الإعدامات في إيران: الإدارة الأميركية "تراقب" واختلاف بالتوقعات

13 ديسمبر 2022
الوضع في إيران مهدد بالخروج عن السيطرة (فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -

أخبار الإعدامات، أخيراً، نقلت الوضع في إيران من جديد إلى الساحة الأميركية من زاوية ما إذا كان قد حان وقت إعادة النظر بالتوقعات حول مآلات التظاهرات واحتمالاتها في ضوء هذا التحول في المواجهة بين النظام والشارع في الجمهورية الإسلامية. 

في البداية جرى التعامل الأميركي مع حركة الاحتجاج التي انفجرت مع وفاة الفتاة الإيرانية مهسا أميني في مركز شرطة الأخلاق يوم 16 سبتمبر/أيلول الماضي، على أنها محكومة بالمصير التي انتهت إليه الانتفاضات السابقة، الإصلاحية منها والمعيشية في 2008 ثم 2017 و2019 وما بينها من تحركات عابرة.

من جهة، النظام الإيراني متماسك وأثبت قدرته على اجتياز عدة امتحانات من هذا النوع، وفي المقابل الشارع بلا تنظيم ولا قيادة لفرض الإصلاحات ناهيك بالتغييرات غير المتوفرة شروطها. وعليه، بقي موقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من التظاهرات أبعد ما يكون عن المراهنة عليها لتحقيق ولو حد أدنى من الاختراقات. لذلك اكتفت في حينه بإدانة التصعيد الأمني ضد المحتجين، مع التأكيد على تمسكها بالخيار الدبلوماسي بالنسبة للملف النووي الإيراني. 

ومع تزايد حدة المواجهات وسقوط المزيد من الضحايا، اضطرت الإدارة الأميركية لمواكبة التطورات بتزويد حركة الاعتراض بالتقنيات التي تكفل تواصلها مع الداخل والخارج بعد انقطاع الإنترنت في إيران.

الآن تغير المشهد وكذلك مقاربته، تنفيذ حكم الإعدام "على الملا" بثلاثة من المتظاهرين الإيرانيين، بعد محاكمة "مستعجلة"، أبرزته التغطية والردود وكأنه محطة فاصلة في مواجهة صارت مفتوحة على أكثر وأبعد مما بلغته الاحتجاجات السابقة.

اللجوء إلى هذه الورقة خصوصاً إذا تزايد العدد، وحسب التقارير هناك 17 إيرانياً صدر بحقهم مثل هذا الحكم، يشي بأن الوضع مهدد بالخروج عن السيطرة وبما اقتضى زرع "الخوف" عبر علنية الإعدامات، كسلاح رادع، لا سيما بعدما امتدت الموجة "من الشارع الإيراني إلى المجتمع" عبر الإضرابات وانضمام قطاعات "طلابية وعمالية - البتروكيماويات".

وثمة من لا يستبعد أن يتمدد التعاطف في إيران إلى بعض "القطاعات العسكرية"، حسب الخبير في الشأن الإيراني في مؤسسة "كارنجي" للدراسات بواشنطن كريم سادجادابور. 

سادجادابور يذهب في قراءته إلى حد ّالتذكير بالتمدد المشابه عشية ثورة 1979. وإذ لا تخلو بعض القراءات من مبالغات وتمنيات في تفسير هذا التطور، إلا أن الاعتقاد السائد ما زال يرجح كفة النظام، بقدراته "الهائلة"، خاصة أن "حركة الشارع لم تبلغ بعد نقطة الذروة". في بعض التقديرات أنها تسير في هذا الاتجاه مستفيدة من "مأزق النظام" الذي وقع بين خيارين أحلاهما مرّ، "فإذا رضخ لبعض مطالب المحتجين لجرت مطالبته بالمزيد، وإن فعل العكس فإن المواجهة تصبح محكومة بالتصعيد" وبالتالي بتوسع دائرتها. عمليات الإعدام في إيران تعكس الاحتمال الثاني، لا سيما أن المسالة تطورت من احتجاج إلى "رفض" للواقع القائم. 

هذا الطرح استوقف أوساطاً مختلفة من باب أن ظروف اللحظة الراهنة تختلف عن تلك التي حكمت الانتفاضات السابقة، خصوصاً من ناحية التراكمات، فضلاً عن "غياب عامل الخوف" الآن عن الشارع الإيراني، كما يقول سادجادابور. يعزز ذلك ما يتردد عن وجود "فوضى" في مطبخ القرار الإيراني، عكسها الخلاف الجاري حول موضوع الحجاب الذي بقي معلقاً بين مؤيد للتنازل بخصوصه وبين متشبث بوجوب التشدد بشأنه.

ويساهم في ذلك وربما يفاقمه ما تناقلته معلومات حول وجود عمليات شد وجذب داخل دائرة الخلافة التي "ينوي المرشد خامنئي نقلها إلى ابنه مجتبى غير المحبوب". 

هذه التطورات "عليهم، في طهران، أن يعلموا أننا نراقبها"، قالها أمس الإثنين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس. وكأن المعادلة صارت مرشحة لتحولات ما عاد من الممكن استبعادها في لحظة يتزايد فيها "انكفاء جمهور المؤيدين للثورة التي يمثلها النظام، مع ما يؤدي إليه ذلك من خطر النظر إليها على أنها لم تعد قابلة للاستمرار"، حسب الأستاذ الجامعي تشارلز كورزمن. 

نظرياً يقال إن "ما يبدو أبعد ما يكون عن التصور في الأنظمة الفردية، قد يصبح أمراً لا مفرّ منه في غضون أيام". على الأرض، لا يرى المراقبون ما يشير حتى الآن إلى انطباق هذا القول على الوضع الإيراني المضطرب ولو أن في تسارع وتعاظم أحداثه ما يغري بإسقاط هذا الاحتمال عليه.

المساهمون