دخلت العمليات العسكرية بين جماعة الحوثيين في اليمن، والتحالف السعودي، مرحلة جديدة من التصعيد، عنوانها استعراض القوة من الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة من جهة الحوثيين، والضربات الجوية لـ"التحالف" على مخازن سرية وأهداف ذات ثقل في صنعاء، من جهة أخرى.
وتنذر العمليات الجديدة التي هدد فيها التحالف بإسقاط حصانة منشآت مدنية، على رأسها مطار صنعاء الدولي، بموجة تصعيد غير مسبوقة تتجاوز الخطوط الحمراء وتمتد إلى مناطق مأهولة بالسكّان أو أعيان مدنية. ولا تهدف موجة التصعيد التي دشنها التحالف أخيراً بعمليات استهداف يومية في صنعاء إلى إجبار جماعة الحوثيين على الرضوخ لعملية السلام التي ينادي بها المجتمع الدولي، بقدر ما تهدف إلى حماية الأراضي السعودية من التهديدات الناتجة عن الهجمات العابرة للحدود.
استخدمت العملية الحوثية الجديدة 25 مسيّرة مفخخة، وهو عدد غير مسبوق في كافة هجمات الجماعة
الحوثيون يردّون على الضربات السعودية
وبعد أيام من الاكتفاء بتلقي الضربات التي طاولت هذه المرة أهدافاً ومواقع سرية حقيقية في الأطراف الشمالية للعاصمة صنعاء، بدأت جماعة الحوثيين الرد بالمثل و"مواجهة التصعيد بالتصعيد"، وفقاً لما أعلنه متحدثها العسكري، يحيى سريع، بعد الإعلان عن عملية عسكرية واسعة وغير مسبوقة في العمق السعودي، أمس الثلاثاء، وأُطلق عليها اسم "السابع من ديسمبر". وتبنّى الحوثيون عملية بدأت ليل الإثنين واستمرت حتى فجر الثلاثاء، وضربت أهدافاً في 6 مدن سعودية، هي الرياض وجدة والطائف وجازان ونجران وعسير، وذلك بدفعة من الصواريخ البالستية، لم يحدد عددها، فضلاً عن 25 طائرة مسيّرة مفخخة، وهو عدد غير مسبوق في كافة عمليات الجماعة الهجومية.
ووفقاً للمتحدث العسكري الحوثي، فقد تم إطلاق ست طائرات مسيّرة من طراز "صماد 3" بعيدة المدى وعدد من صواريخ "ذي الفقار" على مقر وزارة الدفاع السعودية ومطار الملك خالد وأهداف عسكرية أخرى في الرياض. لكن التحالف أعلن اعتراض صاروخ بالستي واحد، وقال إن شظايا الاعتراض تناثرت على أحياء سكنية من دون تسجيل أي إصابات في صفوف المدنيين. ونشر ناشطون سعوديون لقطات مصورة تُظهر لحظة اعتراض الصاروخ البالستي المجنح، والذي تلجأ الجماعة عادة إلى إطلاقه برفقة طائرات مسيّرة إلى أهداف بعيدة، من أجل تشويش منظومة الدفاعات الجوية السعودية.
وفي مدينة جدة، أشار المسؤول الحوثي إلى أن ست طائرات مسيّرة من طراز "صماد 2" و"صماد 3" استهدفت قاعدة الملك فهد الجوية في الطائف ومنشآت تابعة لشركة أرامكو النفطية، لكن السلطات السعودية لم تعلن عن أي هجوم طاول منشآتها الاقتصادية. وفي المناطق الواقعة في الحد الجنوبي للمملكة، المحاذية للشريط الحدودي مع اليمن، استخدم الحوثيون أسلحة هجومية قصيرة المدى، على مواقع عسكرية في أبها وجازان وعسير ونجران.
وبحسب المتحدث العسكري للحوثيين، فقد تم إطلاق طائرات مسيّرة من طراز "صماد 1" و"صماد 2" على مواقع عسكرية في مناطق أبها وجازان وعسير، وثماني طائرات من طراز "قاصف كا 2"، فضلاً عن عدد كبير من الصواريخِ البالستية، لم يحدد عددها، على مواقع وصفها بـ"الحساسة والمهمة" في أبها وجيزان ونجران، من دون الكشف عن ماهيتها.
وفي محاكاة للدعوات التي يستبق بها التحالف ضرباته الجوية على صنعاء، دعا سريع كافة المواطنين السعوديين والمقيمين على أراضي المملكة إلى الابتعاد عن المناطق والمواقع العسكرية كونها أصبحت "أهدافاً مشروعة". وتسعى جماعة الحوثيين وكذلك التحالف من وراء إعلانات كهذه إلى القول إن العمليات الهجومية الكبرى تتوافق مع قواعد الاشتباك وقواعد القانون الدولي الإنساني، حتى لا تقع مستقبلاً تحت طائلة المسائلة لانتهاك قوانين الحرب.
وهذه هي العملية الأولى للحوثيين في العمق السعودي منذ 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما تم استهداف مواقع عسكرية في الرياض وجدة وأبها وجازان ومنشآت أرامكو في جدة بعدد من الطائرات المسيّرة فقط، من دون استخدام الصواريخ البالستية. ومنذ تلك العملية، دشن التحالف موجة جديدة من عمليات الاستهداف على مواقع عسكرية للحوثيين في صنعاء، بعضها سرية في حي ذهبان وطاولتها الضربات للمرة الأولى، فضلاً عن مواقع ومخازن للصواريخ البالستية من قاعدة الديلمي العسكرية مرتبطة بمطار صنعاء الدولي.
