ليل الخميس - الجمعة، أُغلق نهائياً باب الترشيح في الانتخابات الإسرائيلية الرابعة خلال عامين، على 39 قائمة رسمية، منها نحو 14 قائمة ستتمكن من اجتياز نسبة الحسم 3.25 في المائة من مجمل الأصوات الصحيحة، وسط حالة بلبلة شديدة في خيارات الناخب الإسرائيلي، الذي يجد نفسه مضطراً للذهاب إلى صناديق الاقتراع في مارس/آذار المقبل، للمرة الرابعة في عامين، منذ انتخابات الكنيست التي جرت في إبريل/نيسان 2019. وليس مرد البلبلة هذه وجود تنّوع في الأحزاب، بقدر ما هي بلبلة في اختيار الحزب اليميني الذي سيصوّت له الناخب، في ظلّ حقيقة كون تسعة من الأحزاب المرشحة لاجتياز نسبة الحسم، هي أحزاب يمينية بامتياز.
تسعة من الأحزاب المرشحة لاجتياز نسبة الحسم، هي أحزاب يمينية بامتياز
ويمكن القول بناءً على ذلك، وبحسب قائمة الأحزاب المرشحة، وحقيقة الخريطة الحزبية الممثلة في الكنيست الحالي، إن الانتخابات هي بين اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو، واليمين المناهض له، مع هامش ضيّق يكاد لا يمثل 10 في المائة من نواب الكنيست لحزبي "العمل" و"ميرتس" اليساريين. ويُتوقع لهذين الحزبين أن يحصلا سوية على ما بين 8 و10 مقاعد فقط من أصل 120 مقعداً في الكنيست، في حال اجتيازهما نسبة الحسم، ما يعني أن اليسار الإسرائيلي العلماني يجد له خيارين واضحين للتصويت، خلافاً لليمين الإسرائيلي.
ففي اليمين الإسرائيلي، الذي يشكّل حزب "الليكود" برئاسة بنيامين نتنياهو أكبر أحزابه، توجد أحزاب يمينية علمانية صرفة تطالب بفصل الدين عن الدولة كلّياً. وهذا الحال ينطبق على حزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة المولدافي الأصل أفيغدور ليبرمان، وهو الحزب الذي يرتكز في قاعدته الانتخابية إلى المهاجرين اليهود من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وحتى حزب "الصهيونية الدينية" الذي يقوده بتسليئيل سموطريتش، ويشمل في قائمته حزب "عوتصماه يهوديت" و"نعماه"، وهي ثلاثة أحزاب دينية استيطانية متطرفة تختلف بينها في ترتيب الأولويات: مثلاً في تطبيق الشريعة اليهودية، وتفجير المسجد الأقصى، وبناء الهيكل الثالث. وبين هذين القطبين في اليمين الإسرائيلي، يتموضع حزبا "الحريديم" (اليهود الأصوليون الأرثوذكس) للشرقيين، "شاس"، ولليهود الغربيين، "يهدوت توراة"، وهما غير صهيونيين، لكن جمهورهما المصوّت لهما يميني وعنصري بامتياز، يستمد عنصريته من شرائع ونصوص التوراة، ولا يرى في العرب سوى "أغيار".
وهناك بطبيعة الحال حزب "يمينا"، الذي أسسّه نفتالي بينت العام الماضي بعد سلسلة من التغييرات التي أدخلها مع انضمامه وترؤسه منذ العام 2013 حزب المفدال التاريخي وتغيير اسمه إلى "البيت اليهودي"، وصولاً إلى حزب "يمينا" الحالي الذي خفّف فيه من تأثير حاخامات الصهيونية الدينية، إلى درجة إعلان الحاخام المستوطن، حاييم دروكمان، الجمعة عن قراره تأييد حزب "الصهيونية الدينية" الذي يقوده بن تسبيئيل سموطريتش. ويحاول نفتالي بينت الذي يؤمن بكامل السيادة الإسرائيلية على فلسطين، الدمج بين التيار الديني الصهيوني وبين شرائح علمانية، بالأساس من الطبقة الوسطى، لـ"استيطان القلوب" عند المجتمع الإسرائيلي العام، كي لا ينفر من حركات الاستيطان.
وإلى جانب هذه الأحزاب التي يتراوح حجمها بين صغيرة ومتوسطة، يبرز في اليمين حزب "الليكود"، أكبر أحزاب اليمين الإسرائيلي اليوم، وحزب "تكفاه حداشاه" الذي أسسه الوزير الليكودي السابق، غدعون ساعر قبل نحو شهرين بعد انشقاقه عن "الليكود"، تحت شعار استعادة "الليكود" التاريخي. ويتهم ساعر نتنياهو بتخريب الحزب وإضاعة بوصلته وإفساد الحكم، والتهاون في مواجهة حركة "حماس"، والتردد في بسط وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة. ثم يأتي بالقوة نفسها تقريباً وفق الاستطلاعات الأخيرة، حزب اليمين "ييش عتيد". وعلى الرغم من أنه يقدّم نفسه للإسرائيليين بأنه حزب وسطي، يؤمن بتسوية إقليمية، إلا أن "ييش عتيد" لا يحيد قيد أنملة عن موضوع إبقاء القدس موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، عدا عن انتهاجه مواقف عنصرية ضد العرب الفلسطينيين في الداخل.
