أخفق البرلمان اللبناني مرة جديدة في انتخاب رئيس للبلاد اليوم الأربعاء، في ظلّ عدم تمكّن أي من المرشحين من تأمين أصوات غالبية الثلثين، أي 86 نائباً من أصل 128 في الدورة الأولى، قبل أن يعلن رئيسه نبيه بري رفع الجلسة بعد تطيير نصاب الدورة الثانية، رغم اعتراض بعض النواب على أخطاء حصلت في عملية احتساب أوراق الاقتراع.
وتنصّ المادة 49 من الدستور اللبناني على أن رئيس الجمهورية يُنتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين، من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة، أي 65 نائباً، في دورات الاقتراع التي تلي، أما نصاب انعقاد الجلسة بكافة دوراتها، والذي يصرّ عليه بري، فيتمثل بـ86 نائباً، الأمر الذي يجعل تعطيله متاحاً أمام القوى السياسية المتنافسة.
وعقد البرلمان اللبناني صباح اليوم الجلسة رقم 12 لانتخاب رئيس بنصاب مكتمل، مع حضور مجموع عدد النواب الـ128، وذلك للمرة الأولى منذ عقد الجلسة الأولى في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك على وقع معركة حصد الأصوات التي تؤثر في المعادلة السياسية، وميزان القوى الداخلية، ويعوّل عليها الفريق السياسي المعارض لـ"حزب الله" و"حركة أمل" (يتزعمها بري) لمنع الثنائي من فرض مرشحه للرئاسة.
وبنتيجة فرز الأصوات، حاز وزير المال السابق جهاد أزعور على 59 صوتاً، وقد تبنت ترشيحه أحزاب سياسية على رأسها "التيار الوطني الحر" (برئاسة النائب جبران باسيل)، "حزب القوات اللبنانية" (برئاسة سمير جعجع)، "الكتائب اللبنانية" (برئاسة النائب سامي الجميل)، "الحزب التقدمي الاشتراكي" (يتزعمه وليد جنبلاط)، إلى جانب عدد من النواب المستقلين والتغييريين.
من جهته، نال رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، المدعوم من "حزب الله" و"حركة أمل" ونواب من خطهما السياسي، 51 صوتاً.
وتوزعت الأصوات الأخرى على وزير الداخلية السابق زياد بارود الذي نال 7 أصوات، مقابل صوت واحد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، 8 لشعار "لبنان الجديد"، وورقة بيضاء واحدة، إلى جانب ورقة ملغاة.
ورفع بري الجلسة بعد انسحاب عددٍ من النواب الذين يمثلون بالدرجة الأولى "حزب الله" و"حركة أمل" من الجلسة، وإفقاد نصاب الدورة الثانية (86 نائباً) على الرغم من اعتراضات حصلت على خطأ في احتساب أوراق الاقتراع، التي بحسب النواب المعترضين بلغت 127 وليس 128، وقد حاز بارود على 6 أصوات وليس 7 أصوات، بيد أن رئيس البرلمان قرّر رفع الجلسة ورفض إعادتها، بذريعة أن هناك نواباً انسحبوا، وبالتالي لم يعد هناك من نصاب.
وحصلت مفاجآت على صعيد الأصوات، كان لوّح فريق "حزب الله" بإمكان حدوثها اليوم، ما يشي باتصالات جرت في الساعات الأخيرة غيّرت النتيجة، حيث إن كل الأرقام كانت تؤكد حصول أزعور على أكثر من 60 صوتاً، انطلاقاً من مواقف النواب المؤيدين له، الرسمية والمعلنة، الأمر الذي يظهر أن عدداً من النواب خرق قرار تكتله أو "انقلب على نفسه"، وعاد وصوّت لصالح فرنجية.
وتتجه الأنظار بذلك بالدرجة الأولى إلى تكتل "التيار الوطني الحر"، في ظل الخلافات الداخلية في صفوفه، واعتراض نواب ضمنه على قرار باسيل التصويت لصالح أزعور، رغم أنهم أكدوا قبل دخولهم الجلسة أنهم سيلتزمون بالقرار بعد اجتماعات حصلت عشية الجلسة.
واختلفت الجلسة رقم 12 التي حُدّدت بعد تعليق استمرّ نحو 5 أشهر عن سابقاتها، إذ شهدت تحالف الأضداد والأخصام، ولا سيما على ضفتي نواب "التغيير" الذين يمثلون انتفاضة 17 أكتوبر، ونواب الأحزاب التقليدية، يتقدّمهم "التيار الوطني الحر" الذي انضمّ "حديثاً" إلى صفوف القوى المعارضة لـ"حزب الله"، علماً أن اتهامات سياسية تطاوله بأنه لم يرد من دعم أزعور إلا الإطاحة بفرنجية، وإظهار "حجمه النيابي"، وأن لا حظوظ لديه بالوصول إلى سدة الرئاسة من دون دعم "التيار"، وبالتالي فرض شروطه للمرحلة المقبلة على "حزب الله".
وانقسمت الآراء داخل قوى التغيير، وارتفعت حدّة الاتهامات المتبادلة في صفوفهم، ووصلت حدّ التخوين والخروج عن مبادئ انتفاضة 17 أكتوبر التي حصلت بوجه كل المنظومة التقليدية، والتي يمثلها أزعور، تماماً كفرنجية.
وتوزعت المواقف داخل هذه القوى إلى ثلاثة: فريق من النواب دعم أزعور ضمن التقاطع الذي حصل عليه مع أحزاب سياسية تمثل السلطة الحاكمة ومستقلين، وثانٍ قرّر دعمه في اللحظة الأخيرة بذريعة أنه يصوت له بوجه منطق الفرض واحتكار المجلس وإغلاقه، مشيراً إلى أنه ترشيح لمرة واحدة فقط، كونه لا يمثل توجهاته، وليس مع التقاطع المبهم الغامض الذي حدث، وفريق ثالث أعلن أنه لن ينجرّ وراء الأحزاب الطائفية ولن يساهم في إعادة تدوير النظام الطائفي، معتبراً أن جلسة اليوم لتقوية الأوراق التفاوضية للأحزاب الطائفية، ولا تهدف لإيصال رئيس للجمهورية.
وكان البرلمان اللبناني عقد الجلسة الأولى لانتخاب رئيس في 29 سبتمبر/أيلول 2022، بحضور 122 نائباً من أصل 128، وقد صوّت "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر" بالدرجة الأولى بالورقة البيضاء، والتي بلغ عددها 63، في حين حصل النائب ميشال معوض على 36 صوتاً، بينما كان مدعوماً من أحزاب "الكتائب"، و"القوات اللبنانية"، و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، قبل أن يعلن انسحابه لصالح أزعور قبل فترة قصيرة.
وتوزعت باقي الأصوات التي تمثل مستقلين وتغييريين حينها على شخصيات سياسية غير ناشطة راهناً، ولأوراق حملت شعارات أو رسائل سياسية، وذلك قبل أن تلغى الدورة الثانية نتيجة فقدان النصاب، بفعل انسحاب نواب "حزب الله" وحلفائه.