"الجبهة الوطنية" في مصر... حزب الدولة الجديد أم منصّة لإعادة إنتاج النفوذ؟

02 يناير 2025
خلال إطلاق الحزب (صفحة الجبهة الوطنية على فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأسيس حزب الجبهة الوطنية: أُعلن عن تأسيس حزب الجبهة الوطنية بقيادة عاصم الجزار، بدعم من شخصيات ذات نفوذ اقتصادي وأمني، مما يثير تساؤلات حول أهدافه وهويته السياسية، حيث يبدو أنه يعيد إنتاج مراكز النفوذ القديمة.

- التنوع الظاهري والشكوك: رغم محاولات الحزب تقديم صورة جامعة، تعكس قيادته ارتباطاً بمصادر القوة التقليدية، مما يعزز الشكوك بأنه واجهة لإعادة تدوير النخب المهيمنة، بديلاً عن "مستقبل وطن" الذي فقد الثقة الشعبية.

- التداعيات السياسية والاجتماعية: يرى المحللون أن الحزب يعكس محاولة لتجديد الوجوه السياسية استعداداً للانتخابات، لكنه يعمّق الأزمة السياسية، مع تحذيرات من اختناق اجتماعي وسياسي واحتمالية تعديلات دستورية مستقبلية.

أثار الإعلان، أخيراً في مصر، عن تأسيس حزب الجبهة الوطنية تساؤلات عديدة بشأن طبيعة المشهد السياسي المصري ومستقبله. يترأس الحزب وزير الإسكان السابق عاصم الجزار، وتدعمه شخصيات بارزة ترتبط بمراكز نفوذ اقتصادية وأمنية. وتبرز في تشكيلة الحزب أسماء مثل الجزار، وهو رئيس شركة نيوم العقارية التابعة لإبراهيم العرجاني أمين عام اتحاد القبائل العربية، وشقيق اللواء حاتم الجزار عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس هيئة القضاء العسكري السابق. ويعيد هذا الخليط من الشخصيات إلى الأذهان نماذج سابقة لأحزاب مرتبطة مباشرة بالسلطة التنفيذية، وهو ما يطرح أسئلة جوهرية تتعلق بأهداف الحزب وهويته السياسية.
يكشف التشكيل القيادي للحزب عن شبكة من المصالح تمتد بين الاقتصاد والسياسة، منها وجود شركات كبرى مثل نيوم العقارية في خلفية المشهد ما يعزّز الشكوك بأن الحزب ليس سوى واجهة لإعادة تدوير النخب المهيمنة، وهذه الخلفية تجعل الحزب أقرب إلى كيان يعيد إنتاج مراكز النفوذ القديمة، بدلاً من أن يكون منصة سياسية مستقلة تمثل مختلف أطياف المجتمع. وعلى الرغم من أن البيان التأسيسي للحزب رفع شعارات عن "التعددية" و"لمّ الشمل"، لكن التركيبة الفعلية لقيادته تعكس ارتباطاً وثيقاً بمصادر القوة التقليدية.

ويعزز هذه الشكوك بصورة واضحة ما قاله واحد من أبرز أسماء الهيئة التأسيسية للحزب، ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، وهي التابعة مباشرة لرئاسة الجمهورية، من أن "هذا الحزب ليس موالاة ولا معارضة، وليس مدرسة فكرية واحدة"، ويعكس إطلاق الحزب تحت شعار "مصر للجميع"، محاولة لتقديم صورة جامعة وشاملة، لكن هذه الصورة تتناقض مع حقيقة أن معظم مؤسسي الحزب شخصيات تنفيذية وبيروقراطية تفتقر إلى الخبرة السياسية.

"الجبهة الوطنية" والتنوع الظاهري

وعلى الرغم من غياب اسم إبراهيم العرجاني، رجل الأعمال السيناوي ورئيس اتحاد القبائل العربية، عن الهيئة التأسيسية للحزب، تشير المعلومات إلى أنه لا يزال الممول الرئيسي والممثل للجهة التي تدير الحزب. وبحسب مصادر، تم حذف اسم العرجاني الأب من قائمة المؤسسين قبل أيام من الإعلان الرسمي عن الحزب، كما تم اتخاذ قرار بعدم حضوره مؤتمر التأسيس، في محاولة لتجنب الانتقادات التي رافقت ظهوره خلال اجتماع تأسيسي سابق، وتمثيله بابنه الطيار عصام العرجاني.

وتُظهر أسماء الهيئة التأسيسية لـ"الجبهة الوطنية" تنوعاً ظاهرياً في الخلفيات المهنية والقطاعات التي يمثلها أعضاؤها، فتضم القائمة شخصيات من مختلف المجالات، مثل السياسة والإعلام والفن والأعمال. وعلى الرغم من محاولات الحزب تقديم صورة جامعة تمثل "الجميع"، فإن اختيار الأسماء يعكس في كثير من جوانبه تعارضاً مع فكرة الاستقلالية والتعددية التي يشير إليها الحزب في بيانه التأسيسي. أحد الأسماء التي أثارت انتقادات واسعة هو الصحافي عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق، التي تُعرف بأنها واحدة من الصحف القليلة التي حافظت، نسبياً، على صورة الاستقلالية في المشهد الإعلامي المصري.

