إذا كانت الانتخابات هي عنوان الديمقراطية ومفتاح بابها الرئيسي؛ فإن الولايات المتحدة لديها فائض منها إلى حدّ "ما زاد نقص". فالحياة السياسية الأميركية تكاد تكون عملية انتخابية شبه متواصلة، سواء في الكونغرس حيث ينتخب مجلس النواب كل سنتين وكذلك ثلث مجلس الشيوخ، أو في الولايات ودوائرها ومناطقها المختلفة. لكن أياً منها ليست تُجاري أو حتى تقترب من انتخابات الرئاسة، التي تبقى الأطول من بينها والأكثر تعقيداً وكلفة. والمفارقة أنها أيضاً الأبعد من غيرها عن الديمقراطية في درجة تمثيلها.
ويدور منذ سنوات جدل حول القوانين والقواعد والأصول الناظمة لعملية اختيار الرئيس، من زاوية أنه مرّ عليها الزمن ولم تعد ملائمة، وأنه آن الأوان لتطويرها واستبدالها بما يوفّر استقامة التمثيل، والعدالة في الاختيار، وفي تقرير نتائج الانتخابات وتمويلها، وتوحيد إجراءاتها وشروطها. لكن الدفع بهذا الاتجاه لم يسفر سوى عن تغييرات طفيفة لا تلامس الخلل العضوي الكبير في العملية الانتخابية، والتي قد تفتح الأبواب لأزمة طاحنة هذه المرة، إذا جاءت صناديق الاقتراع بنتائج ملتبسة أو متقاربة، وبما يشكل مدخلاً لاعتراضات ومنازعات، بصرف النظر عن مدى صحتها ومشروعيتها، خصوصاً أن الأجواء المتوترة بما فيه الكفاية جاهزة لمثل هذا الاحتمال، في حال فشل أي من المرشحين في تحقيق فوز ساحق يقطع الطريق على الإشكالات المتخوّف منها.
اختيار المرشح
يشغل هذا الشق القسم الأكبر والأطول من الحملة الانتخابية، مع أنه تمهيدي ومحصور بالانتخابات الحزبية. يمتدّ لحوالي سنة ونصف، ويتنافس خلاله الطامحون الحزبيون إلى البيت الأبيض، في تسويق البرامج والحلول للقضايا والمشكلات القائمة، وفي جمع تبرعات مالية للفوز بالترشيح باسم الحزب وخوض المعركة ضد مرشح الحزب الآخر.
يدور منذ سنوات جدل حول القوانين الناظمة لعملية الانتخاب وضرورة تطويرها واستبدالها بما يوفر استقامة التمثيل والعدالة في الاختيار والنتائج
تتخلل هذه المرحلة جولات في سائر الولايات ومهرجانات ومناظرات بين المرشحين، ترسو في نهاية المطاف، عادة في بداية ربيع السنة الانتخابية أو أواسطها، على المرشح الأقوى الذي يحظى بأكثرية أصوات الانتخابات الحزبية التي تبدأ عادة في فبراير/شباط من العام الانتخابي. وبالقدر الذي يراكم فيه أحدهم التأييد، بقدر ما يتراجع الآخرون وينسحبون، بحيث يزداد الالتفاف الحزبي حوله وتنهمر عليه التبرعات الحزبية لدعم حملته.
وفي هذه السنة، كانت فترة الاختيار أقصر من المعتاد بحكم وجود فيروس كورونا، الذي تدخّل وحسمها باكراً لصالح المرشح الديمقراطي جو بايدن، بعد أن انقطعت عملية الانتخابات الحزبية التي كان قد تفوق فيها حتى مارس/آذار الماضي. والمفارقة أن خدمة الفيروس لبايدن لم تتوقف عند ذلك الحدّ، بل انسحبت لمصلحته على طول الخط ضد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب.