أحزاب اليمين المذكورة أعلاه، هي عملياً التي تخوض الانتخابات على الحكم في ما بينها، لكونها تملك حسب الخريطة الحزبية الحالية أكثر من 90 مقعداً في الكنيست، وبالتالي فإن لبّ الصراع على الحكم هو بين من يتبعون لمعسكر نتنياهو تلقائياً (الحريديم والصهيونية الدينية) وبين من يسعون لتغيير نتنياهو من داخل اليمين، والذين يشكّل ساعر اليوم نقطة جذب لهم.
يواجه فلسطينيو الداخل انقساماً بين قائمتين عربيتين ما من شأنه أن يؤدي إلى تراجع التمثيل العربي في الكنيست
في ظلّ هذه الهيمنة لليمين، يجد الإسرائيلي نفسه حائراً، خصوصاً إذا لم يكن من الحريديم الذين تبدو خياراتهم واضحة، بين مختلف أحزاب اليمين، وهي أحزاب تعكس أصلاً حالة الشرذمة داخل اليمين نفسه، والخلافات بين مجموعاته المختلفة على أولويات الحكم. ومع أن "الليكود" هو أكبر هذه الأحزاب، إلا أن الأزمة السياسية في إسرائيل نابعة أساساً من هوية الشخص الذي يقف على رأسه، بنيامين نتنياهو، وتورطه في ملفات فساد ورشاوى، وهو السبب الرئيسي في خوض إسرائيل ثلاثة انتخابات حتى الآن خلال نحو سنتين، من دون أن تتمكن المنظومة الحزبية فيها من التخلص من حكمه أو تحقيق نتائج حاسمة تضمن تشكيل ائتلاف حكومي يميني يتمتع بتأييد 61 نائباً فما فوق، من دون دعم من الأحزاب العربية المشاركة في انتخابات الكنيست.
وعلى عكس دوامة الانتخابات الإسرائيلية، تجذر البُعد العنصري في رفض شرعية مشاركة أحزاب عربية في الحكومة، أو حتى دعمها من خارج الاختلاف، كعبرة تمّ استخلاصها من تجربة إسحاق رابين في الاعتماد على أصوات خمسة نواب عرب عام 1994 لدعم حكومته من الخارج وإقرار اتفاقية أوسلو. وكان هذا الدعم سبباً للطعن في شرعية حكومته وشرعية الاتفاق، وانتهى باغتيال رابين في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1995 على يد اليهودي اليميني المتدين، يغئال عمير، الذي أعلن أنه حصل مسبقاً على فتوى من مرجعيات دينية يهودية أتاحت له القتل.
مقابل التنوع الكبير لأحزاب اليمين، بحسب تعريفاتها المختلفة، يجد الفلسطينيون في الداخل الذين يشكّلون نحو 17 في المائة ممن يحق لهم الاقتراع، أنفسهم هم أيضاً أمام حالة انقسام جديدة. فقد انشقّت الحركة الإسلامية الجنوبية التي تخوض الانتخابات تحت مسمى "القائمة العربية الموحدة"، عن القائمة المشتركة بمركّباتها الأربعة الأصلية، بعدما أعلن رئيسها منصور عباس عن "نهج جديد" لا يستبعد التعاون مع حكومة برئاسة نتنياهو مقابل تحقيق مكاسب مدنية، ورفع الأجندة المدنية إلى جانب شعار الثوابت الدينية والعقائدية فوق القضية الوطنية. وسيكون على الناخب الفلسطيني أن يختار بين "القائمة العربية الموحدة"، وبين القائمة الأصلية للقائمة المشتركة التي لا تزال تضم ثلاثة أحزاب توافقت على المضي في قائمة موحدة (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، التجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير)، وسط انقسام من شأنه أن يؤدي إلى تراجع التمثيل العربي في الكنيست، من جهة، مع مخاوف من سقوط القائمة المنشقة وعدم قدرتها على اجتياز نسبة الحسم، من جهة أخرى. لكن أكثر ما يبعث على القلق في ظلّ وجود قائمتين، هو تفاقم تراشق الاتهامات بينهما، وتوسع الشرخ الداخلي الاجتماعي، في الوقت الذي تكثف فيه الأحزاب الصهيونية، وفي مقدمتها "الليكود"، من حملاتها الدعائية لكسب الأصوات من الناخبين العرب.