استمع إلى الملخص
- شهدت الجلسة حضور دبلوماسيين وسفراء، حيث أكد المجتمع الدولي دعمه للبنان، مشددين على أهمية انتخاب رئيس جديد لتطبيق الإصلاحات، مع دعم فرنسا وشركائها للمرشح الذي يختاره البرلمان.
- تخللت الجلسة مشادات كلامية بين النواب، مع دعم المعارضة لجوزاف عون، بينما لم يحسم الثنائي موقفهما، مما يعكس أهمية دور الكتل الشيعية في الانتخابات.
اجتماع "إيجابي" عقد بين موفد يمثل حركة أمل وحزب الله وقائد الجيش
احتفالات تعمّ بلدة العيشية في جنوب لبنان مسقط رأس قائد الجيش
رجح مراقبون أنّ حزب الله وحركة أمل حاولا إثبات دورهما بإيصال عون
بدأ البرلمان اللبناني بعد ظهر اليوم الخميس الدورة الثانية للجلسة التشريعية المخصّصة لانتخاب رئيس للبلاد، بعد رفع رئيس البرلمان نبيه بري، الجلسة لمدة ساعتين، إفساحاً في المجال أمام المشاورات السياسية أمام التوافق. وفي الدور الأولى صباحاً، نال قائد الجيش جوزاف عون 71 صوتاً فقط (من أصل 128)، بفارق 15 صوتاً عن النصاب المطلوب لفوزه من الدورة الأولى (86)، علماً أنّ الأجواء المسائية، أمس الأربعاء، والتسريبات الإعلامية كانت تؤكد قدرته على تجاوز عتبة الـ75 وحتى الثمانين.
وأفادت مراسلة "العربي الجديد"، بأنّ اجتماعاً عُقد بين موفدين يمثلان حزب الله وحركة أمل مع قائد الجيش، خلال فترة استراحة مجلس النواب، ووصفت أجواءه بـ"الإيجابية". وقال مصدر نيابي في حزب الله اللبناني لـ"العربي الجديد": "صوّتنا في الدورة الأولى لجلسة البرلمان بالورقة البيضاء ولا نضع فيتو على قائد الجيش"، مضيفاً: "هناك نقاشات ومشاورات يجب أن تتم، فالوقت للتوافق، وليس للدخول في إشكالات وسجالات، ولا يمكن لأي فريق أن يلغي الآخر خصوصاً في استحقاق كهذا".
ووصلت عائلة قائد الجيش اللبناني جوزاف عون إلى مجلس النواب بالتزامن مع انعقاد الدورة الثانية لانتخاب رئيس، في حين عمّت احتفالات بلدة العيشية في جنوب لبنان مسقط رأسه، وذلك قبيل انتخابه رئيساً للجمهورية.
وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، في تصريح لدى دخوله إلى مجلس النواب، بعد ظهر اليوم الخميس، إنّ "الحكومة قامت بجهد كبير خلال السنتين الفائتتين ونجحت على الأقل في الحفاظ على هيكلية الدولة". وعما إذا كان سيتولى رئاسة الحكومة المقبلة، قال "هناك استشارات نيابية في القصر الجمهوري الأسبوع المقبل، وفي ضوئها تتحدد الأمور". ورداً على سؤال آخر، قال ميقاتي "كتلة لبنان القوي (يرأسها النائب جبران باسيل) لم تجتمع بعد لتقرّر مرشحها لرئاسة الحكومة".
وعمّا إذا كان مستعداً لتولي المسؤولية مجدداً في رئاسة الحكومة، قال "أنا بحاجة إلى فترة راحة، ولكن إذا كانت هناك أي ضرورة فأنا دائماً في خدمة البلد في أي موقع أكون فيه". وقال: "الأكيد أن المرحلة المقبلة هي مرحلة الاحترام الكامل للدستور، تطبيق القوانين كاملة وتطبيق القرارات الدولية. هذا هو الاتفاق الحاصل. أما موضوع الأسماء وشكل الحكومات وتركيبتها فهذا أمرٌ سابق لأوانه". وأضاف ميقاتي "خلال توليّ رئاسة الحكومة، كانت علاقاتي ممتازة مع قائد الجيش، وهو يحترم دائماً مقام رئاسة الوزراء وفي الوقت نفسه احترم حرصه على السيادة اللبنانية وأقدر ذلك".
