التهجير يطاول أراضي المجموعات القبلية المساندة للجيش في سيناء

01 ديسمبر 2022
قوات مصرية في رفح على حدود غزة، 2014 (رحيم خطيب/الأناضول)
+ الخط -

تشهد مناطق جنوب رفح، في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، منذ أيام عدة، تجمعات ليلية لمئات المواطنين البدو من سكّان المنطقة، وهم المكون الأساسي للمجموعات القبلية التي ساندت الجيش المصري في طرد تنظيم "داعش" (تنظيم "ولاية سيناء") من مدن رفح والشيخ زويد خلال الأشهر الماضية، بعد سنوات من عدم قدرة الجيش على حسم المعركة. ويشارك المواطنون البدو في التجمعات، للتعبير عن رفضهم للإجراءات التي تتخذها قوات الجيش تمهيداً لتهجيرهم من قراهم التي يعيشون فيها منذ عشرات السنين.

إجراءات لطرد البدو في جنوب رفح

وقالت مصادر قبلية في جنوب رفح، لـ"العربي الجديد"، إن إجراءات بدأت منذ شهر لطرد السكّان البدو العائدين إلى قراهم بعد الانتهاء من وجود "داعش" فيها. وكان أبرز تلك الإجراءات، إبلاغ المواطنين أكثر من مرة بضرورة إخلاء المنطقة، وكذلك منع مصانع الطوب من العمل، وحضور لجان لترقيم المنازل المتبقية في المنطقة، ومنع الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه الصالحة للشرب من الوصول. وكان آخر تلك الإجراءات، إغلاق الطريق المؤدية إلى منطقتي المهدية ونجع شيبانة جنوب رفح.

إجراءات الجيش الجديدة تعني عملياً توسيع المنطقة العازلة في رفح لتشمل المناطق الجنوبية منها

وأضافت المصادر ذاتها، التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها، أن ما جرى يعني عملياً توسيع المنطقة العازلة في مدينة رفح لتشمل المناطق الجنوبية منها، التي ليس لها اتصال جغرافي بقطاع غزة.

وكان قطاع غزة سبباً في إقامة المنطقة العازلة في عام 2014، لإنهاء ظاهرة الأنفاق التي كانت ممتدة بين غزة وسيناء، إبان الحصار الإسرائيلي على القطاع. أما المناطق الجديدة التي يجري التضييق عليها وطرد سكانها، فهي بحسب المصادر، على تماس مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول هذه الخطوة التي من شأنها تفريغ المنطقة من سكانها الأصليين.

"منطقة آمنة" بلا مصريين

وأوضحت المصادر ذاتها أن الخريطة الجغرافية في شمال سيناء، باتت تتضح مع مرور الوقت أكثر فأكثر، حيث إن المنطقة الواقعة داخل الجدار الذي أقيم على الحدود الغربية لمدينة رفح، ستكون بلا سكّان مصريين نهائياً في غضون أسابيع.

وهذا الجدار كان تمّ تشييده خلال السنوات الماضية من قبل الجيش المصري، ليفصل مدينة رفح والقرى الجنوبية فيها عن بقية محافظة شمال سيناء. وشمل إنشاء الجدار شقّ طريق جديد متفرع من الطريق الدولي الممتد من معبر رفح البري الواصل إلى قطاع غزة وحتى قناة السويس، ستكون الحركة محصورة من خلاله.

وكتب الشيخ إبراهيم أبو عليان، أحد أبرز مشايخ جنوب رفح عبر صفحته على "فيسبوك": "سيقف التاريخ طويلاً عند هذه المحطة من تاريخ منطقتنا وسيكتب عمّن مِن الساسة والنواب والشخصيات العامة والكيانات السياسية يسير مع البوصلة الوطنية وسيذكر أيضاً من التفت منهم، اللهم لا تجعلنا من الملتفتين".

وكان أبو عليان من المنظّمين للجلسات الليلية الرافضة لقرار إغلاق الطرق المؤدية إلى نجع شيبانة والمهدية ومناطق جنوب رفح، وكذلك كل الإجراءات التي تمّت خلال الفترة الماضية بهدف إجبار المواطنين على ترك القرى التي عادوا إليها أخيراً.

وتعقيباً على ذلك، قال أحد مشايخ قرية نجع شيبانة، لـ"العربي الجديد"، إن المواطنين في قرى جنوب رفح الذين تخطوا كل الصعاب، وتحملوا كل الأذى على مدار سنوات طويلة من المعارك بين الجيش وأبناء القبائل وتنظيم "داعش"، ما كان يجب أن يُهددوا بوجودهم على الأرض التي دفعوا من دمائهم وأعمارهم كي تعود مصرية خالصة، لا موضع قدم لـ"داعش" فيها.