فمنذ مطلع الربيع، وحتى قبله، احتفظ المرشح الديمقراطي بايدن بفارق ملحوظ، وإن كان غير وازن، على الرئيس. تراوح بين ستّ إلى ثماني نقاط، ثم تعزّز بعد استمرار أزمة الفيروس وتفاقمها وعجز الإدارة عن مواجهته بخطة متماسكة، تؤدي إلى هبوط معدلات الإصابات والوفيات. وعلى العكس، تصاعدت الأرقام وربما صارت عبئاً من الصعب على ترامب التخلص من المحاسبة عليه خلال ما تبقى من وقت قصير من الحملة الانتخابية، لا سيما أنه رفض التخلي عن مقاربته المستخفة بالفيروس الذي عاد إلى التفشي بمعدلات عالية عشية الانتخابات.
تمويل الحملة
يلعب المال دوراً رئيسياً في الحملات الانتخابية. فتكاليفها باتت تقارب أو حتى تتعدى المليار دولار. وتتراوح نفقاتها الهائلة بين المواصلات في طول الولايات الخمسين وعرضها، وبين الاتصالات وأجور حشود المستشارين وخبراء الانتخابات ومصاريف الكوادر والمتبرعين والمطبوعات. والأهم من ذلك هو تكاليف الدعاية في وسائل الإعلام كافة، والترويج للوصول إلى أكبر عدد من الناخبين في شتى أنحاء الولايات، والتأثير على المترددين من خلال مخاطبتهم بوعود وطروحات وحلول وتعهدات يتبخر معظمها أو يتم التراجع عنه، ما عدا القليل والميسور من المعالجات.
ويستهلك الإعلان النصيب الأوفر من موازنة الحملة، وخصوصاً في الشق المتعلق بالإعلانات المتلفزة التي تبلغ كلفتها الملايين، وأحياناً عشرات أو حتى مئات ملايين الدولارات. فعلى سبيل المثال، اشترى المرشح الديمقراطي مايكل بلومبيرغ في الانتخابات الحزبية دقيقة دعاية لحملته خلال نقل مباراة بطولة كرة القدم، في فبراير/شباط الماضي، بمبلغ 10 ملايين دولار. هذا عدا عن الإعلانات في الصحف ومحطات الراديو ومواقع التواصل الاجتماعي. طاحونة مالية للترويج للمرشح وسياساته وخطه السياسي. لكن المال على أهميته من هذه الناحية لا يقوى على شراء المنصب.
فبلومبيرغ نفسه، الذي كانت كلفة حملته حوالي 600 مليون دولار، اضطر إلى الانسحاب من الجولة الحزبية في مطلع مارس/آذار الماضي، بعد حوالي 3 أشهر من إطلاق حملته، من دون أن يكسب أية ولاية، أو حتى حفنة من أصواتها. وثمة سوابق من هذا النوع، في معركة 2004 تفوقت مالية المرشح الديمقراطي والوزير السابق جون كيري على مالية منافسه بوش الابن، من غير أن يفلح في التغلب على هذا الأخير. فالمال يسوّق المرشح المتوفرة لديه عوامل الفوز: الكاريزما (ريغان)، والبدائل (أوباما) والحيوية (كلينتون)، والقدرة على استقطاب تكتل راجح من التركيبة الأميركية، وخصوصاً استقطاب الشريحة الأوسع من المستقلين والمترددين الذين يحسمون موقفهم في وقت متأخر من الحملة الانتخابية، والذين يشكلون بيضة القبّان في حسم المعركة.
استطلاعات الرأي
تُعتبر الاستطلاعات بارومتر الانتخابات، وقد صارت، بفيض أرقامها المتلاحقة، أحد عناصر المعركة. وهي مصيبة في غالبية الأحيان، كونها تجرى بطرق علمية في طرح الأسئلة على الناخبين، وباتت تستند إلى تجربة طويلة في هذا الحقل. فالجهات البحثية والأكاديمية والإعلامية، التي تقوم بها، تتوفر لديها قدرات مهنية ولوجستية لاستبيان وجهة الريح الانتخابية بأقرب ما يكون من الواقع.
