أثارت حادثة وفاة شاب وسحل آخر عارياً، أخيراً، على يد قوات من الأمن، غضباً واسعاً في تونس، وسط دعوات إلى فتح تحقيق سريع ومحاسبة المسؤولين، فيما دعت عمادة المحامين إلى تحرك شعبي للتنديد بـ"القمع البوليسي وحماية الحقوق والحريات، والتنديد بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد".
وعلم "العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ هناك مشاورات مكثّفة بين أحزاب ونواب لبحث تحركات جديدة قد تصل إلى محاولة سحب الثقة من رئيس الحكومة هشام المشيشي، في حين يفكر آخرون في الاعتصام داخل البرلمان.
وحمّلت 43 منظمة حقوقية ومهنيّة، اليوم الجمعة، المشيشي، مسؤولية "الانحراف بالمؤسسة الأمنية"، مؤكدة، في بيان مشترك، أنها "تتابع بانشغال شديد المشهد الصادم والمرعب والإجرامي الذي هزّ وجدان الرأي العام، وأعاد إلى الأذهان صورة القمع الهمجي والممنهج إبان حكم زين العابدين بن علي".
والثلاثاء الماضي، توفي الشاب أحمد بن منصف بن عمار (32 عاماً) عقب إيقافه من أعوان الأمن، في منطقة الجيارة بسيدي حسين غربي العاصمة تونس، بينما شهدت منطقة سيدي حسين السيجومي (الضاحية الغربية للعاصمة التونسية)، أمس الخميس، حادثة تجريد قاصر من كل ملابسه وسحله والاعتداء عليه في الطريق العام من قبل أمنيين، ثم توقيفه.
واجتاحت موجة غضب عارم مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، أمس الخميس واليوم الجمعة، إثر تداول فيديو يظهر 4 عناصر من الشرطة وهم يقومون بخلع ملابس الفتى التونسي، والاعتداء عليه بالعنف، وسحله على الطريق العام.
كما تواصلت الاحتجاجات لليلة الثالثة على التوالي، في حي سيدي حسين، على خلفية وفاة الشاب بعدما أوقفه الأمن. وتجدّدت عمليات الكرّ والفرّ بين شباب الأحياء القريبة، والأمن، ليلة الخميس-الجمعة، مع استعمال مكثف للغاز المسيل للدموع من قبل الوحدات الأمنية التي طوقت الشارع الرئيس، لتفريق المحتجين.
واستنكرت المنظمات الحقوقية، في بيانها، "الممارسات الأمنية الهمجية التي تخطت كل الحدود والمعايير"، مشددة على ضرورة مراجعة جذرية لمفهوم الأمن الجمهوري في تونس وطبيعة الانتقال الديمقراطي بالبلاد.
وشددت المنظمات الموقعة على البيان المشترك، ومنها جمعية "يقظة من أجل الديمقراطية والدولة المدنية"، ومركز "دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان"، و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"، و"الاتحاد العام التونسي للشغل" و"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، على أنّ ما وقع في "الجيارة وسيدي حسين السيجومي ليسا حدثاً فردياً أو معزولاً، بل هما مواصلة لممارسات سادت طيلة سنوات بعد الثورة وعرفت شيوعاً ملحوظا في السنتين الأخيرتين، والتي تمت التغطية عليها من أعلى هرم السلطة رغم تقارير وتوصيات المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية".
وعلى المستوى الشعبي، أكد إبراهيم (30 عاماً)، من سيدي حسين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ المنطقة "تشهد احتقاناً غير مسبوق، مع وفاة الشاب أحمد، والذي تؤكد جل الشهادات تعرضه للعنف الأمني". وأضاف أنّ "ما زاد الاحتقان حادثة تجريد قاصر من ملابسه، الأمر الذي بات غير إنساني ولا أخلاقي".
ورأى إبراهيم أنّ "الإفراط في استعمال القوة تجاه شباب المنطقة غير مبرر"، داعياً إلى محاسبة ممارسيه وإلى التهدئة خشية تسرب الاحتجاجات إلى بقية الأحياء الشعبية.
من جهته، قال رئيس "الرابطة التونسية لحقوق الإنسان"، جمال مسلم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ الرابطة تندد بما حصل في سيدي حسين.
وأشار إلى أنّ الرابطة زارت منطقة سيدي حسين واستمعت إلى عدد من الشهادات، كما أنها التقت بعائلة الشاب المتوفي، وقد أعدت تقريرها عن التجاوزات الأمنية، وسيتم إرساله إلى رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالنيابة هشام المشيشي، وإلى رئيس الجمهورية، قيس سعيد.
وشدد مسلم على ضرورة "وضع حد للاستعمال المفرط للقوة وللغاز المسيل للدموع"، مؤكداً أنه "لا بد من المحاسبة وإبراز توجه وزارة الداخلية واحترام حقوق الإنسان والقانون".
ولفت إلى أنّ "التعنيف والسحل وتجريد شخص من ملابسه غير مقبول، ويحتاج هذا الملف بالذات إلى متابعة خاصة والوقوف عنده"، مبيناً أنّ "قضية الشاب المتوفي أحمد والتي تضاربت الروايات حولها، سيتم كشفها وتقرير الطب الشرعي سيحدد أسباب الوفاة بدقة".
وترى المسؤولة في "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، نجلاء عرفة، أنّ "هناك بعض الأطراف في وزارة الداخلية لا تزال تتعامل مع الشباب باللجوء المفرط للقوة، وليس كأمن جمهوري".
ولفتت إلى أنّ "الشاب أحمد في سيدي حسين، والذي يشتبه في أنه مات جراء التعذيب الأمني، تؤكد أغلب الشهادات أنه يعيل أسرته وخاصة شقيقته وشقيقه وهو شاب يتيم ومعروف بحسن السلوك، ولكن الإشكال أنه تم إيقافه ومات جراء استعمال العنف".
وبحسب بن عرفة، فإنّ هذه الحادثة "أدت إلى احتقان في المنطقة واندلاع الاحتجاجات، مؤكدة كذلك أنّ "حادثة الشاب الذي جرد من ملابسه، وتم تعنيفه لا مبرر لها". وتوقعت عودة الاحتجاجات، مشيرة إلى أنّ إيقاف الأعوان عن العمل "حل ترقيعي وليس جذرياً".
من جهتها، أدانت وزارة الداخليّة التونسية، في بيان، ما أظهره المقطع المصور الخاص بسحل الشاب العاري، مؤكّدة أنّه "يتعارض مع توجّهاتها العامّة الرّامية إلى التّمسّك بمبادئ الأمن الجمهوري الهادف إلى إحداث التّوازن بين الحفاظ على الأمن العامّ ومبادئ حقوق الإنسان".
وأعلنت أنّ "الإجراءات المتعلّقة بالتّحقيق المباشر في الغرض من طرف التّفقديّة العامّة للأمن الوطني جارية، حيث تمّ إيقاف الأعوان المسؤولين عن هذه التجّاوزات عن العمل".
وأكّدت وزارة الدّاخليّة أنّ مصالحها "ستواصل العمل على الارتقاء بأداء منظوريها من خلال دعم الجانب التّكويني، بما يمكّن الأعوان والإطارات من القيام بمهامّهم على الوجه الأكمل، استجابة لمفهوم الأمن الجمهوري".