وأوضح المصدر: "تلقينا اتصالات عدة من قيادات عسكرية تشير إلى قرارات بإغلاق الطرق ومنع الحركة من قريتي شيبانة والمهدية وإليهما كإجراء مؤقت، بالتزامن مع وفود ولجان حصر للمنازل المتبقية في المنطقة، ووضع علامات تحمل أرقاماً في نطاق المنطقتين، تشابه النقاط الدولية التي تحدد بها كل الحدود المصرية مع الجوار". ورأى أن هذه الإجراءات "تمهد إلى إنهاء وجود المدنيين في المنطقة العازلة التي جرى توسيع دائرتها خلال الأيام الماضية".

غالبية المشاركين في الفعاليات لا يزالون يحملون السلاح، ويحتفظون بسيارات الدفع الرباعي التي شاركوا فيها بطرد "داعش"

وأضاف الشيخ القبلي أن مسؤولي المجموعات القبلية التي وقفت جنباً إلى جنب مع الجيش المصري حاولوا الاتصال بمسؤولين في جهازي المخابرات العامة، والحربية، إلا أن جزءاً من اتصالاتهم باء بالفشل، والآخر من دون رد واضح وجلّي على مصير السكان في المناطق سابقة الذكر. وشرح أن هذا الأمر، استدعى أن يتجه بعضهم إلى الكتابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والدعوة المفتوحة إلى المزيد من الاعتصامات والمبيت في المناطق المهددة بالإخلاء.

وأشار الشيخ القبلي، إلى أن غالبية المشاركين في هذه الفعاليات هم من الذين لا يزالون يحملون السلاح، ويحتفظون بسيارات الدفع الرباعي التي شاركوا فيها بطرد "داعش". كما لفت إلى أن هناك وعوداً شفوية باستمرار السماح بوجود السكان في المنطقة، على الرغم من الإجراءات التي تمّ اتخاذها خلال الفترة الماضية.

مبادرات فردية ومحاربة "داعش"

وكان سكّان قرى جنوب رفح قد أعادوا الحياة لقريتهم بمبادرات فردية، وكان بناء مدرستين لطلاب وطالبات المنطقة من بين المبادرات، في ظلّ تأخر الجهات الحكومية في معالجة آثار مكافحة الإرهاب، وتوفير أساسيات الحياة للمواطنين العائدين إلى قراهم التي هجروا منها قبل سبع سنوات. وشمل ذلك أيضاً صيانة آبار المياه وحفر أخرى، وتوصيل خطوط كهرباء مؤقتة، وإصلاح خطوط الاتصالات.

وكانت "العربي الجديد" قد كشفت في مارس/آذار 2022، عن خطة عسكرية وأمنية جديدة ينفذها تشكيل قبلي جديد، وتهدف إلى طرد تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش"، من القرى القريبة من الحدود المصرية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، جنوب مدينة رفح.

وأكد مصدر المعلومات آنذاك أن الاتحاد يسعى حالياً للسيطرة على مناطق تعتبر معاقل لـ"داعش" ولم تتم السيطرة عليها منذ عام 2014، وهي الجورة والعجراء والكيلو 17 ونجع شيبانة والمهدية، وهي عبارة عن مجموعة قرى متسلسلة بجوار بعضها. وكان التنظيم يقطع الطريق الواصل بين منطقة البرث في جنوب رفح باتجاه الجورة وجنوب الشيخ زويد.

وبينما يلاحق الوجود البدوي في مناطق جنوب رفح، يتمدد تنظيم "ولاية سيناء" في المناطق الغربية من سيناء، حيث بات ينشط في مناطق جلبانة والقنطرة شرق التابعتين لمحافظة الإسماعيلية، ويشن هجمات نوعية من حيث الحجم والمكان، والتي تقع جميعها ضمن حرم قناة السويس ذات القيمة الاستراتيجية لمصر اقتصادياً وأمنياً.

إلا أن خطر "داعش" في تلك المناطق، لم يكن كافياً لإعادة التفكير مجدداً في شكل التعامل مع مواطني سيناء، الذين تمكنوا من تحقيق إنجازات حقيقية وملموسة في طرد "داعش" من شرق سيناء، ليجد محطة جديدة يلجأ إليها في الغرب الذي قد تحتاج فيه المؤسسة الأمنية والعسكرية مجدداً للمكون البدوي في ملاحقة التنظيم.

المساهمون