وهامش الخطأ فيها قائم يتراوح بين 3 أو 4 نقاط، وهو فارق حاسم في المعركة المتقاربة. لكن إجمالاً، هي تلعب دور الإضاءة على المشهد، بما يعطي المزيد من الزخم للمتقدم في المعركة، لتعزيز وضعه لجهة حمل فئات من المترددين على حسم خيارهم لصالحه، كما تساهم في الوقت ذاته في إحباط التأييد للمرشح اللاهث وراء منافسه، خصوصاً أن الجانب المتراجعة أرقامه يفقد تدريجياً روافد الدعم المالي، حيث يصبح دعمه كالمراهنة على حصان خاسر.
الكتلة الانتخابية
يتوزّع الناخبون عموماً مثالثة. ثلث أو أقل محسوم للجمهوري. ومثله تقريباً للديمقراطي. والباقي محسوب على المستقلين غير الملتزمين، والمتنقلين من خندق لآخر حسب الظروف ومواصفات المرشحين. وإجمالاً، تمسك هذه الفئة الأخيرة بمفتاح الفوز بالرئاسة، تميل الدفة وفق ما يميل معظمها، وهي في غالبيتها من الأميركيين البيض الذين يشكلون حوالي نصف عدد السكان، 160 مليون نسمة أو ما يعادل 66% من الناخبين، ومنهم تتألف القاعدة الصلبة للجمهوريين واليمين المحافظ.
في المقابل، تُعتبر الأقليات عموماً قاعدة الحزب الديمقراطي، مع شريحة مهمة من البيض، إضافة إلى الأميركيين السود، الذين يصعب على المرشح الديمقراطي الفوز من دون دعمهم القوي. فهم، بتعداد حوالي 30 مليوناً، يشكلون 12.5% من الناخبين، وتذهب غالبية أصواتهم في حالات الإقبال العالي بحدود 90% إلى المرشح الديمقراطي.
تُعتبر الأقليات عموماً قاعدة الحزب الديمقراطي، إضافة إلى الأميركيين السود، الذين يصعب على المرشح الديمقراطي الفوز من دون دعمهم القوي
أما المتحدرون من أصول لاتينية من بلدان أميركا الجنوبية، والذين يزيد عددهم بحوالي مليونين على السود، فإن غالبية أصواتهم تصب أيضاً للديمقراطي ولو صاروا أكثر توزيعاً في السنوات الأخيرة. ومثلهم إلى حدّ بعيد المتحدرون من أصول آسيوية شرقية، والذين يصل عددهم إلى حوالي 11 مليوناً أو 4,7% من الجسم الانتخابي الذي يُقدَّر بحدود 237 مليون ناخب.
في انتخابات 2016، شارك في التصويت 138 مليون ناخب وامتنع قرابة المئة مليون. ومن المعروف أن هناك ما يزيد على 6 ملايين أميركي في الخارج، بين عسكري ومدني ورجل أعمال، أكثريتهم الساحقة لا تشارك عادة في الانتخابات. هذه المرة يبدو الإقبال أعلى، فحتى الآن، تجاوز عدد الذين شاركوا في التصويت المبكر 93.8 مليون ناخب، أي 50% من مجموع أصوات 2016. ومن المتوقع أن يتراوح عدد الناخبين هذه السنة بين 150 و160 مليون ناخب، معظمهم من ناخبي ضواحي المدن الكبرى، التي تتجه غالبيتها حسب الاستطلاعات نحو تأييد بايدن.
عملية التصويت
حسب الدستور، يجرى التصويت لانتخاب رئيس جديد في أول ثلاثاء يلي أول يوم اثنين من نوفمبر/تشرين الثاني. ويصادف الموعد هذه المرة في الثالث منه. كلّ ولاية تتولى إدارة العملية ووضع بنيتها المناسبة، وتحديد إجراءاتها بالطريقة والقواعد التي تراها ملائمة.