وخلال الجلسة الصباحية التي حضرها 128 نائباً، توزعت أصوات النواب والكتل البرلمانية بين 71 صوتاً لقائد الجيش و37 ورقة بيضاء وصوتين للبروفسور والسياسي شبلي ملاط، و14 صوتاً تحت شعار "السيادة والدستور"، وأربع أوراق ملغاة مُرّرت من خلالها رسائل سياسية، مع تدوين أسماء الموفدين الدوليين، لا سيما الأميركي عاموس هوكشتاين والسعودي الأمير يزيد بن فرحان، الذين كانت لهم يد بالضغط باتجاه ترشيح عون. وصباحاً توافد النواب إلى البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس الجمهورية وسط حضور عدد من السفراء والدبلوماسيين، ووصل الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى المجلس برفقة رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي. ومع بداية الجلسة، نشبت مشادات كلامية بين النائبة بولا يعقوبيان والنائب سليم عون ما دفع رئيس البرلمان نبيه بري إلى شطب عبارات يعقوبيان من المحضر.
من جهته، قال السفير المصري لدى لبنان علاء موسى لدى خروجه من جلسة البرلمان اللبناني إنّ "البداية كانت موفّقة على أمل أن تستمرّ العملية وتنتهي على خير"، مشيراً إلى أنّ طريقة إدارة الجلسة والأجواء تشي بالإيجابية والتوجه لإنهاء الاستحقاق. ورداً على التدخلات الخارجية والضغط الذي مورس على النواب لانتخاب قائد الجيش رئيساً، قال السفير المصري إنّ "هناك علاقة استراتيجية مع لبنان، والخارج يعمل على مساعدته فقط، فالأصل هو للبرلمان والملكية حصرية للبنان وشعبه".
في الأثناء، قال مصدر دبلوماسي فرنسي لـ"العربي الجديد": "ننظر بإيجابية إلى جلسة البرلمان اليوم، ونأمل أن تنتهي بانتخاب رئيس للبلاد"، مضيفاً أن "فرنسا وشركاءها لعبوا دوراً مساعداً في عملية الانتخاب، وليس صحيحاً ما يحكى عن فرض اسم معين، لكن هناك مواصفات جرى ذكرها وقائد الجيش من الذين تنطبق عليهم". وتابع أن بلاده وشركاءها سيدعمون "من يختاره البرلمان رئيساً للبلاد، وتأمل أن يصار سريعاً إلى تشكيل حكومة جديدة تلبي طموحات اللبنانيين وتعمل على تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها لتضع البلاد على السكة الصحيحة اقتصادياً ومعيشياً".
واعتبر المصدر الدبلوماسي أن "انتخاب رئيس في هذه المرحلة مهمّ جداً للبنان خصوصاً اقتصادياً، وكذلك أمنياً لناحية تطبيق القرارات الدولية بينها القرار 1701 وتثبيت وقف إطلاق النار وحمايته مستقبلاً"، مشدداً على أن "فرنسا والمجتمع الدولي دائماً يبديان استعدادهما لدعم لبنان اقتصادياً وفي إعادة الإعمار، ولكن المساعدات النقدية تبقى رهن طريقة إدارة البلاد والإصلاحات اللازمة".
وقبيل انعقاد الجلسة، كانت القوى المعارضة، وضمنها حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، قد حسمت موقفها لصالح انتخاب جوزاف عون، إضافة إلى بعض النواب المستقلين والتغييريين، فيما لم يحسم الثنائي حركة أمل وحزب الله موقفه، الذي تُرجم داخل صندوق الاقتراع بالورقة البيضاء، في مسار شبيه ببعض النواب التغييريين ونواب التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل، الذين رفضوا التصويت لقائد الجيش.
وفي قراءة لمسار الدورة الأولى التي انعقدت تحت أنظار الدبلوماسيين والسفراء وخصوصاً ممثلي اللجنة الخماسية التي تضم قطر والسعودية ومصر والولايات المتحدة وفرنسا، وبحضور الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، اعتبر الكاتب السياسي علي الأمين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ وقائع جلسة البرلمان اللبناني وتراجع الأصوات التي كانت متوقعة لصالح عون، مردّها بتقديره وتحليله إلى "محاولة لتظهير موقف الكتل الشيعية، وتحديداً الثنائي (حركة أمل وحزب الله)، وأهمية دوره في انتخاب الرئيس وتحديداً وصول قائد الجيش إلى سدّة الرئاسة".
وأضاف الأمين: "مسار الدورة الأولى بالشكل يظهر أولاً أنّ الثنائي يريد أن يثبت دوره بإيصال عون، والثاني لا يخلو من أن تكون هناك محاولة لتحسين شروط الاتفاق الذي حصل، فهناك نقاط أساسية لها علاقة بالمرحلة المقبلة أكثر من جوزاف عون شخصياً، منها مثلاً إصرار رئيس البرلمان نبيه بري على وزارة المالية للطائفة الشيعية ولفريقه بطبيعة الحال، ولأن يكون معنيّاً بتعيين الوزير، وكذلك بالنسبة إلى مسألة الوعود بإعادة إعمار المناطق المهدمة بسبب الحرب الإسرائيلية، وهناك حرص من الثنائي على أن يكون شريكاً في هذه العملية بطريقة أو بأخرى".
