استمع إلى الملخص
- التحديات الداخلية والتنسيق السياسي: يواجه الائتلاف تحديات في التنسيق مع تيارات سياسية مثل "منصة موسكو" و"منصة القاهرة"، مع التمسك بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 لتشكيل هيئة حكم ذات مصداقية واعتماد دستور جديد.
- التوجهات المستقبلية والتعاون: يدعو المحللون إلى تعديل القرار 2254 والتنسيق مع القيادة الجديدة في دمشق لدعم الاستقرار وإعادة بناء البنية التحتية، مع إشراك التكنوقراط في عملية إعادة البناء.
يحاول الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية تأكيد الحضور في مشهد سياسي يترقب السوريون انجلاء معالمه، خصوصاً في المرحلة الانتقالية المنوط بها وضع الآليات الكفيلة بإدارة بلاد تركها نظام بشار الأسد المخلوع منهكة على الصعد كافة. وتأتي تحركات ومواقف "الائتلاف السوري" و"هيئة التفاوض" خلال الأيام الماضية، فيما تشهد البلاد محاولات لتلمّس الطريق للخروج من الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية.
لقاءات "الائتلاف السوري" و"هيئة التفاوض"
أجرى رئيس "الائتلاف السوري" هادي البحرة، ورئيس "هيئة التفاوض" بدر جاموس، خلال الأيام القليلة الماضية، عدة لقاءات مع جهات سورية، إذ التقيا، السبت الماضي، بالرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، في دارة الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في بلدة قنوات بالسويداء. وذكر بيان لـ"هيئة التفاوض"، أن اللقاء يأتي "لتأكيد وحدة الأراضي السورية بعد خلاص السوريين من النظام الأسدي البائد، وتأكيد أن السوريين جميعاً إخوة وأسرة واحدة تدعم مساعي القيادة الجديدة من أجل ترسيخ الأمن والأمان وبناء سورية الحديثة وطن جميع السوريين، ودولة العدالة والحقوق والواجبات المتساوية". وتمت مناقشة "ضرورة التعاون مع الإدارة السورية الجديدة لبناء دولة المواطنة والقانون التي تحفظ حقوق الجميع في بيئة من السلم والأمان".
كما التقيا، في الثاني من يناير/ كانون الثاني الحالي، بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا العاشر، في دار البطريركية بدمشق. وبحسب بيان بطريركية أنطاكية وسار المشرق للروم الأرثوذوكس، "تناول اللقاء حديثاً عن مستقبل سورية كدولة المواطنة على أساس التساوي بين كافة مكوناتها في الحقوق والواجبات التي يضمنها دستور يتشارك الجميع في صياغته ويتوافقون على القضايا الدستورية وحرية التعبير والحياة السياسية. مع التشديد على أهمية التعاضد والتكاتف للمساعدة في الاستقرار والسلم الأهلي وتأمين الحاجات الأساسية للمواطن والإسراع في النهوض باقتصاد البلد".
ويبدو أن الجولة التي أجراها البحرة وجاموس لم تكن بتنسيق كامل مع التيارات السياسية في داخل "الائتلاف السوري" و"هيئة التفاوض". فقد ذكرت مصادر في "هيئة التفاوض" فضّلت عدم ذكر اسمها في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تحرك بدر جاموس الحالي لا يتم بتنسيق مع ما بقي من مكونات الهيئة"، معتبرة أن هذه الهيئة "فقدت أي قيمة سياسية لها بعد سقوط الأسد". وأوضحت المصادر أن "منصة موسكو" أعلنت في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تعليق عضويتها في الهيئة و"منصة القاهرة"، تقاطعها منذ صيف 2023. مضيفة أنه لم يبق في "هيئة التفاوض" إلا "الائتلاف وهيئة التنسيق الوطنية". وبيّنت أن الفصائل العسكرية والمستقلين في الهيئة "من ملحقات الائتلاف الوطني".