وقد تطورت مع الوقت طرق التصويت وشهدت تغييرات مختلفة. ففي الماضي لم يكن التسجيل المسبق في لائحة الناخبين شرطاً للتصويت كما هو اليوم. كما أن الأميركي الأسود بقي محروماً من الإدلاء بصوته لغاية 1870، أي بعد انتهاء العبودية بسنوات. وهكذا المرأة التي كانت خارج عملية الاقتراع حتى 1920. وفي الماضي، كانت بعض الولايات تفرض ضريبة على التصويت، في محاولة لاستبعاد الملونين عن المشاركة في الانتخابات.
وحتى الآن، يجرى في بعض الولايات وضع حواجز إدارية تحول دون ممارسة قسم من الأقليات لحقهم الانتخابي، لكن الاعتراضات القانونية تطاردها للخلاص منها، ولو أن العوائق ما زالت قائمة بعدة أساليب وأشكال.
ولتوسيع هذا الحق، أجازت الولايات (ما عدا 7 منها، تصبح 6 في 2022) التصويت المباشر المسبق، على أن يحصل خلال 45 يوماً قبل موعد الانتخاب، وينتهي في آخر يوم جمعة يسبق هذا الموعد. كما يجرى التصويت بالمراسلة بناء على طلب أي ناخب لأسباب صحية أو بداعي السفر وغير ذلك. كذلك يحصل التصويت بالبريد من غير طلب في هذه السنة بسبب جائحة كورونا. وقد أثارت الصيغة الأخيرة اعتراض الرئيس ترامب، وقد تتسبب بمشكلة لو حصلت التباسات أو فوارق كبيرة عند فرز الأصوات.
وفي الحالات العادية، تبدأ علامات الفوز والفشل تطلّ بعد إقفال الصناديق، على قاعدة استطلاع عينات من الناخبين لدى مغادرتهم مراكز الاقتراع. وبهذا، تصبح النتائج جاهزة حوالي منتصف الليل أو مع فجر اليوم التالي، إلا إذا كانت الأرقام متقاربة، الأمر الذي يستدعي إعادة فرز الأصوات لو كان الفارق أقل من نسبة معينة. وربما جرى تعليق النتيجة بانتظار فض الخلاف في المحاكم كما حصل في انتخابات 2000. وثمة مخاوف هذه السنة من أن تبقى النتائج معلقة بانتظار البت فيها لعدة أسابيع أو حتى عدة أشهر.
شروط الفوز ومواعيد النتائج والتدشين
بعد التصويت، يبدأ التعقيد. فالدستور صمّم الانتخابات بصيغة أقرب إلى اختيار الرئيس عن طريق وسيط بين الناخب والمرشح، وهي طريقة غريبة عن الانتخاب الديمقراطي المباشر في أقدم ديمقراطية دستورية.
صمّم الدستور الانتخابات بصيغة أقرب إلى اختيار الرئيس عن طريق وسيط بين الناخب والمرشح، وهي طريقة غريبة عن الانتخاب الديمقراطي المباشر
فبموجب هذه الصيغة، يفوز بالرئاسة من ينال النصف زائداً واحداً من أصوات "المجمّع الانتخابي". والأخير هو هيئة بعدد أعضاء مجلسي الكونغرس والشيوخ الـ535، إضافة إلى 3 يمثلون العاصمة واشنطن، المجموع 538، ويكون شرط الفوز مرهوناً بنيل الفائز 270 صوتاً وما فوق. وهو، أي المجمع، يتكون في كل ولاية من عناصر يوازي عددهم، من الجمهوريين كما من الديمقراطيين، عدد نواب الولاية، إضافة إلى ممثليها الاثنين في مجلس الشيوخ. ومن يحصل من المرشحَين، بايدن وترامب، على أكثرية أصوات الناخبين في الولاية، تُجيّر له كافة الأصوات التي تمثل هذه الولاية في المجمع الانتخابي. وتشذّ عن هذه القاعدة ولايتان، نبراسكا وماين، حيث توزع حصة المجمع الانتخابي فيهما على كلا المرشحين نسبياً بقدر حصتهما من أصوات ناخبي هاتين الولايتين في كل دائرة انتخابية فيهما، حيث للدائرة التي يمثلها نائب في الكونغرس صوت واحد من المجمع. لكن يتم تجيير صوتين من المجمع فيهما (يوازيان مقعدي الولاية في مجلس الشيوخ) للمرشح الذي ينال أكثرية أصوات الولاية.
