الانتخابات الرئاسية الجزائرية من دون فرز سياسي

21 اغسطس 2024
جولة للمرشح يوسف أوشيش في الجزائر العاصمة، 15 أغسطس 2024 (بلال بن سالم/فرانس برس)
+ الخط -

لم تُحدث حملة الدعاية في الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقرّرة في السابع من سبتمبر/أيلول المقبل، فرزاً سياسياً واضحاً على أساس المرجعيات الأيديولوجية حتى الآن، على الرغم من وجود ثلاثة مرشحين يمثّل كل منهم تياراً سياسياً منفصلاً: الرئيس عبد المجيد تبون عن التيار الوطني (التيار الوطني يضم الأحزاب السلطوية والقومية ويعتبر نفسه سليل الدولة الوطنية ويدافع عن منجزاتها)، وعبد العالي حساني عن التيار الإسلامي، ويوسف أوشيش عن التيار الديمقراطي (التيار الديمقراطي يتبنى المطالب التقدمية، ومتصادم مع التيار الإسلامي ومع التيار الوطني لأنه يحمّل الدولة الوطنية مسؤولية الفشل)، فيما الخطاب الانتخابي للمرشحين الثلاثة في الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية ظلّ بعيداً عن المسائل السياسية الأيديولوجية، في ظلّ التركيز على المسائل الاقتصادية والقضايا الاجتماعية.

تلاشي الخطوط الفاصلة بين الأحزاب

لغاية العقد الماضي، كان التقسيم التقليدي للساحة السياسية في الجزائر، موزعاً بين ثلاثة تيارات رئيسية في البلاد، وطني وإسلامي وديمقراطي، مع حضور طفيف للتيار اليساري، وهو تقسيم كان يبرز بشكل أكبر في الاستحقاقات الانتخابية من حيث الخطاب والتحالفات والمشاريع السياسية. لكن الانتخابات النيابية عام 2012، كانت آخر انتخابات تمّت على أساس التيارات والمشاريع السياسية التي تُعبّر عن مرجعية كل حزب. ففي الفترة اللاحقة، خصوصاً منذ مؤتمر المعارضة في يونيو/حزيران عام 2014، سجّل تقارب لافت بين القوى السياسية من مختلف الأيديولوجيات ضمن ائتلاف للمطالبة بالانتقال الديمقراطي والتغيير السياسي، وهو ما فرض إزاحة للقضايا الخلافية، وانعكس على الخطاب السياسي، من دون أن يُلغي بشكل كامل الحدود الفارقة بين التيارات الثلاثة.

عبد الرحمن سعيدي: هناك مؤشرات بشأن العودة إلى كبرى الأسر السياسية والأحزاب التي تمثل التيارات ولها عمق شعبي

وأدى التصحر السياسي الذي اتسمت به مرحلة الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة قبل عام 2019، وتفريخ عدد كبير من الأحزاب المنشقة، إلى تراجع هذا التقسيم السياسي، بحيث باتت الكثير من القوى والأحزاب السياسية مفرّغة من المحتوى الأيديولوجي والفكري، وانمحت نسبياً الخطوط الفاصلة بين التوجهات والأسر السياسية، في مقابل طغيان النقاش حول الأزمات الاقتصادية والفساد والمطلب الديمقراطي الذي تبنّته كل التيارات لغاية الحراك الشعبي الذي اندلع في فبراير/شباط 2019، والذي عزّز من مستويات التقارب بين القوى السياسية التي انقسمت في ما بعد على أساس دعم أو رفض المسار الانتخابي الذي فرضه الجيش والسلطة في تلك الفترة ومعارضة وموالاة.

وصول ثلاثة مرشحين من تيارات وأسر سياسية متباينة إلى سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية المرتقب الشهر المقبل، يمكن أن يعيد بالنسبة لعبد الرحمن سعيدي، القيادي في حركة مجتمع السلم (إسلامي) التي تخوض انتخابات الرئاسة برئيسها عبد العالي حساني، وبشكل تدريجي التقسيم السياسي التقليدي. واعتبر سعيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هذه الانتخابات بشكلها الحالي "خلقت مشهداً من المشاهد الانتخابية السابقة التي كانت على أساس مدارس سياسية وتيارات، كما حدث في انتخابات عامي 1995 و1999، والانتخابات الرئاسية الجزائرية قد تكون استئنافاً للحياة السياسية السابقة التي كانت تقوم على برامج وأفكار ومقاربات سياسية واقتصادية وثقافية". وأضاف أن "هناك مؤشرات بشأن العودة إلى كبرى الأسر السياسية والأحزاب التي تمثل التيارات ولها عمق شعبي، وتبني وترشيد العمل السياسي خصوصاً بعد الحراك الشعبي الذي كانت له أحكام قاسية على الساحة السياسية وأداء السلطة، وقد تسهم هذه الانتخابات في إعادة تفعيل هذا الفرز السياسي".

