الانتخابات السنغالية: هل يحقق فاي طموحات الشباب؟

29 مارس 2024
أنصار فاي يحتفلون بفوزه الأحد، في دكار (أليو مباي/Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- فوز باسيرو ديوماي فاي في الانتخابات الرئاسية السنغالية يمثل تحولاً ديمقراطياً مهماً، معبراً عن رغبة الشعب في التغيير والتطلع نحو مستقبل أفضل، خاصة بين الشباب الذين لعبوا دوراً حاسماً في دعم المعارضة.
- الفوز يعد انتصاراً للإرادة الشعبية ويؤكد على قوة المؤسسات الديمقراطية في السنغال، مرسلاً رسالة ضد الانقلابات والتمديد القسري للولايات الرئاسية في غرب أفريقيا، ويحذر الرؤساء الأفارقة من التشبث بالسلطة.
- تحديات تنتظر فاي في تحقيق الإصلاحات الواعدة ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، مع التأكيد على أهمية خلفيته المهنية ودعم الشباب لتنفيذ التغييرات المطلوبة، والتغيير في نمط التصويت يعكس الرغبة العارمة في التغيير على مستوى البلاد.

أُسدل الستار على الانتخابات السنغالية الرئاسية التي أجريت الأحد الماضي، بفوز مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي، بعد فترة من التوتر عصفت باستقرار أكثر الدول ديمقراطية في غرب أفريقيا. ومع نهاية الانتخابات يأمل السنغاليون في أن يسدل الستار أيضاً عن هذه الفترة المضطربة من تاريخ بلدهم، وأن تُمنح المعارضة فرصتها الكاملة لإنجاز ما وعدت به وتحقيق طموحات الشباب، وهم العامل الأساسي في وصول فاي إلى الحكم.

وإذا كان فوز فاي، البالغ من العمر 44 عاماً والذي لم يسبق له أن تبوأ أي منصب انتخابي، وانتزاعه الرئاسة من معسكر الموالاة القوي والتفوق على أمادو با مرشح الائتلاف الحاكم من دون الحاجة إلى جولة ثانية، مفاجأة بالنسبة لمن هم خارج السنغال، فإنه لم يكن كذلك بالنسبة للسنغاليين الذين عبّروا خلال العامين الماضيين عن رغبتهم في التغيير وساندوا المعارضة بقوة بعد اعتقال رجلها القوي عثمان سونكو.

وكان رهان سونكو على رفيقه في حزب "الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة" الذي تم حلّه قبل أشهر، باسيرو ديوماي فاي، رابحاً، بعدما تمكن الأخير من جمع شتات المعارضة وإقناع المشككين بفوزها بإمكانية التغيير على الرغم من قوة المنافسين.

ولم يتمكن سونكو المعارض المعروف والمرشح الفائز بالمركز الثاني بانتخابات 2019، من خوض الانتخابات بعدما رفض المجلس الدستوري ملف ترشحه، فاضطر إلى ترشيح رفيقه فاي الذي اعتُقل في إبريل/نيسان 2023 بتهم "ازدراء المحكمة" و"التشهير" و"المساس بالسكينة العامة"، قبل أن يطلق سراحه قبل عشرة أيام من التصويت، ليصبح المرشح البديل هو الرئيس الجديد للسنغال.

نصر ديمقراطي في الانتخابات السنغالية

بعد هذا الفوز ماذا ينتظر السنغال من فاي؟ وهل سيتمكن هذا الأخير من حل جميع الخلافات وتقريب وجهات النظر ورأب الصدع داخل الطبقة السياسية، وهل الانتخابات الحالية كافية لإزالة الاحتقان والتوتر في الشارع؟ وما تأثير فوز مرشح المعارضة بالرئاسة على دول غرب أفريقيا التي تعتمد أسلوب الانقلابات لتغيير الحاكم؟


لمين با أحمد: الانتخابات السنغالية سيكون لها تأثير كبير على دول غرب أفريقيا

يرى مراقبون أنه كان للشباب الناقم على الأوضاع الاقتصادية والراغب في التغيير، دور حاسم في فوز فاي من خلال التعبئة ضد كل سيناريوهات إلغاء الانتخابات وتأجيلها وفرض مرحلة انتقالية، إذ وقف في وجه كل محاولات الدولة قمع المعارضة والاستئثار بالسلطة وتمكن من تحريك الشارع لرفض التمديد وبقاء الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال في السلطة بعد انتهاء ولايته.

في هذا الصدد، يقول الباحث السنغالي لمين با أحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الانتخابات أثبتت تمسك السنغاليين بالقيم والمبادئ الديمقراطية وأعطت مثالاً قوياً على ما يمكن أن تفعله إرادة الشعب بإيصال معتقل سياسي، أفرج عنه 10 أيام قبل التصويت، إلى سدة الحكم.

ويشدد على أن النصر في هذه الانتخابات هو انتصار لإرادة الشعب وللمؤسسات الديمقراطية، وهو أيضاً تحذير مزدوج للرؤساء الأفارقة الذين يرفضون التخلي عن الحكم ويرغبون بالتمديد في كل فترة، ورسالة قوية موجهة إلى المجالس العسكرية التي قادت انقلابات وفرضتها كأسلوب وحيد لإحداث التغيير بغرب أفريقيا، بالتالي فإن فوز معارض بالانتخابات يؤكد أنه يمكن الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية وإحداث التغيير بالتصويت والإرادة.