يذكر أن أعضاء المجمع يتم اختيارهم على أساس التزام كل واحد منهم مسبقاً بالتصويت لصالح المرشح الحزبي الذي يمثله، لكن الغرابة في أن أي عضو فيه غير مجبر على ذلك، إذ يجوز له التصويت ضد مرشحه الذي نال أكثرية أصوات المجمع، وبالنهاية يفوز المرشح الذي يحظى بأكثرية أصوات هذه الهيئة التي تجتمع يوم الاثنين الذي يعقب ثاني يوم أربعاء من ديسمبر/كانون الأول، والمصادف هذه المرة في 14 ديسمبر/كانون الأول. ويسبق ذلك موعد في 8 ديسمبر/كانون الأول يتم فيه تسليم كافة أصوات المجمع الانتخابي وجمعها.
ولهذا المجمع القول الفصل دستورياً عبر التصويت في تحديد الفائز بالانتخابات. وهنا قد ينشأ إشكال آخر يزيد من التعقيد ويطيح بالأصوات المباشرة لناخبي الولاية، إذا حصل اختلاف على الحسم بخصوص تحديد حزبية حصة الولاية من المجمع الانتخابي، سواء لتقارب الأرقام أو للشكوك بصحتها. عندئذ يتولى كونغرس الولاية المهمة، ويقوم بتعيين حصة الولاية في المجمّع. وبطيعة الحال لا بد عند ذلك أن يختارهم من حزبه، وبما قد يكون على عكس ما أراده ناخبو الولاية. وفي ذلك حيلة لتغيير النسب في المجمع وبالتالي تغيير الفائز في الانتخابات.
وكانت الغاية من "المجمع الانتخابي" عند التأسيس أن الجمهور قد يختار الشخص غير المناسب، ودور المجمع أن يتولى التصحيح ويختار غيره. وقد سبق وصوّت 165 من أعضاء المجمع، في عدة انتخابات سابقة، ضد المرشح المفترض أن يصوتوا له، لكن ذلك بقي في حدود لم تؤثر على نتيجة الاقتراع الشعبي المباشر، ما عدا مرة وحيدة في سنة 1836، حيث أسقط فيها المجمع نائب الرئيس ريتشارد جونسون، ما اضطر مجلس الشيوخ لاختيار نائب رئيس بديل.
وبعد تصويت المجمع في ديسمبر/كانون الأول، يجرى تثبيت النتائج رسمياً في 6 يناير/كانون الثاني من العام الجديد، على أن تتبع ذلك مراسم القسم الدستوري والتدشين ظهيرة 20 يناير/كانون الثاني عند المدخل الجنوبي للكونغرس.
لكن ماذا لو تعذر على أي من المرشحين الحصول على 270 صوتاً من المجمع، كأن ينال كلاهما 269 صوتاً؟ عندئذ يحال الأمر إلى الكونغرس، حيث يختار مجلس النواب رئيساً وينتخب مجلس الشيوخ نائب الرئيس. ويختار مجلس النواب الرئيس من خلال التصويت بالكتلة، أي بصوت نائب واحد عن كل ولاية، أما مجلس الشيوخ فيصوت بالأكثرية المطلقة.
الاعتراضات وحل المنازعات
تقليدياً، تجرى الانتخابات بسلاسة، وهكذا انتقال السلطة، ووفق المواعيد المحددة. حصل خلل في بعض المرات جرى تجاوزه وفق الدستور أو القوانين السارية أو القضاء، الذي يبقى الجهة الفاصلة في نهاية المطاف، كما حصل في انتخابات عام 2000.
