الجزائر... النوايا في السياسة أفعال

17 فبراير 2021
طريقة تعاطي السلطة مع التظاهرات ستحدد طبيعة رسالتها (Getty)
+ الخط -

في السياسة تختلف الأمور عن الدين. فالشك هو الأصل ويسبق استحسان النيّة. وفي السياسة أيضاً، النوايا هي الفعل الذي يعبّر عنه بقرارات وخطوات عملية يتخذها الطرف الذي يريد إظهار حسن النيّة. الحس الجزائري شكاك بطبعه. وقد عززت ممارسات النظام، على مدار عقود من الوعود الزائفة، هذا الحس لدى عموم المواطنين. بل إنه وفي العرف الشعبي في الجزائر تأخذ كلمة "نوايا" مُعَرفاً ومعنى "السذاجة"، كأن يقال لأحدهم "أنت نيّة"، ويعني "أنت ساذج". لذلك يمكن فهم دواعي كل هذه الضجة السياسية التي أعقبت لقاءات الرئيس عبد المجيد تبون بقادة أحزاب سياسية، بينها أحزاب معارضة، وأبرزها جبهة القوى الاشتراكية، كانت محسوبة على الشارع، ومنحازة لخيار الحراك الشعبي، ورافضة للمسار الانتخابي الذي فرضته السلطة منذ منتصف 2019.

في الجزائر الهوة سحيقة بين النظام والشارع. كلاهما في وادٍ لا وجود فيه للآخر، وثمة دائماً تباعد قياسي بين الحكومة والشعب. كما أن المسافة واسعة بين السلطة والمعارضة، وبين المعارضة نفسها أيضاً، بحكم سوابق سياسية عديدة لم توفها السلطة استحقاقاتها، على غرار لقاءات تبون في يناير/كانون الثاني 2020، التي تبعها إغلاق للمدن وانغلاق سياسي وتضييق على الحريات. لذلك يحضر الشك أولاً في كل خطوة تقوم بها. ويتحمّل تبون، لكونه ابن مسار وتنشئة كاملة داخل السلطة، أيضاً تبعات هذا الشك، الذي يحتاج إلى مسافة طويلة من الصدق والخطوات الجريئة والقرارات الثورية لنسفه.

تبون أراد أن يوجّه من خلال لقاءاته الأخيرة بقادة الأحزاب السياسية رسالة مفادها أنه طوى ملف مرضه نهائياً (عاد الجمعة وبدأ لقاءاته السبت الماضي)، وأنه بصدد إنجاز خطوات دون استشارة شركائه في صنع القرار، وأنه منفتح على كل القوى السياسية والاقتراحات. لكن ذلك يبقى في مستوى النوايا التي لا تعني شيئاً، ما لم يتبعها ما يفيد بتكريسها في الواقع السياسي. أكثر من ذلك، مستوى الأزمة في البلد يحتاج إلى مستوى آخر من الحوار الشفاف والواضح في بنوده وأطرافه، وفي مخرجاته المُلزمة للجميع. والحوار بدوره يحتاج إلى تعزيز الثقة، التي تمر عبر تدابير تهدئة وخطوات، هي في الواقع جزء من حقوق الجزائريين المكفولة في الدستور حولتها السلطة إلى مزية، ويفترض أن تكون خارج أي نطاق للحوار.

على كل حال، حبر الدستور الجديد لم يجف بعد (صدر في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي) وأوراقه لم تدمغ حتى، بكل ما تضمنه من مزايدة في الحقوق والحريات. ولذلك ستكون السلطة السياسية في الجزائر هذا الأسبوع محل اختبار كبير، ليس فقط في طريقة تعاطيها مع تظاهرات الحراك الشعبي، المقررة يومي الجمعة والثلاثاء المقبلين احتفاءً بالذكرى الثانية للحراك، ولكن في قضايا كثيرة. طريقة رد السلطة ستعني الكثير وستحدد طبيعة الرسالة السياسية، هل ذاهبون صدقاً إلى مرحلة جديدة أم باتجاه الجدار؟ ذلك أن السلطة خسرت أهم معركة، وهي معركة المعلومة التي بات يسبقها فيها الشارع، لذلك لم تعد هي من يملك زمام الوقت. الأزمة والإفلاس أمامها والشارع والحراك وراءها.

المساهمون