ضربات جديدة تستهدف صنعاء
وبعد ساعات من انطلاق الهجمات الحوثية ليل أول من أمس، أعلن التحالف، مساء أمس الثلاثاء، تنفيذ ضربات جوية جديدة على أهداف عسكرية في صنعاء. وذكر التحالف أن العملية التي تتوافق مع القانون الدولي، استهدفت "مواقع عسكرية مشروعة"، داعياً المدنيين إلى عدم التجمع أو الاقتراب من المواقع المستهدفة، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس".
يسعى التحالف إلى تحريك عدد من جبهات القتال من أجل إرباك جماعة الحوثيين وتشتيت قدراتها على اجتياح مأرب
وكان التحالف قد أعلن فجر أمس تدمير كهوف جبلية ومخازن سرية للصواريخ البالستية على أطراف صنعاء، فضلاً عن مخازن وورش لتجميع الصواريخ والمسيّرات، داعياً الحوثيين إلى إعادة المنشآت المدنية لحالتها الطبيعية وإخلاء القدرات العسكرية منها، وفقاً لـ"واس".
من جهتها، ذكرت جماعة الحوثيين، أن مقاتلات التحالف شنّت غارتين على حي سعوان السكني في مديرية شعوب، لكن سكاناً محليين أكدوا لـ"العربي الجديد" دوي انفجارات بالقرب من مواقع عسكرية. وقالت المصادر إن أعمدة الدخان شوهدت في محيط مقر دائرة الهندسة العسكرية، والذي يُعتقد أنه يضم مقرات سرية للتصنيع العسكري، فضلاً عن أماكن لصيانة الآليات العسكرية للحوثيين.
وفي السياق، أعلن التحالف تنفيذ 26 عملية استهداف ضد المليشيات الحوثية في محافظتي مأرب والجوف خلال الساعات الـ24 الماضية، وذلك في إطار الإسناد اليومي الذي يقدمه للجيش اليمني. وقال التحالف إن العمليات أسفرت عن مقتل أكثر من 150 من عناصر جماعة الحوثيين، وتدمير 18 آلية عسكرية.
وكانت العمليات الجوية للتحالف قد نجحت بالفعل في تحييد الهجمات الحوثية على العمق السعودي طيلة الأسبوعين الماضيين، بعد شلّ قدرة الجماعة وتدمير طائرات مسيّرة لحظة الإقلاع من قواعدها أو في الأجواء اليمنية قبل وصولها إلى أجواء المملكة.
وأكدت مصادر عسكرية حكومية يمنية وأخرى مقربة من الحوثيين، في أحاديث منفصلة لـ"العربي الجديد"، أن غالبية عمليات التحالف الأخيرة فاجأت الحوثيين، كونها طاولت مخازن سرية في أحياء مأهولة، إذ عملت المليشيا على إفراغ القواعد العسكرية الرئيسية من السلاح الثقيل وقامت بنقلها إلى مستودعات ومواقع بديلة. وأرجعت المصادر التطور السعودي في توسيع بنك الأهداف إلى معلومات استخبارية أميركية حصلت عليها قيادة التحالف، وخصوصاً عقب الاقتحام الحوثي لمقر السفارة الأميركية في صنعاء، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ولا تقف الضربات على أهداف عسكرية في صنعاء كسبب وحيد للغضب الحوثي، إذ صعّد التحالف من غاراته الجوية على تحركات الجماعة في أطراف مدينة مأرب الغنية بالنفط بشكل لافت، وهو ما جعلها تتكبد خسائر بشرية ومادية واسعة.
عمليات التحالف الأخيرة فاجأت الحوثيين، كونها طاولت مخازن سرية في أحياء مأهولة
وأحصت قناة "المسيرة" المتحدثة بلسان الحوثيين نحو 200 غارة طاولت عدداً من المدن اليمنية خلال الأيام الخمسة الماضية، منها 100 ضربة فقط على تحركات الجماعة في أطراف مأرب، ونحو 30 غارة على أهداف عسكرية في صنعاء. وأكد مصدر في الجيش اليمني في محافظة مأرب لـ"العربي الجديد" أن ضربات التحالف لعبت دوراً بارزاً في إحباط الزحف الحوثي نحو مدينة مأرب من اتجاه مديرية الجوبة في الأطراف الجنوبية، وكذلك في صحراء العلم المؤدية إلى حقول النفط في منطقة صافر.
هدف التحالف إرباك الحوثيين
ويسعى التحالف لمواصلة الضغط على جماعة الحوثيين من الأرض، وذلك بتحريك عدد من جبهات القتال من أجل إرباكها وتشتيت قدراتها على اجتياح مدينة مأرب، وخصوصاً بشن عمليات هجومية في شبوة والساحل الغربي. وفيما انحسرت العملية العسكرية التي تم إطلاقها في عسيلان - شبوة مطلع الأسبوع الحالي لم تحقق المواجهات التي تخوضها القوات المشتركة في الساحل الغربي أي نتائج جوهرية حتى اللحظة، سواء في تخفيف الضغط على مأرب أو تحقيق مكاسب ميدانية في أطراف تعز وإب، على الرغم من النزيف البشري في صفوفها.
في غضون ذلك، أعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" الدولية، أمس، أنها عالجت 163 جريح حرب خلال الفترة الممتدة من 8 إلى 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في مستشفى المنظمة الجراحي بمدينة المخا، جرّاء إصابتهم بالشظايا أو الانفجارات، وقالت إن 96 منهم وصلوا في حالة حرجة.