الأرقام حتى اللحظة ترجح كفة بايدن، وبأكثر من 10 نقاط، بعد ثباته على تفوق مستمر بحدود 6 نقاط طوال أشهر الربيع والصيف الماضيين
حيث وقعت الإشكالية في ولاية فلوريدا في ضوء الفارق البسيط الذي كان أقل من 0.5 في المئة، ما استوجب إعادة الفرز في عدد من دوائر الولاية. ثم دخل احتساب نتائج الولاية في متاهة العد الآلي ثم اليدوي، وما تلا ذلك من اعتراضات أدخلت المشكلة إلى محاكم الولاية، ثم تباعاً إلى المحكمة الفدرالية العليا في واشنطن، التي حسمت الخلاف يوم 12 ديسمبر/كانون الأول، وذلك بعد أكثر من شهر وأسبوع على التصويت، بأكثرية 5 ضد 4 لصالح بوش. وآنذاك، انقسمت المحكمة وفق الميول التي تحكم قضاتها التسعة بين محافظين وليبراليين.
التوقعات
الأرقام حتى اللحظة ترجح كفة بايدن، وبأكثر من 10 نقاط، بعد ثباته على تفوق مستمر بحدود 6 نقاط طوال أشهر الربيع والصيف الماضيين. وقد ألحق الفيروس الأذى الأكبر بحظوظ ترامب لهزيمة بايدن، لكن لا ضمان قبل أن تكشف صناديق الاقتراع عما في جوفها، حيث قد يقع طارئ أو مستجد في آخر لحظة.
فالمؤشرات والأجواء السائدة أخيراً تنذر بمعركة أشبه برحلة طائرة وسط مسار هوائي عاصف. هذا في أحسن الأحوال، ذلك أنه عندما يلوّح الرئيس ترامب بإمكانية عدم قبوله بالنتائج إذا اعتبرها ملغومة ضده، فإن اللعبة تكون قد انتقلت إلى ملعب آخر مختلف، وغير مسبوق بقواعده ومساربه وتمخضاته. فلم يسبق لرئيس أن لوّح بمثل هذا الاحتمال، تحت أي ظرف من الظروف. وحسب الردود والمخاوف والتحذيرات من مغبة مثل هذا الخطاب، فإن تلويحه ليس بأقل من تمهيد لنزاع لا مثيل له ولا لتبعاته في تاريخ الرئاسة.
وفي التقدير أن الابتعاد عن ولوج هذا المدخل المجهول مرهون باثنين: فوز كاسح لبايدن يلغي حيثيات أي اعتراض، أو فوز الرئيس ترامب، الذي، لو تحقق، سيكون معه هذا الأخير ولأول مرة، الرئيس الرابع على التوالي الذي يفلح في تجديد رئاسته (بعد كلينتون وبوش وأوباما). وإلا فإن التمهيدات تنذر بخضّة كبيرة ومشرّعة على شتى الاحتمالات، إلا إذا كانت من نوع التهويل لإرباك الخصم، ومعه عملية التصويت. لكن سائر الاحتمالات تبقى واردة.
ومن المؤشرات التي أقلقت مختلف الأوساط هو ما كشفه مؤخراً مكتب التحقيقات الفدرالي "أف بي آي"، عن خطة أعدتها مجموعة من 13 عنصراً، ينتمون إلى اثنتين من مليشيات البيض المسلحة في ولاية ميشيغن، لخطف حاكمة الولاية الديمقراطية غريتشن ويتمر، التي وجه إليها الرئيس ترامب انتقادات شديدة اللهجة بسبب اتخاذها خطوات متعارضة مع توجهاته في التعاطي مع كورونا. وقد عزز هذا التطور الاعتقاد بعدم استبعاد حتى العنف في هذه الانتخابات.