وفي حين أنه أُخذ من قبل البعض على تلك اللقاءات أنها اقتصرت على شخصيات دينية، فإنه لم يتم أي تواصل رسمي بين الإدارة السياسية الجديدة في دمشق وبين "الائتلاف السوري" و"هيئة التفاوض" التي تضم منصات سورية كانت معارضة للأسد، وأبرزها الائتلاف ذاته. وهي أي "هيئة التفاوض"، كما تعرّف نفسها "كيان وظيفي مهمته التفاوض مع النظام السوري ضمن مسارات ترعاها الأمم المتحدة"، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، الصادر عام 2015. وما يزال "الائتلاف السوري" يدفع باتجاه تطبيق مضامين هذا القرار، خصوصاً لجهة "تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، تشمل الجميع وغير طائفية، واعتماد مسار صياغة دستور جديد لسورية، وإجراء انتخابات حرة برعاية أممية".
وفي إطار مواقف "الائتلاف السوري" و"هيئة التفاوض" يتمسك "الائتلاف السوري" بتطبيق هذا الاتفاق لأنه السبيل الوحيد كما يبدو لبقائه في المشهد السوري، رغم تهم الفشل التي تلاحقه منذ عدة سنوات. وبدأت تظهر مؤشرات تصدع في هذا الائتلاف بعد سقوط نظام الأسد، في الثامن من ديسمبر الماضي، إذ أعلن عدد من أعضائه الاستقالة، ما يعد خطوة ربما نحو تلاشي دوره السياسي في المرحلة المقبلة. كما أعلنت "القوة المشتركة"، في الأول من الشهر الحالي، التي تضم فرقتي "السلطان سليمان شاه" (العمشات)، و"الحمزة" (الحمزات)، الانسحاب من الكتلة العسكرية في الائتلاف، من دون إيضاح الأسباب.
ورغم إعلان الإدارة الجديدة أن الوقائع السياسية بعد سقوط نظام الأسد تجاوزت القرار 2254، وأنه بات بحاجة إلى تعديل، إلا أن "الائتلاف السوري" ما يزال يرى أنه معني بتطبيق القرار، وأنه يجب أن يكون طرفاً رئيسياً في أي تفاهمات تخص المرحلة الانتقالية. فقد ذكرت الإدارة في بيان، عقب لقاء رئيسها أحمد الشرع، مع المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون في دمشق، يوم 16 ديسمبر الماضي، أن الشرع أكد على "ضرورة إعادة النظر في القرار 2254 نظراً للتغيرات التي طرأت على المشهد السياسي، مما يجعل من الضروري تحديث القرار ليتلاءم مع الواقع الجديد".
من جهته قال هادي البحرة في تصريحات لتلفزيون سورية، السبت الماضي، إن الائتلاف "ليس حزباً سياسياً، ولا ينافس للوصول إلى السلطة"، مضيفاً أن الائتلاف وفقاً لمبادئ ميثاقه تنتهي مهمته مع انتخاب جمعية تأسيسية تمثل السوريين، ويسلمها الملفات التي عمل عليها. وكان "التلفزيون العربي" قد نقل، في 30 ديسمبر الماضي، عن مصدر في الائتلاف الوطني السوري أن "الائتلاف سيرفض المشاركة في المؤتمر الوطني للحوار الذي تعتزم الإدارة السورية الجديدة إطلاقه خلال الأيام المقبلة، وذلك إذا ما وُجِّهَت الدعوة للائتلاف باعتباره من الأفراد، وليس مؤسسة سياسية كما يطالب أعضاؤه".
تحقيق أهداف الثورة
في هذا الصدد، بيّن أحمد جميل بكوره عضو الائتلاف الوطني السوري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تحرك "الائتلاف السوري" و"هيئة التفاوض" في هذه المرحلة "يعكس استمرار جهودهما في تحقيق أهداف الثورة السورية"، مضيفاً أن "هذه الأهداف لا تقتصر على إسقاط النظام فحسب، بل تمتد إلى بناء دولة قائمة على الحرية والكرامة والعدالة". واعتبر أن "المرحلة الانتقالية الحالية حساسة ودقيقة، وتتطلب جهوداً جماعية لتيسير الانتقال نحو الاستقرار، مع الحفاظ على السلم الأهلي وتعزيز التشاركية لتحقيق تطلعات الشعب السوري في دولة ديمقراطية شاملة تلبي حقوق جميع أبنائها".
