استمع إلى الملخص
- **دور الولايات المتحدة:** زادت الولايات المتحدة وجودها العسكري لدعم إسرائيل وردع إيران وحزب الله، مما يعكس قدرات إسرائيل المحدودة ويزيد من تعنّتها.
- **مفاوضات غزة وتداعياتها:** مفاوضات جديدة جاءت تحت تهديد عسكري، بدفع من بايدن، لربط اتفاق مع منع رد إيران وحزب الله، مما يزيد من المخاطر الاقتصادية والسياسية لإسرائيل.
اغتالت إسرائيل القيادي في حزب الله فؤاد شكر في بيروت ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران نهاية يوليو/تموز الماضي، لتقول للأطراف المقابلة إن بإمكانها أن تقوم بخطوات قد تُعتبر غير عقلانية وتصعيدية، على الرغم من أنها لا ترمي إلى ذلك، ظاهرياً على الأقل، وإن باستطاعتها أن تقوم بعمليات معقّدة فيها الكثير من المغامرة. في الوقت نفسه، تتصرف إسرائيل من منطلق الفرضية أن الطرف المقابل سيتصرف بعقلانية، بل بعقلانية مفرطة في هذه الحالة، وهو ما يمكن أن يمنع التصعيد. إسرائيل تريد تغيير قواعد اللعبة التي باتت بغير صالحها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عبر التهديد والوعيد والإعلان أنها ستكسر قواعد العقلانية، خصوصاً إن توسعت الحرب وفشلت مفاوضات غزة، وأن الرد سيكون غير متوازٍ. هذا ما تصرّح به إسرائيل منذ عمليتي الاغتيال بهدف منع رد فعل قاسٍ يكسر قواعد الاشتباك القائم. فالوحيد الذي يحق له كسر قواعد الاشتباك القائمة، وفقاً لإسرائيل، هو إسرائيل.
إلا أن كل هذه التصريحات تقزمت بعد إعلان وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت قبل عدة أيام أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أن "أي هجوم على حزب الله سيكون عملاً متهوراً"، وأن صانعي القرار لا يبدون ذات الشجاعة التي يبدونها في العلن في الاجتماعات المغلقة. أقوال غالانت توضح مأزق إسرائيل الاستراتيجي. فهي ترفع سقف التهديدات والوعيد بغية ثني حزب الله وإيران عن توجيه ضربة مؤلمة أو جدية لها، وتوضح بطريقة غير مباشرة أنها يمكن أن تستوعب ضربة غير واسعة وغير مؤلمة لا تكسر قواعد اللعبة القائمة، ولا تؤدي بالضرورة إلى حرب واسعة. بل إن إسرائيل سلّمت أن الرد آتٍ، وتعمل بمساعدة الولايات المتحدة على ضبطه أو تخفيفه.
محاولة الولايات المتحدة حماية إسرائيل
الولايات المتحدة زادت هذه المرة، بخلاف الوضع في إبريل/نيسان الماضي حين شنّت إيران هجوماً باتجاه الأراضي الإسرائيلية، من وجودها وحضورها العسكري في المنطقة، بغية حماية إسرائيل وردع إيران وحزب الله من توجيه ضربة قاسية لإسرائيل. على ما يبدو، فإن المؤسسة الأمنية الأميركية تعرف حالة إسرائيل وقدراتها العسكرية أكثر مما يعرفه الجمهور في إسرائيل، منها أن إسرائيل لا تستطيع مواجهة هجوم واسع وحدها وبقدراتها العسكرية ودفاعاتها الجوية، وأنها بحاجة إلى مساعدة واسعة.
الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته تجنّدوا مرة أخرى لإنقاذ إسرائيل من نفسها. وهذا ليس بالضرورة مؤشر قوة، بل قد يكون من علامات تراجع قدرات إسرائيل. كذلك إن استعمال القوة، أو التهديد باستعمال القوة، يشي أيضاً بتراجع قدرة ردع الولايات المتحدة تجاه اللاعبين في المنطقة. هذا لا يعني أنها لا تملك قدرة على الردع، بل هذه القدرات لم تدفع اللاعبين في المنطقة لغاية الآن إلى تغيير القرار أو التصرف المتوقع بفعل صورة الردع الأميركية، وواشنطن تحتاج إلى ترجمة القوة على أرض الواقع لإقناعهم.
