التعديل الحكومي في الجزائر... تهميش الأحزاب الموالية ولجم البرلمان

10 سبتمبر 2022
جدد تبون ثقته برئيس الحكومة أيمن عبد الرحمن (Getty)
+ الخط -

لم يحمل التعديل الحكومي الجديد في الجزائر، والخامس من نوعه منذ تعيين الحكومة الحالية في يوليو/تموز 2021، تغييرات كبيرة ومهمة في المناصب والوزارات السياسية. لكنه حمل في المقابل جملة من الرسائل السياسية للداخل وللقوى الحزبية، أبرزها تجديد الثقة برئيس الحكومة أيمن عبد الرحمن، بعد فترة من الجدل حول مصيره وحكومته، وإعلان دعمه من قبل الرئيس عبد المجيد تبون قبل امتحان عسير له أمام البرلمان خلال أيام، وهو ما سيلجم النواب إزاء انتقاده.

كذلك، كرّس التعديل مزيداً من استبعاد الأحزاب ولا سيما الموالية، من الحكومة، وأبرز تجاهل الرئاسة لمطالبها، وكشف عن استمرار الضبابية في هيكلة الحكومة، من خلال مزيد من الدمج بين الوزارات فضلاً عن إلغاء أخرى.

تغييرات حكومية في الجزائر أقل من المتوقع

ولم يكن التغيير الحكومي مفاجئاً، إنما المفاجئ كان حجم التغيير الذي جاء أقل بكثير من المتوقع. فباستثناء وزارة الداخلية، لم يكن للتعديل الوزاري أي عناوين سياسية، بعد تعيين وسيط الجمهورية (هيئة وساطة لحل المشكلات الإدارية) إبراهيم مراد وزيراً للداخلية، خلفاً لكمال بلجود الذي عُيّن وزيراً للنقل.

ولعل التغيير الأبرز كان عودة من الباب الواسع لأحد ضحايا عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، المدير السابق للشركة الحكومية للصناعات الدوائية (صيدال)، علي عون، والذي عُيّن وزيراً للصناعة الصيدلانية، بعد فترة عصيبة تمت خلالها ملاحقته قضائياً وسجنه خلال فترة حكم بوتفليقة، بسبب رفضه منح صفقات لابنة وزير فرنسي. ويعدّ تعيينه اليوم إعادة اعتبار لشخصه.

باستثناء وزارة الداخلية، لم يكن للتعديل الوزاري أي عناوين سياسية

كما تم تعيين المدير العام لشركة البنى التحتية والمنشآت والأشغال الكبرى "كوسيدار"، والتي تم تصنيفها قبل أيام من قبل إسرائيل كمؤسسة داعمة للمقاومة، لخضر رخروخ، وزيراً للري والأشغال العمومية، فضلاً عن تعيين كمال بيداري وزيراً للتعليم العالي، قبل أيام قليلة من بدء العام الجامعي الجديد.

وشمل التغيير الحكومي تنحية وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد، والذي قاد المعركة ضد فيروس كورونا في ظرف عصيب، وعُيّن خلفاً له الأمين العام للوزارة نفسها، عبد الحق سايحي، فيما أعلن عن استدعاء بن بوزيد لمهام أخرى، إذ يُرجح تعيينه في منصب رئيس وكالة الأمن الصحي.

وتفادى الرئيس تبون إحداث تغييرات كبيرة قبيل استحقاق الدخول الاجتماعي (عودة الطلاب إلى مدارسهم والموظفين إلى أعمالهم عقب العطلة، وهو ما يشكل امتحاناً للحكومة الجزائرية لما يحمله من ملفات اجتماعية واقتصادية تثيرها الأحزاب والنقابات) والقمة العربية المقبلة.

وقبل التعديل الوزاري المعلن عنه أول من أمس الخميس، كان تبون قد أجرى أربعة تعديلات على حكومة أيمن عبد الرحمن. ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أجرى الرئيس الجزائري تعديلاً حكومياً طفيفاً، شمل وزارات الاتصال والعمل والزراعة.