ولفت الأمين إلى أنّ النواب الذين لم يصوتوا لعون "معروفون خصوصاً في التيار الوطني الحر، والثنائي حركة أمل وحزب الله وبعض المقرّبين منه، وعدد من المستقلين والتغييريين"، معتبراً أنّه "خلال الساعتين، سيكون هناك انتخاب رئيس ولا مجال لعدم حصول ذلك؛ لأنّ عدم الانتخاب يعني كارثة سياسية، وبالتالي لا أرى أنّ حزب الله وحركة أمل بوارد المغامرة بمثل هذا السيناريو بالنظر إلى تداعياته الخطيرة على لبنان وعليهما بالتحديد".
واعتبر الأمين أنّ "الثابت بالمبدأ انتخاب الرئيس اليوم، مع إظهار أنّ عملية الولادة لم تكن سهلة إنما تطلّبت مفاوضات وأخذاً وردّاً وتنازلات متبادلة، لكن عدد الأصوات التي سيحصل عليها عون ستكون هي المؤثر، باعتبار أنّ عدم حصوله على 86 صوتاً، وإن فاز بالنصاب المطلوب للدورة الثانية؛ أي 65، من شأنه أن يدخل البلاد في إشكالية وجدل دستوري".
وقال الكاتب السياسي وجدي العريضي لـ"العربي الجديد"، إنّ "الدورة الأولى لانتخاب الرئيس كانت مدوزنة، إذ بقيت الاتصالات وفق معلوماتي حتى فجر اليوم وبمعنى أوضح كان النائب علي حسن خليل معاون رئيس البرلمان السياسي على تواصل دائم مع السفير السعودي وليد بخاري والتقى به بأحد مكاتب المجلس النيابي وذلك بعد لقاء أيضاً مع الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، ما يعني أن الثنائي ومن خلال هذه المفاوضات يسعى إلى نوع من الضمانات وتحديداً حول وزارة المالية وإعادة الإعمار وسواء ذلك".
وأضاف العريضي "سعى بري للقول إنه هنا وعلى طريقة انتخاب الرئيس ميشال عون حين ذاك لعب دوره وكان الأخير وتياره الوطني الحر مستاء إلى أن فاز بالدورة الثانية واليوم يحاول رئيس البرلمان إظهار أنه لا يزال قادراً على لعب دوراً كبيراً في وصول رئيس الجمهورية خصوصاً أنه فوجئ بحجم الضغوطات من اللجنة الخماسية التي كانت تصبّ في إطار الخروج بموقفٍ موحّد".
وتابع "ما حصل في الدورة الأولى بقراءة سريعة كان متفقاً على الأمور كلها، وعلى توزيع الأصوات من كتلة بري التي حصلت في بداية الصباح الباكر، إلا أن استمرار المفاوضات والتنسيق والتواصل أدى لأن يكون الاقتراع لقائد الجيش في الدورة الثانية ما يعني أن الأمور في إطار المناورات السياسية والضمانات للعهد العتيد سياسياً وحكومياً وأمنياً وسواء ذلك، وعليه فإن عملية إعادة الإعمار هي أساسية بعد الحرب المدمرة التي حصلت في الآونة الأخيرة".
وأشار العريضي إلى أنّ "الاتفاق في المرحلة المقبلة يشمل أن يكون هناك رئيس حكومة موثوق ووزراء يتمتعون بالكفاءة المطلوبة والثقة من المجتمع الدولي والدول المانحة ولا سيما السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، لأن هناك مشاريع سعودية جاهزة لدعم لبنان وكذلك مؤتمر للدول المانحة وصولاً إلى أمور كثيرة شملتها الاتفاقات التي حصلت ولهذه الغاية نجحت الخماسية عبر موقفها الموحّد والمتماسك من الوصول إلى قرار موحّد من انتخاب عون بعدما كان هناك مواصفات لا دخول في الأسماء إلا أنها انطبقت على قائد الجيش".
وفشل البرلمان اللبناني 12 مرة في انتخاب رئيس للجمهورية، وآخرها في الجلسة التي عقدت في يونيو/ حزيران 2023، في ظلّ الخلاف السياسي الحاد وغياب التوافق وعدم تحقيق أي من المرشحين النصاب المطلوب للفوز من الدورة الأولى، أي 86 صوتاً من أصل مجموع 128، وفقدان نصاب انعقاد الدورة الثانية الذي يبلغ أيضاً 86 صوتاً، علماً أن نصاب الفوز فيها وفي الدورات المتتالية يصبح 65.
وبحسب المادة 49 من الدستور اللبناني، فإنه "لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد".