تفاقمت المعركة الدبلوماسية الصينية الأوروبية، اليوم الثلاثاء، والتي كان قد فجّرها قرار الاتحاد الأوروبي، بفرض عقوبات على مسؤولين صينيين أمس الإثنين، بسبب الانتهاكات الصينية بحق أقلية الإيغور في منطقة شينجيانغ، أقصى غرب البلاد. وبعدما ردت بكين بالمثل، فارضة عقوبات على مسؤولين أوروبيين، واصلت اليوم انتقاداتها وإجراءاتها ضد القرار الأوروبي، عبر سلسلة مواقف، من استدعاء سفير الاتحاد الأوروبي، وصولاً إلى التنديد بـ"أكاذيب" و"معلومات خاطئة" تتعرض لها، بينما كانت دول أوروبية بدورها تستدعي سفراء الصين لديها. وانعكست العقوبات الغربية على الصين "تقوية في العلاقات" بين بكين وموسكو، بحسب ما أشارت إليه تصريحات وزيري خارجية الصين وانغ يي، وروسيا سيرغي لافروف، اللذين أظهرا خلال اجتماع اليوم وحدة في المواقف، بوجه أوروبا والولايات المتحدة.
وبحسب دراسات لمعاهد أميركية وأسترالية، فإن نحو مليون شخص على الأقل من الإيغور وضعوا في مخيمات في منطقة شينجيانغ الصينية وبعضهم فرض عليه "العمل القسري" و"عمليات تعقيم". ورداً على ذلك، فرض الاتحاد الأوروبي أمس الإثنين عقوبات على أربعة قادة صينيين سابقين أو حاليين في شينجيانغ وهم شين مينغو، مدير مكتب الأمن العام في الإقليم، ووانغ جانشينغ، نائب سكرتير لجنة الحزب الشيوعي الصيني في منطقة شينجيانغ وسكرتير الحزب في هيئة البناء والإنتاج في الإقليم، ووانغ مينغشان، وهو أيضاً مسؤول بارز في الحزب في الإقليم، بالإضافة إلى الرئيس السابق للإقليم زو هيلين. وقامت كندا وبريطانيا بالمثل. أما الولايات المتحدة التي تفرض أساساً عقوبات على اثنين من هؤلاء المسؤولين منذ 2020، فقد أضافت الاثنين الآخرين إلى لائحتها وهما شين مينغو ووانغ جانشينغ.
فرضت الصين عقوبات على عشر شخصيات أوروبية، بينها خمسة نواب في البرلمان الأوروبي كلهم بتهمة "نشر أكاذيب"
وردت الصين عبر فرض عقوبات على عشر شخصيات أوروبية، بينها خمسة نواب في البرلمان الأوروبي كلهم بتهمة "نشر أكاذيب". واستهدفت بكين أيضاً أربع مؤسسات أوروبية. وأعلنت بكين اليوم الثلاثاء أنها استدعت "ليلاً" سفير الاتحاد الأوروبي لدى الصين نيكولا تشابويس من أجل "التنديد بأشد العبارات" بالعقوبات الأوروبية التي "تستند إلى أكاذيب ومعلومات خاطئة". وقال له نائب وزير الخارجية، تشين غانغ، إن "الاتحاد الأوروبي غير مؤهل لإعطاء درس للصين في مجال حقوق الإنسان". وأضاف أنّ "الصين تحث الاتحاد الأوروبي على الاعتراف بفداحة خطأه وتصحيحه وإنهاء المواجهة حتى لا يتسبب في مزيد من الضرر للعلاقات الصينية الأوروبية".
كذلك، صعّد وزير الخارجية وانغ يي موقفه خلال لقاء عقده مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في الصين اليوم. وقال وانغ "في الأيام الماضية، تحدثت أقلية من القوى الغربية للتشهير بالصين وانتقادها". وأضاف "لكنها يجب أن تعرف هذا الأمر: لقد ولت الحقبة التي كان بإمكانهم فيها اختلاق قصص أو فبركة كذبة من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للصين". وأظهر وانغ ولافروف وحدة في المواقف خلال اجتماعهما في مدينة قويلين الصينية. ورفض الوزيران ما أطلقا عليه "قنصاً خارجياً" على نظاميهما السياسي.
