تصريح وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أمس الخميس، لصحيفة "وول ستريت جورنال" حول انسحاب القوات الأميركية من العراق مع نهاية العام، لم يكن مفاجئاً في المضمون بقدر ما كان في الصيغة ولصدوره عشية زيارة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى واشنطن.
وما استوقف فيه أنه بدا وكأنّ بغداد أرادت إبراز الانسحاب على أنه مطلب عراقي سيتم اعتماده في بيان مشترك بعد لقاء الكاظمي مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، في البيت الأبيض، يوم الإثنين المقبل. وهذا سيناريو يناسب الإدارة الأميركية في الظروف الراهنة، بحيث لا تظهر وكأنها "تهرب" من الساحات الساخنة أو أنها توسلت الانسحاب من العراق كتنازل لإيران بهدف تفعيل مفاوضات النووي.
الإدارة في ردودها على كلام الوزير، تعمّدت الالتباس وتدوير الزوايا. لا هي تحفظت على ما قاله ولا هي أكّدته صراحة. ردودها بقيت بين الاثنين، مع التبني المبطّن لمضمون التصريح، وكأنّ واشنطن طلبت من بغداد أن تتولى الإعلان عن الانسحاب، وأنه لم يكن بالإمكان إلا الاستجابة لطلبها على اعتبار أنّ القوات الأميركية موجودة في العراق بطلب من الحكومة العراقية، وفق تعبير المتحدث باسم الخارجية نيد برايس، أمس الخميس.
الإخراج المتفق عليه حسب ما بدا من شروحات الجانبين، ارتكز على حيثية أنّ العراق "لم يعد بحاجة إلى المزيد من القوات المقاتلة التي صارت متوفرة لدينا"، كما قال الوزير حسين. وأوضح الأخير أنّ الحاجة باقية للتعاون مع الأميركيين في المجالات الاستخباراتية والتدريبية والجوية فقط، وهي مجالات التعاون التي وعدت بها إدارة بايدن حكومة كابول بعد الانسحاب من أفغانستان.
الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي، رددت تقريباً ما جاء على لسان وزير الخارجية العراقي بقولها إنّ "الحاجة للقوات القتالية الأميركية تناقصت في العراق"، مع الإشارة إلى أنّ "مستقبل القوات هناك سوف يتم بحثه خلال اجتماع بايدن مع الكاظمي، يوم الإثنين".
إشارتها مع كلام الوزير حسين إلى انتهاء الدور القتالي للقوات الأميركية، جرى تفسيره بأنه ينحصر بالقوة الميدانية الأرضية، وبما يستثني القوة الجوية التي يرجح بقاؤها لفترة في العراق.
يعزز هذا الاحتمال ما نسبته "وول ستريت جورنال" لمسؤولين في الإدارة خلال تعليقهم على تصريح الوزير العراقي، إذ أشاروا إلى أنّ ما سيجري بحثه خلال جلسات الحوار الاستراتيجي بين البلدين التي ستبدأ اليوم الجمعة، هو "إعادة تحديد مهمة القوات الأميركية في العراق... فالمسألة ليست عددية بل عملانية تتصل بما ستقوم به قواتنا هناك وبما ينسجم مع أولوياتنا الاستراتيجية".
موضوع الانسحاب من العراق خيار تبناه بايدن منذ أن كان نائباً للرئيس الأسبق، باراك أوباما، وهو أحد المروجين له والمشجعين عليه في عام 2011. وبقي مطروحاً، سواء من خلال الحديث في إبريل/ نيسان الماضي عن الحاجة "لإعادة تموضع" هذه القوات، أو من خلال تزايد التوجه لمواصلة الخروج الأميركي التدريجي من الشرق الأوسط بغية التركيز على الشرق الأقصى. وهو خيار مطروح ومتداول منذ ولاية أوباما الأولى. لكن الاشتعالات شبه المتواصلة في المنطقة قضت بإبطاء الخروج منه، وجاء بايدن ودشّنه بقرار الانسحاب من أفغانستان. والسياق الراهن يرجح أنّ العراق سيكون الثاني.
كذلك بدأت تتردد التساؤلات حول وجود القوات الأميركية في سورية وما إذا كانت ستنضم إلى لائحة الانسحابات في وقت ما. وبدت التباينات والالتباسات في الردود على تصريح الوزير العراقي من مستلزمات الإخراج.
بيت القصيد أنّ إدارة بايدن قررت الانسحاب بصورة أو بأخرى. وثمة من لا يستبعد أن تكون حسابات النووي الإيراني قد لعبت دورها في التعجيل بذلك، بالإضافة طبعاً إلى الحسابات السياسية الداخلية، من خلال تسويق الانسحاب من زاوية أنّ "أميركا ليست ولا تقوى أن تكون شرطي العالم". شعار يلقى الرواج لدى الرأي العام الأميركي بعد التجربة عالية الكلفة لحربي العراق وأفغانستان.