تتزايد الانتقادات الموجهة للحكومة اليمنية، من داخل مجلس القيادة الرئاسي ومن البرلمان، في ظل اتهامات لها بالفشل وارتكاب مخالفات، فيما يربط البعض بين ما تواجهه وبين صراع إرادات داخل مؤسسات الشرعية.
وكانت هيئة رئاسة مجلس النواب قد عقدت يوم الجمعة الماضي اجتماعاً لها، لمناقشة تقرير مقدم من اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق بشأن ما أثير من مخالفات في قطاعات الكهرباء والنفط، والاتصالات والجوانب المالية.
وأكد التقرير فشل الحكومة في معالجة ملف الكهرباء بتنفيذ رؤية وزارة الكهرباء بحل أزمة العجز في كهرباء عدن ورفع القدرة التوليدية. ولفت التقرير إلى أن "عملية الطاقة المشتراة وشراء الوقود لا تسير وفقاً للإجراءات القانونية والصحيحة نتيجة لتعطيل قانون المناقصات، مع غياب لجنة المناقصات، وفحص الوقود المستخدم خارج المواصفات والمعايير".
وبموضوع قطاع النفط والمعادن، خلصت اللجنة إلى جملة من القضايا والمخالفات، منها أن هناك شراءً للمشتقات النفطية بشكل مخالف للقانون، "حيث تبين أنّ الشراء يجري بالأمر المباشر دون إعلان مناقصات، وأن هناك فوارق في الأسعار، واختلالات في المواصفات بشكل هائل".
واتضح للجنة استيراد وزارة النفط وشركة النفط اليمنية بعض كميات المشتقات النفطية غير المطابقة للمواصفات والمعايير للوقود المستخدمة في المحطات الحكومية، ما أدى إلى توقفها وإخراجها عن العمل، كذلك سُمِح بإدخال شحنات من المشتقات النفطية من دون دفع الضرائب والرسوم الجمركية، وبأوامر مباشرة.
وفي ما يتعلق بالجانب المالي والبنك المركزي، أشارت اللجنة إلى عدم تحصيل الإيرادات المركزية وتوريدها إلى البنك المركزي وفقاً للقانون المالي، نتيجة لتدخل السلطات المحلية في بعض المحافظات.
شمل تقرير البرلمان معطيات حول إهدار المال العام والتصرف بها
وتضمن تقرير اللجنة اختلالات كبيرة ومعطيات حول "إهدار للمال العام، وعدم تحصيل الموارد المالية للدولة، والتصرف ببعضها بشكل عبثي، والإنفاق من الموارد بشكل مباشر، وعدم تطبيق القانون المالي، ما أدى إلى تدنٍّ في الإيرادات، وازدياد مطّرد في المصروفات، وعدم قدرة وزارة المالية على تسديد الالتزامات الحتمية والضرورية".
دعوة الحكومة اليمنية لإيقاف صفقة الاتصالات
تقرير اللجنة ركز كثيراً على موضوع إبرام الحكومة لعقد الشراكة مع شركة الاتصالات "NX" الإماراتية، الذي اعتبره "خرقاً للدستور وللقوانين النافذة"، مشيراً إلى الرسائل التي وجهها نواب بالمجلس إلى رئيس وأعضاء مجلس القيادة ورئيس الحكومة معين عبد الملك بوقف الصفقة.
رئيس مجلس النواب سلطان البركاني، عبّر في التقرير عن أسفه لإقرار الحكومة لهذه الاتفاقية، وقال إنها "سابقة خطيرة لم يسبق لأي حكومة من قبل أن اقترفتها على الإطلاق"، مضيفاً أن مجلس الوزراء صدّق على اتفاق و"لم يوزع عليهم نسخاً منه، بحجة أن الاتفاقية سرية ويخشى تسريبها".
واتّهم البركاني بمنع تسليم نسخة من الاتفاقية للجنة تقصي الحقائق، و"عدم نشرها عبر وسائل الإعلام كما هو متبع بالاتفاقات"، مؤكداً أنّ "على الحكومة عدم السير في الاتفاقية وإلغاء أي إجراءات تمت في هذا الشأن وإعادة النظر فيها".
مطالبة بإحالة رئيس الوزراء اليمني على التحقيق
وفي السياق، وجه عضو مجلس القيادة عثمان مجلي، الاثنين الماضي، رسالة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، يطالب فيها بإحالة رئيس الوزراء وكل من له ارتباط بالملفات المشمولة بتقرير ورسالة مجلس النواب على التحقيق.
ودعا إلى إلغاء كل الاتفاقيات والإجراءات التي وقعت من قِبلهم، والتي تمس الثروات السيادية للدولة اليمنية، وحمّله مسؤولية عدم التعاطي مع الرسالة.
وانضم مجلي بذلك إلى ثلاثة من أعضاء المجلس الرئاسي، هم عيدروس الزبيدي وفرج البحسني وعبد الرحمن المحرمي (يمثلون المجلس الانتقالي الجنوبي)، يطالبون بإقالة الحكومة ومحاسبتها.
فساد في الوزارات اليمنية
الناشط السياسي محمد القحطاني، قال لـ"العربي الجديد"، إن تشكيل الحكومة حصل بطريقة خاطئة، حيث لم يكن بالطريقة المتعارف عليها بتكليف رئيس الحكومة تشكيل حكومته وعرضها على مجلس النواب لنيل الثقة.
وأوضح: "إنما تمّت تسميتها وفق التقاسم الحزبي من دون نيل ثقة البرلمان، وبالتالي فالوزراء يشعرون أنهم غير مُساءلين، وهذا الأمر جعلهم يتمادون بالفساد، وهناك فساد أكبر مما عرض بتقرير اللجنة البرلمانية".
محمد القحطاني: هناك فساد أكبر مما عرض بتقرير اللجنة البرلمانية
وأضاف القحطاني أن هناك انقساماً داخل المجلس الرئاسي حول بقاء الحكومة، مشيراً إلى أن "تقرير اللجنة نفسه، وإن كان صحيحاً في ما ذكره، إلا أنه تم بطريقة مخالفة للقانون". ولفت إلى "أن البرلمان لا ينعقد منذ مدة طويلة، وإن اجتماع هيئة رئاسته عُقد خارج البلاد بشكل مخالف للدستور، وبالتالي فنحن أمام عدة أزمات في الحكومة والبرلمان".
ورأى القحطاني أن "هذه الأزمات تقتضي إعادة النظر في شرعية ممارسات الحكومة والبرلمان، ومن الطبيعي أن تنعكس على أدائهما، وتسبب حجم الفساد الهائل الحاصل".
من جانبه قال المحلل السياسي نبيل البكيري، لـ"العربي الجديد"، إنه "بالنسبة إلى البرلمان، فهذه أول قضية له خلال هذه المرحلة، ومنذ فترة طويلة يحاول بها العودة للمشهد السياسي بوزنه الدستوري والقانوني".
وأضاف أن هذا الموقف لا يخلو "من صراع إرادات بين الحكومة والبرلمان، وهو دور مطلوب من البرلمان للحفاظ على آخر مؤسسات الدولة الشرعية التي يُناط بها حماية مؤسسات ومصالح الدولة الوطنية".
وأشار البكيري إلى أن "تقرير البرلمان جيد لحد كبير، وكشف لا دستورية صفقة الحكومة في ما يتعلق ببيع نسبة كبيرة من شركة الاتصالات لشركة إماراتية وهمية غير ذات طبيعة خدمة اتصالاتية".