منذ فبراير/ شباط الماضي، تواصل الحكومة السودانية تكتمها على كل ما تقوم به من خطوات تجاه التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأمس الإثنين، أحجمت الخرطوم عن تقديم أي معلومات عن زيارة وفد إسرائيلي رغم تأكيدات ومعلومات صادرة من وسائل إعلام إسرائيلية.
واللافت أن السلطة المدنية ممثلة في مجلس الوزراء السوداني، ترُد في الغالب بعبارة واحدة حينما تواجه أسئلة وسائل الإعلام، وهي "أننا لا نعرف" أو "لا معلومة لدينا"، تماماً كما فعل المتحدث الرسمي باسم الحكومة وزير الإعلام فيصل محمد صالح حينما سئل عن زيارة الوفد الإسرائيلي، حيث نفى علمهم في مجلس الوزراء بزيارة وفد إسرائيلي للبلاد، وتأكيده بعدم تنسيق أية جهة في الدولة بشأنها، وعدم علمهم بتكوين الوفد، ولا الجهة التي دعته واستقبلته.
ومن الواضح تماماً أن الوزير يريد إرسال رسالة للرأي العام مفادها بأن هناك جهات تتحرك في موضوع التطبيع لوحدها والإشارة أوضح للمكون العسكري الذي يبدو أكثر تمسكاً في كل الأوقات بتمرير صفقة التطبيع.
وبدأ التعتيم على عملية التطبيع مع إسرائيل منذ اللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان برئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في عنتيبي الأوغندية في الرابع من فبراير/ شباط الماضي. وتواصلت الاتصالات، والتي تتوسط فيها الولايات المتحدة ودولة الإمارات، حتى اللقاء العلني بين البرهان ومسؤولين أميركيين وإسرائيليين في أبوظبي في سبتمبر/ أيلول الماضي، والذي لم تتكرم الحكومة السودانية بتوضيح مخرجاته التي وضحت، أخيراً، عقب إعلان البلدين رغبتهما في التطبيع علانية بواسطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وما أعقب ذلك من مكالمة هاتفية بين البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك مع نتنياهو في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
المكون العسكري هو الذي أشرف على الزيارة بعيداً عن أعين الحكومة المدنية
وحسب المعلومات المتاحة عن زيارة الوفد الإسرائيلي، أمس الإثنين، فإن المكون العسكري هو الذي أشرف على الزيارة بعيداً عن أعين الحكومة المدنية. وكشفت صحيفة "السوداني" في عددها الصادر، اليوم الثلاثاء، أن الوفد الإسرائيلي تشكل من ممثلين للجيش والمخابرات، وأنهم قابلوا نظراءهم في الجانب السوداني من دون لقاء أي من المسؤولين السياسيين.
كذلك أشارت المعلومات إلى أن الوفد الإسرائيلي ترأسه رئيس مجلس الأمن القومي مئير بن شبات وأن المناقشات تركزت حول قضايا أمنية بحتة تمهيداً لإنشاء علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين، وهو أمر باعتقاد مراقبين ما زال يواجه إلى حد ما عقبة رفض أحزاب وتيارات حاكمة في السودان لفكرة التطبيع، وتقترح ترك الموضوع برمته للمجلس التشريعي المزمع تشكيله في الأسابيع المقبلة، على أن تغض تلك الأحزاب حالياً الطرف على أي تعاون بين البلدين لا يصل حدود الاعتراف بالكيان الصهيوني، وذلك حتى لا يؤدي إلى أي تأخير في هذا الجانب عن تراجع الولايات المتحدة عن خطواتها بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعدما وضعت التطبيع شرطاً من شروط الإزالة.
من جهتها، توقعت صحيفة "حكايات" السودانية أن يقوم السودان بإرسال وفد مماثل، اليوم الثلاثاء، إلى تل أبيب لاستكمال عملية التفاوض بين الطرفين. ونقلت الصحيفة عن مصادرها أن المفاوضات قطعت شوطاً بعيداً في مسألة إكمال التطبيع.
توقعت صحيفة "حكايات" السودانية بأن يقوم السودان بإرسال وفد مماثل، اليوم الثلاثاء، إلى تل أبيب
ويثير التعتيم الإعلامي على ما يدور في موضع التطبيع مع إسرائيل غضباً واسعاً داخل تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" الحاكم في السودان حيث يعارض كثير من أحزابه خطوات التطبيع، وبحسب مصدر تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن أروقة التحالف تشهد، منذ الأمس، تحركات جدية تطالب الحكومة وتشدد عليها بمصارحة ومكاشفة الشعب أولاً والتحالف عما يدور. ولم يستعبد المصدر أن يعقد المجلس المركزي للحرية والتغيير اجتماعاً خلال الساعات المقبلة لاتخاذ قرار ملزم للحكومة بوقف كل إجراءات التطبيع إلى حين تشكيل المجلس التشريعي.
وفي الشأن، يرى الأمين السياسي لحزب "المؤتمر الشعبي" المعارض، إدريس سليمان، أن التعتيم الإعلامي على تحركات التطبيع يؤكد الريبة وإدراك القائمين عليه رفض الشعب السوداني لفكرة التطبيع وأن موقف السودان كدولة وكشعب المساند للقضية الفلسطينية لا يمكن التزحزح عنه لأنه موقف يقوم على أساس تاريخي وإنساني وعقدي وديني ومصلحي وأن أي موقف غير ذلك ضد المصلحة الوطنية العليا للسودان.
وأوضح سليمان، لـ"العربي الجديد"، أن طبيعية الوفد الإسرائيلي الذي زار السودان مخابراتية، ما يدحض ترويج الحكومة لوجود مصالح اقتصادية في العلاقة مع إسرائيل، معتبراً أن "الحكومة المدنية حينما تنفي علمها بزيارة الوفد الإسرائيلي تؤكد ما هو مؤكد عن ضعفها وهوانها وعدم قدرتها على إدارة الدولة وإدارة العلاقات الخارجية التي هي جزء أصيل من مهامها بموجب الدستور، بالتالي يحتم عليها ذلك الضعف الاستقالة والتنحّي".
وأعرب عن استغرابه من "إصرار الحكومة على التطبيع رغم السقوط الانتخابي للرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية، والذي كان يدفع عجلة التطبيع من أجل تحقيق مكاسب انتخابية فشل بالأخير في تحقيقها".