أحمد جميل بكوره: التواصل مع الإدارة الجديدة يتم حتى الآن بشكل غير مباشر
وأكد بكوره أن التواصل مع الإدارة الجديدة "يتم حتى الآن بشكل غير مباشر"، مشيراً إلى أن "الائتلاف كان داعماً للإدارة السورية الجديدة منذ تأسيسها"، مشدّداً على انفتاح "الائتلاف السوري" على الحوار "مع جميع الأطراف الوطنية". وحول المشاركة السياسية، جزم أن تهميش وإقصاء الائتلاف عن المشهد السياسي في البلاد "غير وارد"، مضيفاً أن "الائتلاف تحالف يضم أجساماً سياسية وطنية عريقة تمثل طيفاً واسعاً من الشعب السوري". وفي هذا الإطار دعا إلى أن تكون "البيئة السياسية شاملة وتستوعب الجميع دون استثناء"، معتبراً أنه "إذا كانت هناك أخطاء أو تقصير بحق الائتلاف في الوقت الحالي، فإن تدارك ذلك يتطلب جهداً مشتركاً من جميع الأطراف الوطنية، لضمان تعزيز الشراكة الوطنية". من جهة أخرى أكد التزام الائتلاف الوطني السوري بـ"تسهيل الانتقال السلمي"، مشيراً إلى هذا الائتلاف "يعمل بمسؤولية عالية لخدمة الشعب السوري".
ورأى أن الظروف المعقدة في الداخل السوري، والتحديات الأمنية والسياسية، تجعل من الصعب قياس التأييد الشعبي بمعايير تقليدية، فيما "يركز الائتلاف على اتخاذ القرارات الصائبة التي تحقق المصلحة العامة وتخدم تطلعات السوريين، بعيداً عن السعي وراء الشعبية اللحظية". وعن اللقاءات التي يجريها الائتلاف، أشار بكوره إلى أن "الائتلاف الوطني يسعى إلى التواصل مع جميع مكونات الشعب السوري دون استثناء، ولقاءاته تشمل مختلف الأطياف الدينية والاجتماعية والسياسية"، مضيفاً أن "زيارة شيخ العقل في السويداء أو رؤساء الكنائس هي جزء من سلسلة تحركات واسعة تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية وبناء جسور الثقة بين جميع السوريين".
أبعد من القرار 2245
من جهته، رأى السفير السوري السابق في السويد، بسام العمادي والموجود الآن في دمشق، أن الواقع السياسي بعد سقوط الأسد "تجاوز القرار الدولي 2254"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "بيدرسون الذي يحاول فرض هذا القرار وتوابعه، شجّع البحرة وجاموس على تأييد بيان العقبة (صدر عن لجنة الاتصال الوزارية العربية بعد سقوط الأسد، ودعا إلى تطبيق القرار المذكور)".
بسام العمادي: كان الأفضل للائتلاف وهيئة التفاوض التنسيق مع القيادة الجديدة وفتح الطريق لتعاون مثمر معها
واعتبر أن توضيح القيادة الجديدة بأن القرار يحتاج لتعديل "كان تصريحاً دبلوماسياً للقول بأن القرار لم يعد صالحاً وأصبح في عداد النسيان". ورأى العمادي أنه "كان الأفضل التقاط "الائتلاف السوري" و"هيئة التفاوض" ذلك و"اتباع طريق مختلف بالتنسيق مع القيادة الجديدة وفتح الطريق لتعاون مثمر معها وضم جهودهما لها من خلال العمل الدبلوماسي الذي كانا يقومان به لفترة طويلة وتجييره لحساب الوضع الجديد". خصوصاً، وفق العمادي، أن "القيادة الجديدة بحاجة لخبرات دبلوماسية في التعامل الدولي".
وعن المرحلة المقبلة التي تمر بها سورية، رأى العمادي أنها "تتطلب مواقف مساعدة للقيادة الجديدة، وليس تشتيت القوى واتباع المواقف المتشددة بالرغم من ضعف القوة الذاتية، لأن ذلك يقود إلى خلق منازعات لا تخدم القضية السورية بمجملها". وأضاف أن "القيادة الجديدة تسير بخطى واضحة لتثبيت الأمن والاستقرار بالرغم من المصاعب والضغوط الكبيرة التي تواجهها داخلياً وخارجياً، لذا فإن الموقف الوطني يستدعي رص الصفوف، فسورية بحاجة لإعادة بناء كبيرة نظرا لتهالك البنية التحتية التي أهملت لستين عاماً". ودعا إلى "تركيز الجهد لمساعدة القيادة الجديدة لحين تثبيت الأمن والأمان، وبعدها يمكن إشراك الآخرين وخاصة التكنوقراط لإعادة البناء".