ويضيف أحمد أن "الانتخابات السنغالية سيكون لها تأثير كبير على دول غرب أفريقيا وعلى رؤساء الدول الأفريقية الذين يميلون إلى التشبث بمقاعدهم خلافاً للدستور، والترشح لعدة ولايات، وتكميم أفواه المعارضين وعرقلة العملية الانتخابية"، متابعاً "هم لا يبحثون إلا عن نهاية مشروعهم بالانقلابات أو بالسقوط المدوي في الانتخابات كما حدث لماكي سال الذي كان هو المهندس الرئيسي لهزيمة معسكره".

ويعتبر أنه يجب القيام بإجراءات فعالة لتنمية البلاد وإصلاح الإدارة والمؤسسات الاقتصادية، وإحداث توازنات بين السلطات وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وتعزيز صلاحيات البرلمان، وإصلاح القضاء، واستحداث منصب نائب الرئيس.

وعن مدى قدرة الرئيس الجديد على القيام بكل هذه الإصلاحات وهو الذي لا يملك تاريخاً انتخابياً أو سياسياً كبيراً، يلفت أحمد إلى أن "فاي عمل كمفتش للضرائب، وعلى الرغم من أنه لم يتم انتخابه سابقاً إلا أن لديه رصيداً من العمل السياسي والنضالي، يمكنه من تحقيق إنجازات عاجلة خصوصاً في مجالي العدالة وإدارة الموارد وتحقيق التنمية الاقتصادية".

ويرى أحمد أن شعبية فاي لدى الشباب ستمنحه ثقة أكبر في العمل الجاد لصالحهم، مضيفاً أن "فاي يدرك أنه لم يكن معروفاً لدى جميع السنغاليين قبل أن يتم اعتقاله في إبريل 2023، ويدرك أيضاً أنه المرشح البديل الذي اختير في آخر اللحظات بعد منع زعيم المعارضة عثمان سونكو من الترشح، لذلك فالتصويت لصالحه وبهذه الكثافة سيمنحه ثقة أكبر ويحمّله مسؤولية الوفاء بالتزاماته التي تعهد بها خلال الحملة الانتخابية في أسرع وقت".

اجتثاث جذور الأزمة

من جهته، يرى الباحث السنغالي الحسن ساري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "البلاد لم تشهد منذ الاستقلال (عن فرنسا) عام 1960 مثل هذه الانتخابات الرئاسية المضطربة، وهذا ما يؤكد الحاجة إلى فترة هدوء وعمل لإعادة الوئام وتحقيق توافقات بين السياسيين حتى يتم اجتثاث جذور الأزمة الناجمة عن مناورات الرئيس السابق ومعسكره".


الحسن ساري: اختراق فاي للريف أمر غير مسبوق في التاريخ الانتخابي للسنغال

ويعتبر ألا خوف على استقرار البلاد بعد أن اعترف الجميع بنزاهة وشفافية الانتخابات السنغالية وأقروا بنتائجها، مؤكداً أن التحدي الآن هو العمل على تحقيق الإنجازات التي وعد بها المرشح على المستويين السياسي والاقتصادي.

وفي تفسيره لنتائج الانتخابات، يشير ساري إلى أن "الانتخابات كانت معقّدة للغاية وجرت في سياق مضطرب، لذلك فنتائجها مختلفة، والمعروف أن المعارضة تحقق عادة نتائج جيدة في المدن الرئيسية، بينما الموالاة تسيطر على المناطق الريفية وتنافس بشدة في المناطق الحضرية وتحقق فيها ما يفوق النصف، لكن كُسرت هذه القاعدة في هذه الانتخابات بعد أن حققت المعارضة نتائج مرتفعة في أغلب المدن والمناطق الريفية معاً".

ويعتبر ساري أن تحقيق النصر في المراكز الحضرية ليس بالأمر الجديد على المعارضة التي نجحت خلال الانتخابات الرئاسية أعوام 2007 و2012 و2019، في كسب المدن لصالحها، وهذا عائد للتكوين الاجتماعي والاقتصادي لسكان المدن ولمطالبهم المتعلقة بالتوظيف والديمقراطية والتغيير والتي تعد المعارضة دوماً بها، بينما في المناطق الريفية ذات الكثافة السكانية المرتفعة لم تكن أحزاب المعارضة تحقق نتائج ملموسة.

ويرى أن الاستثناء في هذه الانتخابات السنغالية هو اختراق فاي للمراكز الريفية وهو أمر غير مسبوق في التاريخ الانتخابي للسنغال، ما يؤكد أن الأزمة الأخيرة في البلاد كانت كبيرة وعميقة، وأنها غيّرت قناعات جميع السنغاليين وأوجدت ما يسمى بالتصويت الجماعي لكبار السن والنساء والشباب لصالح التغيير.

وبخصوص نسبة المشاركة التي بلغت أكثر من 60 في المائة، يوضح ساري أنها ليست المرة الأولى التي تُسجل فيها المشاركة في الانتخابات السنغالية نسبا عالية، ففي عام 2007 بلغت 70.50 في المائة، ثم في عام 2019 بلغت 66.23 في المائة، لكن تظل نسبة 60 في المائة المسجلة بهذه الانتخابات مهمة، بالنظر إلى أن الانتخابات جرت في شهر رمضان وفي أيام الصوم الكبير عند المسيحيين، وأن الحملة الدعائية التي تلهب عادة حماسة المصوتين لم تكن قوية، بل جرى اختصارها، وعلى الرغم من ذلك سجلت الانتخابات نسبة مشاركة عالية.

المساهمون