وفي شهر فبراير/شباط الماضي، تم إنهاء جمع رئيس الحكومة أيمن عبد الرحمن بين منصبه ومنصب وزير المالية، وأعيد تعيين عبد الرحمن راوية وزيراً للمالية قبل أن تتم إقالته مجدداً في 14 يونيو الماضي. كما كان تبون قد أجرى تغييرات شملت وزارتي النقل والثقافة في مارس/آذار الماضي.

رسائل سياسية للداخل وللأحزاب الجزائرية

وعلى الرغم من أن الإعلان عن التغييرات الوزارية السابقة، تم في بيانات مكتوبة، فإن تعمُّد الرئاسة إعطاء أهمية للتعديل الجديد الذي لا يختلف من حيث عدد الوزارات التي تم تغييرها عن التعديلات السابقة ومن حيث أهميتها، والإعلان عبر التلفزيون الحكومي قبل دقائق من الكشف عن التعديل، عن مؤتمر صحافي مرتقب للناطق باسم الرئاسة، هو أمر مرتبط بالأساس بتوجيه رسالة سياسية للداخل.

وتتضمن هذه الرسالة التأكيد على تجديد ثقة الرئيس تبون برئيس الحكومة أيمن عبد الرحمن، بعد سلسلة من التخمينات والتقارير التي تحدثت عن إمكانية استبعاده من منصبه، وتعيين وزير الداخلية السابق كمال بلجود أو وزير البيئة السابق شريف رحماني في منصبه. هذا بالإضافة إلى تجديد الثقة في باقي الطاقم الحكومي، على الرغم من سلسلة مطالبات من قبل أحزاب سياسية، من المولاة والمعارضة، باستبعاد عدد من الوزراء.

مطالب أحزاب الحزام الحكومي للرئيس تبون باستبعاد بعض الوزراء بعينهم، لم يستجب لها الرئيس

ويرتبط الاهتمام الذي خصصته الرئاسة لهذا التعديل أيضاً، بتوقيت سياسي، يخص قرب عرض الحكومة لبيان السياسة العامة (الحصيلة السنوية) أمام نواب البرلمان، ما يعني دفع الأغلبية النيابية التي تتبع أحزاب الحزام الحكومي، إلى التعامل الإيجابي مع حصيلة عمل الحكومة ومخرجاتها، على الرغم من سلسلة الأزمات التي شهدتها البلاد خلال العام الماضي.

وأعلن بيان لمجلس الحكومة، الأربعاء الماضي، أن رئيس الحكومة أيمن عبد الرحمن سيعرض على البرلمان في الأيام المقبلة بيان السياسة العامة للحكومة، وفقاً للمادة 111 من الدستور، والتي تلزم الحكومة بعرض بيان سنوي عن عملها على النواب، مع إمكانية أن يبادروا بلائحة ملتمس رقابة (سحب الثقة من الحكومة).

وما هو لافت في التعديل الوزاري الجديد، استبعاد تبون للأحزاب السياسية وكوادرها من اختياراته، إذ لا يُحسب أي من الوزراء الأربعة الجدد على أحزاب سياسية بصورة مباشرة، فيما تم الاستناد إلى الجانب التقني في الاختيارات.

ويعني هذا أن الأحزاب السبعة الداعمة للحكومة وللرئيس تبون، لم تكن معنية بهذا التعديل الوزاري، بل إن مطالب أحزاب الحزام الحكومي، منذ مدة، للرئيس تبون باستبعاد بعض الوزراء بعينهم، وفي مقدمتهم وزيرا التجارة كمال رزيق، والصناعة أحمد زغدار، لم يستجب لها الرئيس، بل عمل على تجديد الثقة في هؤلاء الوزراء.

ويشير التعديل الوزاري الجديد إلى مشكلات هيكلية في تصوّر السلطة السياسية لشكل بعض القطاعات الوزارية، وإلى ضبابية في إدارة بعض القطاعات بالغة الحيوية كالطاقات المتجددة، إذ حمل التعديل دمجاً جديداً لبعض الوزارات، وإلغاء لأخرى.