مواضيع غائبة في الانتخابات الرئاسية الجزائرية

لكن أكثر ما يؤخر الفرز السياسي والأيديولوجي في الانتخابات الرئاسية الجزائرية بشكل عام، هو تحييد النقاش حول القضايا الأساسية التي كانت تشكّل محور هذا الفرز في علاقة بمشروع المجتمع، كالمرأة والمدرسة والمسألة الدينية والقضايا الثقافية من جهة، وعدم نجاح المرشحين الثلاثة في طرح وتوصيل أفكار وحلول تعبّر عن روح المشروع السياسي الذي يتبنّاه كل مرشح، على غرار تشغيل صناديق الزكاة والأوقاف بالنسبة للمرشح الإسلامي حساني، أو مسألة تكريس الهوية الأمازيغية بالنسبة لأوشيش.

وليد زباني: المشكلة لا تتعلق بالأيديولوجيات أو التيارات بقدر ما تتعلق بإرساء قواعد أخلاقية للممارسة السياسية

ما يعزّز ذلك أن قراءات سياسية، ترى أن التقسيم السياسي لن يكون لافتاً أو مهماً في محددات الخطاب والموقف في هذه الانتخابات، خصوصاً أن هناك مواقف عبرت الحدود الأيديولوجية تماماً، فهناك أحزاب إسلامية (حركة البناء الوطني وحركة الإصلاح) تدعم بقوة مرشح التيار الوطني الرئيس عبد المجيد تبون، بدلاً من أن تدعم المرشح الإسلامي عبد العالي حساني. كما أن هناك مجموعات سياسية من التيار الوطني (منشقين عن جبهة التحرير وطلائع الحريات) تدعم المرشح الديمقراطي يوسف أوشيش، إضافة إلى أن طغيان القضايا الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية على الخطاب الانتخابي، لم يتح الفرصة لبروز الفارق الأيديولوجي في هذه الانتخابات أو استدعاء المناكفات السياسية.

وفي هذا السياق، أكد وليد زنابي، القيادي في جبهة القوى الاشتراكية التي تشارك في الانتخابات الرئاسية الجزائرية عبر المرشح الرئاسي يوسف أوشيش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "القول إن هناك تكريساً لتقسيم الساحة السياسية والجزم بذلك قد يحتاج إلى استدلال، ثم إنه ليست هناك أي جدوى لمن يريد تكريس هذا التقسيم في الساحة السياسية"، مضيفاً "نحن في جبهة القوى الاشتراكية دخلنا هذه الانتخابات الرئاسية، ورغم خلفيتنا الديمقراطية، إلا أننا نستهدف أن نكون ممثلين لكل قوى التغيير في الجزائر، أياً كان موقعها أو مشاربها الفكرية، ورافعين كل صرخات المحرومين، المهمشين والمضطهدين في هذا الوطن الفسيح، وبعيداً عن أي محدد أيديولوجي، وهناك كثير من الأفكار ربما نلتقي فيها مع باقي المرشحين وهناك قضايا نختلف بشأنها". وأضاف زنابي: "لا نعتقد أن المشكلة تتعلق بالأيديولوجيات أو التيارات بقدر ما تتعلق بإرساء قواعد أخلاقية للممارسة السياسية تخلق مناخاً عاماً يساعد على الانتظام الحر والنقاش الراقي، وتستحضر الشروط لانخراط شعبي حول مشروع وطني واضح المعالم، وإرساء قواعد ممارسة سياسية سليمة من شأنه أيضاً أن يغربل آلياً الساحة السياسية ويقضي على الكثير من المظاهر غير المشرفة ويعيد للسياسة وللسياسيين الاعتبار لهم".

المساهمون