الاجتماعي، تحث على استغلال ذكرى انتفاضة الخامس من أكتوبر 1988 لاستئناف مظاهرات الحراك الشعبي، ومطالبة السلطات بوقف حملة تقييد الحريات العامة والاعتقالات التي طاولت عددا كبيرا من الناشطين بلغ حتى الآن ما يقارب 228  ناشطاً بحسب إحصاءات لجنة الدفاع عن معتقلي الرأي التي تضم محامين وحقوقيين، بعضهم وجهت له تهم بالانتماء إلى تنظيمات تصنفها السلطات أنها إرهابية، كحركة رشاد وحركة الماك الانفصالية. 

 وفي السياق، أعلن رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان سعيد صالحي أن مصالح الأمن أوقفت رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير المحامية زبيدة عسول على حاجز أمني عدة ساعات، لمنعها من الوصول إلى مدينة بجاية، حيث كان مقررا أن تشارك في ندوة حول حقوق الإنسان في الجزائر تنظمها الرابطة، قبل أن تطلب منها العودة من حيث جاءت، ووصف سعيد صالحي، في تغريدة له، هذه الممارسات بأنها "سلوك مهين وعمل مفضوح".

واتخذت السلطات هذه التدابير الأمنية الاحترازية لتلافي تكرار ما حدث في 22 فبراير/شباط 2019، عندما قللت السلطات من أهمية دعوات التظاهر، قبل أن تُفاجأ بمظاهرات شعبية غير مسبوقة لرفض ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفيلقة لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات التي كانت ستجرى في أبريل/نيسان من تلك السنة.

ومر 33 عاماً على انتفاضة الربيع الديمقراطي  في أكتوبر عام 1988، ففي تلك الفترة، كانت العاصمة وعدد كبير من المدن الجزائرية شهدت مظاهرات شعبية غير مسبوقة في تاريخ البلاد، للمطالبة بإنهاء حكم الحزب الواحد وتوسيع الحريات وتحسين الظروف المعيشية، في وقت كانت تجتاز فيه الجزائر ظروفا اقتصادية واجتماعية صعبة وندرة كبيرة في المواد الاستهلاكية، بسبب تقلص مداخيل البلاد من النفط خلال الازمة العالمية عام 1986، ناهيك عن الفساد الذي كان قد تسرب إلى دوائر الحكم والاقتصاد.

ودفعت هذه الانتفاضة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد للإعلان عن إصلاحات سياسية، وطرح لاحقا دستورا ينهي حكم الحزب الواحد ويتيح التعددية السياسية والإعلامية والحريات، بعد استفتاء شعبي على الدستور في 23 فبراير/شباط عام 1989، لتدخل بعدها الجزائر مرحلة فوران سياسي طبعه انبثاق عدد كبير من الأحزاب السياسية، وانتشار الصحافة الحرة والنقابات المستقلة، وتقلص هامش الرقابة على الكتب والسينما وحرية التعبير، لكن هذا المسار كان يفتقد إلى إطار سياسي ومؤسسات قوية تحمي المسار الديمقراطي من التدافع السياسي العنيف، ما أدى سريعا إلى الأزمة الأمنية الدامية التي شهدتها البلاد بعد وقف المسار الانتخابي في يناير/كانون الثاني 1992.

المساهمون