إلى جانب عاصم الجزار، تضم الهيئة التأسيسية لـ"الجبهة الوطنية" أسماء بارزة ترتبط بشكل مباشر بالنظام التنفيذي والسيادي في مصر. هذا التركيب يعكس محاولة الحزب توسيع قاعدته من خلال ضم شخصيات معروفة، لكنها أيضاً تكشف عن افتقار الحزب لشخصيات جديدة ومستقلة تحمل رؤى مغايرة، ما يجعل المشهد أقرب إلى "تدوير النخب". ووجود شخصيات من قطاع الرياضة والفن، مثل طاهر أبو زيد، وزير الرياضة السابق، وأشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية، يعزز الانطباع بأن الحزب يحاول الاستفادة من شعبية هذه الشخصيات في مجالاتها المهنية بدلاً من الاعتماد على خبراء سياسيين أو ناشطين ذوي خبرة عملية في العمل الحزبي.

تأسيس "الجبهة الوطنية" يأتي بديلا عن "مستقبل وطن"، الذي يعاني من فقدان الثقة الشعبية به

من زاوية أخرى، يبرز غياب الأسماء التي تمثل فئات مجتمعية أو تيارات سياسية مستقلة، وعلى الرغم من اعتماد الحزب شعار "مصر للجميع"، فإن التمثيل يبدو منحصراً في شخصيات بيروقراطية أو ذات علاقات وثيقة بمؤسسات الدولة. ووفقاً لمصادر مطلعة، جاء تأسيس الحزب الجديد بديلا عن "مستقبل وطن"، الذي عانت سمعته في الشارع المصري بسبب ارتباط صورته برجال الأعمال، وهو ما أدى إلى فقدان الثقة الشعبية.

التغييرات لم تقتصر على الأحزاب، بل امتدت إلى أدوار أجهزة أخرى، ووفق الترتيبات الجديدة، يتراجع نفوذ بعضها نسبياً في الملفات الداخلية مثل الإعلام والأحزاب، مع التركيز على الملفات الخارجية، مما يعيد رسم خريطة التأثير بين الأجهزة المختلفة.

تعميق للأزمة السياسية في مصر؟

وقال الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري أحمد بهاء الدين شعبان، لـ"العربي الجديد"، إن الحزب الجديد يفتقر إلى كوادر ذات خبرة سياسية حقيقية، مؤكداً أن أغلب قياداته، وعلى رأسهم إبراهيم العرجاني، لم يكن لهم نشاط وطني ملموس. وأوضح أن وجود شخصيات متهمة بقضايا مالية أو أدوار مشبوهة يُبرز غياب الوعي الحقيقي بدور الأحزاب السياسية في حل مشكلات المجتمع. كما رأى أن الحزب يعمّق الأزمة السياسية في مصر بدلاً من تقديم حلول، محذراً من أن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى لحظات اختناق اجتماعي وسياسي، لأن الشعوب، على حد قوله، ليست ساذجة وقد تصبر طويلاً، لكنها تدرك الواقع أكثر مما يُظن.

عمرو هاشم ربيع: تأسيس "الجبهة الوطنية" يعكس محاولة السلطة لتجديد الوجوه السياسية

من جهته، اعتبر المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية، عمرو هاشم ربيع، أن تأسيس "الجبهة الوطنية" يعكس محاولة السلطة لتجديد الوجوه السياسية بعد تراجع حزب "مستقبل وطن" عن الهيمنة. وأشار في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن صعود إبراهيم العرجاني، من دوره الأمني في سيناء إلى شريك اقتصادي بارز، يعكس تحولاً في استراتيجية النظام نحو الاعتماد على وجوه جديدة مثل العرجاني والقبائل العربية. وأضاف أن الحزب يأتي بمثابة ذراع سياسية لهذه الفئات، ضمن استعدادات النظام للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لكنه شدد على أن هذا التوجه لا يبتعد عن ممارسات قمعية، مثل القوانين المقيدة للحريات وقوائم الإرهاب.
وربط ربيع هذه التغييرات بخروج اللواء عباس كامل من المشهد، ما يُظهر إعادة تشكيل أدوات السلطة السياسية لتحقيق أهدافها المستقبلية، لكنه أشار إلى أن هذه التحركات قد تتضمن تعديلات دستورية محتملة، على الرغم من التناقضات القائمة مع النصوص الحالية، مما يثير الشكوك حول إمكانية تحقيق تغيير سياسي حقيقي أو فتح المجال العام بشكل جوهري.

المساهمون