تواصل الأحزاب السياسية في الجزائر، لليوم الثاني على التوالي، حملة الدعاية لمرشحيها للانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 12 يونيو/ حزيران المقبل، لكن صدفة ملفتة للانتباه حدثت اليوم، تتعلق بتقاطع مجموع خطابات قادة الأحزاب الفاعلة حول ما يعرف بـ"بقايا العصابة" التي يقصد بها مجموعات تتمركز في الإدارة والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، من المحسوبين على نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والتحذير من تأثيرات محتملة لهم في المس بنزاهة الانتخابات وتعطيل مسار تعافي البلاد من مخلفات الحكم السابق.
وقال رئيس حزب "جبهة المستقبل" عبد العزيز بلعيد، في تجمع انتخابي بمدينة شلغوم العيد، شرقي البلاد، إنّ الجزائر "كانت تحكمها عصابة سياسية فاسدة، حيث عاشت البلاد أزمة حكم عصف بكل شيء، بسبب الفساد الذي عم البلاد والعباد وعطل التنمية وأسس لفساد أخلاقي واقتصادي وكانت له نتائج كارثية"، مضيفاً "نحن نتحمل أوزارها اليوم، وهذا يستدعي ضرورة رص الصفوف وتضافر الجهود من أجل استرجاع الثقة وإعادة بناء المؤسسات لتجاوز الأزمة المتعددة الجوانب التي تمر بها البلاد".
لكن رئيس حركة "مجتمع السلم"، عبد الرزاق مقري، يتخوف من تأثيرات موظفين أو مجموعات محسوبة على النظام السابق، يوصفون بأنهم "بقايا العصابة التي ما زالت موجودة، والتي قد تقدم على التلاعب بنتائج الانتخابات"، بهدف تعطيل مسار الإصلاح السياسي في البلاد والعودة إلى مرحلة سابقة، ودعا إلى التصدي بشدة لمثل هذه الممارسات، وقال: "رئيس الجمهورية وعدني بضمان نزاهة الانتخابات البرلمانية، وردع الممارسات التي من شأنها ضرب مصداقيتها أو المساس بشفافيتها".
وتابع مقري، في تجمع له نظمه في منطقة المغير، جنوبي البلاد، إنّ "العصابة ما زالت موجودة ووجب تكاتف الجهود للقضاء عليها"، خاصة في ظل بوادر أزمة اقتصادية حادة تُهدد مستقبل الجزائر خاصة، نتيجة إنهاكها اقتصادياً ونهب رجال النظام السابق في عهد بوتفليقة للأموال العامة. وكشف أن احتياطي الصرف بلغ 15 مليون دولار، "وهو ما يعني العجز عن تسديد أجور العمال"، معتبراً أن "الجزائر لديها من الإمكانيات الوطنية البشرية والطبيعية التي تضمن لها تحقيق التنمية".
وظهر مصطلح "العصابة" في بعض الكتابات السياسية والإعلامية قبل بداية الحراك الشعبي، للاشارة إلى الكارتل المالي المتحالف مع محيط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لنهب المال العام والاستيلاء على المقدرات، لكن مصطلح "العصابة" دخل قاموس الاستخدام الرسمي، منذ منتصف مارس/آذار 2019، بعد الاستخدام المفاجئ له على لسان قائد الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح، حين تحول موقفه لصالح الحراك ومطالبته بتطبيق المواد السابعة والثامنة من الدستور (تتضمن إقرار سيادة الشعب). وكان هذا الاستخدام موجّهًا في المرحلة الأولى ضد قائد المخابرات السابق الفريق محمد مدين والجنرال خالد نزار ومسؤولين آخرين كانوا على صلة بهم، قبل أن يصبح هذا المصطلح موجهاً إلى محيط المجموعات السياسية والمالية والقيادات الأمنية والعسكرية المرتبطة بنظام بوتفليقة، ومنذ ذلك الوقت درج كل المسؤولين الجزائريين على وصف كل من له علاقة بالنظام السابق، بأنه من "العصابة" التي كانت تحكم البلاد قبل اندلاع الحراك الشعبي.
من جهته، ذهب رئيس "حركة البناء الوطني"، عبد القادر بن قرينة، إلى السياقات نفسها، وقال، في تجمع انتخابي عقده بولاية أم البواقي شرقي البلاد، إنّ "بعض المسؤولين المدسوسين في مؤسسات الدولة الجزائرية يريدون أن يبقوننا رهن سياسة الاستيراد استيراد المواد الأولية على غرار القمح من فرنسا، وعدم الذهاب لتأمين غذائنا"، واتهم بن قرينة "بقايا العصابة وعملاء الاستعمار المتبقين على مستوى بعض دوائر السلطة بأنهم يحولون دون تحقيق الجزائر لأمنها الغذائي"، واعتبر أنهم بمثابة "عملاء اقتصاديين للغرب".
وقال رئيس مجلس الشورى الوطني لــ"جبهة العدالة والتنمية" لخضر بن خلاف، خلال افتتاح مقر المداومة الوطنية للحملة الانتخابية، اليوم، إنّ "البلاد كانت بيد عصابة تحكم وتتصنع المشهد السياسي كما تشاء، والنظام السابق وعلى مدار 20 سنة اغتصب الإرادة الشعبية على مستوى مؤسسات الدولة من خلال التزوير لأحزاب السلطة وخلق أغلبية مفبركة".