يمكن أن تؤدي خطوة أميركا بإرسال قوات للمنطقة إلى زيادة تعنّت إسرائيل، وإلى رفع منسوب ثقتها بالنفس للتصدي لأي هجوم
تدَخُّل الولايات المتحدة وإرسال القوات بحجم غير مسبوق إلى المنطقة، يهدف إلى التأثير بقرار إيران وحزب الله ودفعهما إلى إعادة الحسابات. لكنه يؤثر أيضاً بإسرائيل، بحيث تتغير لديها حسابات الربح والخسارة. وبدل أن تكون الخطوة الأميركية دافعة باتجاه التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، يمكن أن تؤدي إلى عكس ذلك، وإلى زيادة تعنّت إسرائيل، وإلى رفع منسوب ثقتها بالنفس للتصدي لأي هجوم من قبل إيران وحزب الله، نتيجة للدعم العسكري الضخم وغير المشروط من الإدارة الأميركية. من جهة، تقول الولايات المتحدة إنها لا تريد التصعيد في المنطقة، ولا توسيع الجبهات، ولا الحرب الإقليمية، وتحاول ردع إيران وحزب الله، ومن جهة أخرى تعمل على تقديم الدعم العسكري المطلق إلى إسرائيل، الأمر الذي يرفع منسوب الرفض الإسرائيلي. التصرف الأميركي في هذه الحالة عطّل أدوات ومعادلات الردع المتبادل القائم في المنطقة.
تغيّر طابع مفاوضات غزة
مفاوضات غزة الجديدة، ولو جاءت قسرية نتيجة احتمال التصعيد العسكري، غيّرت من طابع وسياق المفاوضات الجارية لغاية الآن، خصوصاً أنها تربط بين إمكانية التوصل إلى اتفاق، مع المحاولات لمنع رد إيران وحزب الله على الاغتيالين. الرئيس الأميركي الذي دفع إلى عقد المفاوضات الأخيرة قد يكون ساهم دون قصد، بزيادة التصعيد في المنطقة وبوضع جدول زمني للتصعيد. فقد صرح بايدن أنه يعتقد أن التوصل إلى اتفاق يمكن أن يمنع الرد الإيراني، وبذلك يقول بشكل غير مباشر إن عدم التوصل إلى اتفاق يمكن أن يؤدي إلى رد إيراني. وبذلك يُدخِل بايدن إيران وحزب الله لاعبين مؤثرين بشكل مباشر وعلني في مفاوضات غزة لأول مرة منذ بداية الحرب.
إسرائيل اضطرت إلى الذهاب إلى مفاوضات غزة لأول مرة تحت وجود تهديد عسكري يمكن أن يؤدي إلى تفجير الحالة باتجاه لا ترغب فيه، وهي التي اعتقدت أنها تستطيع القيام بعمليات اغتيالات تتخطى فيها الخطوط الحمر كافة دون كسر قواعد اللعبة الحالية، وأخطأت مرة أخرى، على ما يبدو، في التقييم. المؤسسات الأمنية كافة تريد التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى مع "حماس" وتدفع في هذا الاتجاه، لكنها قد لا تنجح في فرض هذا الموقف على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
ليست المؤسسة العسكرية وحدها التي تحتاج إلى وقف لإطلاق النار لترميم جاهزيتها وإعادة بناء قدراتها، والتحضير لما هو آتٍ، بل كذلك الاقتصاد الإسرائيلي
ليست المؤسسة العسكرية وحدها التي تحتاج إلى وقف لإطلاق النار لترميم جاهزيتها وإعادة بناء قدراتها، والتحضير لما هو آتٍ، بل كذلك الاقتصاد الإسرائيلي. فبعد عشرة أشهر من الحرب على غزة، بدأت تتضح أكثر فأكثر الأضرار الاقتصادية، وتراجع مكانة إسرائيل الاقتصادية، وصعوبة إنعاش الاقتصاد الإسرائيلي، كما يتضح من قرار مؤسسة فيتش خفض تدريج الائتمان الإسرائيلي في 13 أغسطس/آب الحالي، وهي المؤسسة الدولية الثالثة التي تخفض التدريج هذا العام. المثير في قرار "فيتش" أنه لا يستند فقط إلى المعطيات والجوانب الاقتصادية، وأداء الاقتصاد الإسرائيلي، بحيث تفسر المؤسسة قرارها بالأساس بناءً على عوامل سياسية داخلية في إسرائيل، منها الحالة السياسية وتصرف الحكومة والوزارات ومحدودية الحكومة على ضبط ميزانيتها والعجز المتراكم، وكذلك على توقعات باستمرار التصعيد الأمني والعسكري في المنطقة.
إذاً، احتمال فشل مفاوضات غزة هذه المرة يحمل مخاطر جدية لإسرائيل، بحيث يمكن أن يسرّع ويشرعن الرد العسكري من قبل إيران وحزب الله، وربط ذلك بفشل المفاوضات وتعنّت إسرائيل وليس فقط رداً على عمليتي الاغتيال. ويمكن أن يحوّل نتنياهو إلى مسؤول عن إفشال مفاوضات غزة والدفع إلى توسيع الحرب، وإلى زيادة التصدع مع الإدارة الأميركية، وربما إلى تزايد الانتقاد والاحتجاج داخل إسرائيل.