وخلال اجتماعهما الأولي في مدينة ناننينغ جنوبي الصين مساء الإثنين، اتهم وانغ ولافروف الولايات المتحدة بالتدخل في شؤون الدول الأخرى. وواصل الوزيران ترديد خطابهما الموحد في مؤتمر صحافي اليوم، إذ انتقد وانغ العقوبات المنسقة التي فرضها الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة ضد مسؤولين صينيين. وقال: "يجب على الصين وروسيا أن تتحدا لمعارضة جميع أشكال العقوبات أحادية الجانب. لن يتبنى المجتمع الدولي هذه الإجراءات". واستغل لافروف الفرصة بدوره للتنديد بالعقوبات الغربية على بلاده، فانتقد الاتحاد الأوروبي، قائلاً إنه "دمر البنية التحتية للعلاقات الثنائية، وهو ما كان سبباً في تطور أسرع للعلاقات الروسية الصينية". وأوضح لافروف أن روسيا ستكون "مستعدة لإجراء اتصالات لإنماء التعاون مع الاتحاد الأوروبي عندما ترى بروكسل ضرورة لإزالة الخلل في العلاقات الثنائية. وحتى الآن ليست هناك تغييرات لدينا على الجبهة الغربية، وفي الشرق، لدينا من وجهة نظري، أجندة مكثفة جداً تزداد ثراء عاماً بعد عام". كذلك اتهم لافروف الولايات المتحدة بالتأثير على سياسات الدول الأخرى.
انتقد لافروف الاتحاد الأوروبي، قائلاً إنه دمر البنية التحتية للعلاقات الثنائية، وهو ما كان سبباً في تطور أسرع للعلاقات الروسية الصينية
في المعسكر الغربي، كانت أوروبا تواصل احتجاجها على تصرفات بكين وإجراءاتها. وفي السياق، استدعت وزيرة الخارجية البلجيكية صوفي ويلمز، اليوم، إلى مكتبها، السفير الصيني في بلجيكا ساو تجونغمينغ، بعد قرار بكين بفرض عقوبات على عشر شخصيات أوروبية، بينها نائب بلجيكي يُدعى سامويل كوغولاتي، كما أفاد مصدر حكومي لوكالة "فرانس برس". وكان كوغولاتي قدّم الشهر الماضي اقتراح قانون للبرلمان البلجيكي لاعتبار ما تمارسه بكين حيال الإيغور "جريمة إبادة جماعية". كذلك، استدعت وزارة الخارجية الفرنسية السفير الصيني المعتمد لديها في باريس، لو شاي، وتم إبلاغه بسلسلة "مآخذ" عقب تصريحات ضد باحث وبرلمانيين فرنسيين. وذكرت الخارجية أنه "بناء على طلب وزير الخارجية جان إيف لودريان، استدعينا هذا الصباح السفير لو شاي لإبلاغه بجميع مآخذنا عليه". وتوالت تصريحات السفارة في الأيام الأخيرة ضد أنطوان بونداز، الخبير في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية إذ نعتته بأنه "بلطجي صغير" و"ضبع مجنون" و"قزم عقائدي" وانتقدت مواقفه "المناهضة للصين". كذلك أعلن السفير لو شاي أنه "يعارض بشدة" نية البرلمانيين الفرنسيين زيارة تايوان. وأبلغ مدير قسم آسيا في الخارجية الفرنسية، برتراند لورثولاري، السفير الصيني، أن "أساليب السفارة ونبرة اتصالاتها العلنية غير مقبولة إطلاقاً وتتخطى جميع الحدود المسموحة للسفارة، أينما وجدت".
كذلك استدعى وزير الدولة في وزارة الخارجية الألمانية ميغيل بيرغر، السفير الصيني في برلين وين كين، "لإجراء محادثات طارئة" بعد قرار بكين فرض عقوبات على أوروبيين، كما أفاد مصدر وزاري وكالة فرانس برس. واعتبر وزير الدولة أمام السفير أن هذه العقوبات "تلقي بثقلها بدون فائدة على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين"، وطلب باسم حكومته أن يتم إلغاء هذا القرار "على الفور". وكانت أستراليا ونيوزيلندا قد رحبتا، بفرض عقوبات على المسؤولين الصينيين.
(العربي الجديد، فرانس برس، أسوشييتد برس، رويترز)