فقد أُلغيت وزارة الطاقات المتجددة، وتم إلحاقها بوزارة البيئة التي تشرف عليها سامية موالفي، على الرغم من الأهمية القصوى محلياً ودولياً لقطاع الطاقات المتجددة. وأصبحت وزارة اقتصاد المعرفة، مستقلة، بعدما كانت ملحقة برئيس الحكومة، وبات على رأسها ياسين المهدي وليد. وأُدمج مع وزارة اقتصاد المعرفة، قطاع المؤسسات الصغيرة، بعدما ألغيت الوزارة المنتدبة للمؤسسات الصغيرة.

تباين مواقف الأحزاب الجزائرية من التعديل الحكومي

وتباينت مواقف الأحزاب الجزائرية؛ الموالية والمعارضة، من هذا التعديل الوزاري، خاصة لناحية توقيته السياسي. وقال القيادي في حركة "مجتمع السلم"، ورئيس كتلتها النيابية في البرلمان، أحمد صادوق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هذا التعديل يأتي قبل عرض بيان السياسة العامة للحكومة على البرلمان، بينما كان يفترض أن يتم انتظار تقييم الحكومة من قبل المؤسسة الرسمية للتقييم، وهي البرلمان الذي له حق الرقابة، قبل هذه الخطوة".

أحمد صادوق: هناك دائماً استفراد للسلطة التنفيذية بالقرار

وأضاف "لكنْ هناك دائماً استفراد للسلطة التنفيذية بالقرار، والتي أعلنت عن التعديل الذي يشبه الضربة الاستباقية، مع أننا لا ندري حتى الآن ما هي الأسس والمقاييس التي تم اعتمادها لإقالة بعض الوزراء وتعيين آخرين مكانهم، وهل الكفاءة والإنجاز من بينها، علماً أن هناك وزراء ثبت فشلهم للجميع ومع ذلك يتمسك بهم الرئيس".

وتابع أنه "في كل تغيير حكومي، هناك مزيد من استبعاد التمثيل السياسي للأحزاب من جهة، وإلغاء ودمج لوزارات من جهة أخرى، وهذا يؤكد غياب الرؤية في التوجه والأولويات الحكومية".

لكن قيادات أحزاب الموالاة والحزام الحكومي، امتصت التعديل على مضض، خاصة وأنه لم يحمل أي تغيير وفقاً لما كانت تتوقعه ولمطالبها السابقة. وقد اعتبر بعضها أن هذا التعديل لم يكن ذا طابع سياسي، وأشادت ببعض الاختيارات الجديدة.

وفي السياق، قال المتحدث باسم "التجمع الوطني الديمقراطي"، صافي لعرابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "التعديل لم يمس الوزارات السيادية والسياسية، في مؤشر على أن التغيير الموسع لم يحن وقته بعد، وأن رئيس الجمهورية يراهن على عامل الوقت ليتمكن من التقييم المطلوب للأداء الحكومي. كما أنه يتيح للحكومة متسعاً من الوقت لإنهاء الملفات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرف بطئاً، وقد مسّ التعديل وزارات تقنية بالأساس لتحريك الملفات العالقة، وهو ما يتيح للحكومة عرض بيان سياستها العامة على البرلمان".

وأضاف "نعتبر أن تعيين وسيط الجمهورية وزيراً للداخلية، من شأنه تفعيل ملفات الاستثمار المحلي وتحريك عجلة التنمية المحلية، بالنظر إلى الحصيلة الإيجابية لإبراهيم مراد في رفع التجميد عن ملفات استثمارية خلال إشرافه على وساطة الجمهورية. كما أن دمج وزارات ببعضها يسهم في إنهاء تضارب الصلاحيات وتداخل القطاعات، وبالتالي تدارك التأخر المسجل في هذه الدوائر الحكومية بسبب تلك الوضعية".

المساهمون